حماس وصناعة التاريخ
حماس وصناعة التاريخ
أحمد الفلو*
كلما حاولت الحركات الاسلامية في العالم العربي التقدم خطوة على طريق العمل الشعبي والسياسي إلاّ وأعادتها الأنظمة السياسية القائمة خطوات إلى الوراء وهذا ما شهدته ساحة العمل السياسي طوال أكثر من ستين عاماً , وكانت الإخفاقات متتالية و على امتداد الوطن العربي الكبير وبتنوع أنظمته السياسية القائمة , واختلاف ظروف العمل والتحرك من قطر لآخر لم تخرج أي تجربة سياسية إسلامية بنتائج حقيقية ملموسة , وكانت هذه التجارب ومازالت في نطاق لعبة ( الشد والرخي ) .
أما في غزة فقد كان الوضع مختلفاً تماماً حيث أن الحركة الإسلامية لم تكن جامدة أو متحفظة أو خائفة بل هي حركة متفاعلة مع الزمن وتطورات الأحداث من جهة ومع الجماهير وتطلعاتها من جهة أخرى , بل هي حركةٌ تسابق الزمن و تتفهم ما يحدث على الساحة المحلية والعربية والدولية وبالتالي تتخذ قراراتها بحكمة أولاً وبالاستناد إلى دعم شعبي هائل وقوي سواء داخل فلسطين أو في الشتات أو من قِبَل الشعوب الإسلامية والعربية , وبسرعة كبيرة أصبحت حماس صقراً بجناحين أولهما التحرر الوطني ومقارعة الصهيونية وثانيهما تجربة هامة وطليعية في تسلم الحكم والإدارة في اقليم شيه مُحتل
. لقد هيَّأ الله لحركة حماس الكثير من أسباب النجاح والتمكين والقوة فكان الوعي والتخطيط والتنظيم والاستعداد على يدي شهيد الأمة الشيخ احمد ياسين وطلابه من بعده , فنشأت الحركة في أزقة المخيمات والفقر وآلام التشرد واللجوء مهتدية بالقرآن الكريم مصدر عزها وقوتها وبالإخلاص والعمل الدؤوب أصبح نهج حماس هو النهج الرائد للأمة الإسلامية ونهج الشعب الفلسطيني , وقد أثار هذا النجاح حفيظة العديد من القوى سواء على الساحة الفلسطينية والمقصود هنا حركة فتح وصيصانها أوالساحة العربية وبالأخص مصر أوالساحة الدولية وهي أوروبا وأمريكا وأتباعهم , وعملت هذه القوى مجتمعة ومنفردة بأقصى ما تملك من قوة لدرء خطر حماس القادم لامحالة وسخرت القوى العظمى واسرائيل جميع امكاناتها للقضاء على خيار الشعب الفلسطيني وجعلت من الرئيس عباس وزمرته الفاسدة مطايا وأدوات لتحقيق هذا الهدف الشرير .
إن الإنقلاب الإجرامي الذي قام به عباس قد بدأت أولى حلقاته منذ اليوم الأول لفوز حماس حيث شارك عباس بتعزيز الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني من خلال منع وصول الأموال تارة أو الاستيلاء على تلك الأموال ووضعها في خزانة قصره لينفق أزلامه من دحلان وأبو شباك والمشهراوي ونبيل عمرو على الدعارة والمخدرات والحرب على الإسلام وأهله ضمن مخطط لإفشال تجربة النهج الإسلامي , أو من خلال عصيان ضباط الأمن لأي وزير داخلية , بالإضافة إلى محاولات الإغتيال ضد أعضاء حماس وإشاعة الفوضى والاضطراب, وبالواقع الملموس فإن ما فعلته حماس ما هو إلاّ خطوة ذكية وهي عدم الانتظار في طوابير الذبح والسلخ بل بادرت هي إلى كف أيدي هؤلاء المتصهينين عن رقاب ابناء فلسطين , وإذا كان بعض العرب يعتبرون تحويل مراكز المخابرات والأمن وارئاسة من أوكار تجسس إلى قلاع صمود ومقاومة ضد إسرائيل فليعتبروا ما يشاؤون وليموتوا غيظاً وكمداً على حبيبتهم وسيدتهم إسرائيل .
ونعود لسؤال كيف تصنع حماس التاريخ ؟
والإجابة تكمن في أن حماس تقوم بإرادتها وأفعالها بفرض واقع جديد ولا تنتظر حتى تتأثر هي بما يفعله الآخرون وهذا هو مكمن السر , وهناك بون شاسع بين أن نكون نحن المؤثرون ونحن المتفاعلون مع سنن التاريخ والكون وما بين أن نكون كدجاجات أم نعناعة ننتظر العلف ونحن داخل القن , وهو كالفرق بين الفاعل وبين المفعول به , والذكي والفطن هو من يفاجيء أعدائه بما لم يتوقعوه والغبي هو من ينتظر ثم يتفاجأ بما يحدث , وإذا كان عباس قد أصغى لنصائح هؤلاء البهلوانات من حوله و استمع إلى أوامر غونزاليزا رايس وإلى أسياده الصهاينة , فإنه بذلك يصنع بداية حقيرة لنهايته التي ستكون أكثر من مخزية , ومازلنا نقول له بأن يستغل الفرصة التي عرضتها عليه الشرعية الفلسطينية وليتحاور لأنه سيتعرض لخذلان أكبر من أعوانه الذين خذلوه وفروا كالأرانب المذعورة أمام ابطال الشعب الفلسطيني في غزة .
ولولا أن أخذ الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم ) بزمام المبادرة وقرر خوض معركة بدر لما انتصر الإسلام رغم قلة عدد المسلمين وشُح عدتهم , وكذلك خالد بن الوليد في معركة اليرموك , لا أحد يستطيع أن يقف في وجه تيار الحرية واسترداد الحقوق الكاسح , ولا يظن عباس أن الدعم الإسرائيلي بالإفراج عن جزء من الأموال الفلسطينية المحتجزة أو إرسال الصهيوني ساركوزي لبعض الأموال أو الدعم المالي والعسكري الأمريكي أو الدعم السياسي والأمني من بعض بقايا الأنظمة المتهاوية , لا يظن أن كل هذا سينقذه هو و زعرانه , وإذا أراد العالم تشديد الحصار على الفلسطينيين فإن رجال فلسطين الآن وأكثر من أي وقت مضى قادرون على تغيير خريطة العام كله وقادرون على إيلام العدو الصهيوني إلى الدرجة التي تجعله يندم هو وحلفاائه المتصهينين من فلسطينيين وعرب وإذا كان للباطل جولة فإن للحق جولات.
* كاتب فلسطيني