القضاء البريطاني

محمد فاروق الإمام

القضاء البريطاني

بريطانيا تتنكر لموروثها القضائي المستقل

محمد فاروق الإمام

[email protected]

لم يكن رئيس الوزراء البريطاني السيد ونستون تشرشل، إبان الحرب العالمية الثانية، وبعد الخسائر البشرية الكبيرة وتدمير البنى التحتية البريطانية، والفساد الذي تفشى في جسد الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، نتيجة الحرب، مخطئاً أو مغالياً، حين تنفس الصعداء - بعد سماعه الجواب من وزير عدله على سؤاله عن حال القضاء وهل طاله الفساد الذي طال كل مؤسسات الدولة، بأنه بخير - فقال: ( طالما أن القضاء والعدالة في البلد بخير فكل البلد بخير ).

اليوم نرى هذه الدولة العريقة في نزاهة القضاء واستقلاليته تدير ظهرها لقرون خلت كانت فيه تجلس على قمة الديمقراطية في العالم محمية بالقضاء المستقل والعادل، منسلخة من تاريخ مضيء توج القضاء حياتها المديدة، نزولاً عند غضب كيان مصطنع يتربع على قمة الإرهاب في العالم مذ وجد عام 1948 وكان في مقدمة ضحاياه بريطانيا نفسها التي صنعته على عينها، يوم أصدر وزير خارجيتها بلفور وعده المشؤوم لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين العربية المسلمة.

اليوم تجثو بريطانيا القرفصاء بكل هيبتها وصولجانها صاغرة أمام ألأم وأحقد إرهابية عرفها التاريخ الحديث (تسيبي ليفني) وزيرة خارجية الكيان الصهيوني السابقة التي تفتخر بما فعلته بغزة هاشم من تدمير وتقتيل أتى على معظم أشكال الحياة في غزة وأزهق أرواح ما يزيد على ألف وأربعمائة إنسان معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وقد شاهد العالم.. كل العالم هذه الجرائم البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية ونحن في القرن الواحد والعشرين.

الكيان الصهيوني بكل هيكليته مؤسسات حكومية وغير حكومية أشخاص رسميون وغير رسميون هبوا للدفاع عن المجرمة ليفني مزبدين مهددين ومتوعدين.. مَنْ؟! مهددين متوعدين بريطانيا، التي لا يعادل الكيان الصهيوني بمجمله سكان حي في مدينة منشستر وليس العاصمة لندن، مهددين متوعدين بريطانيا التي كانت هي سبب وجودهم وضخ الحياة في شرايينهم الميتة، ولا تزال هي وكل الغرب المخدوع بها عن بلاهة أو علم يضخون دم الحياة في عروقها لتبصق في وجوههم صباح مساء!!

كل هذه الضجة المفتعلة التي هزت الكيان الصهيوني، وتنادى لها اللوبي الصهيوني والإعلام الصهيوني المنتشر في كل بقاع الأرض، أن إحدى المحاكم الابتدائية في لندن أصدرت مذكرة توقيف بحق المجرمة الإرهابية ليفني، المتواجدة على أراضي المملكة المتحدة، وفق القوانين البريطانية التي تخولها إصدار مثل هذه المذكرة، كونها مجرمة حرب ارتكبت جرائم بحق الإنسانية، ومدانة بحسب القوانين الدولية وتقارير منظمة حقوق الإنسان الدولية وتقرير القاضي اليهودي (ريتشارد غولدستون). الذي أدان إسرائيل لارتكابها جرائم حرب، وإسقاطه ذرائعها في هدم المساجد وقصفها بزعم استخدامها في المقاومة، وتسجيله تأكيدات واضحة أنها تعمدت قتل المدنيين ومهاجمة المستشفيات ومراكز الإغاثة، وتقديمه رصداً واضحاً لكافة الأسلحة الإسرائيلية المحرمة دولياً. ومطالبة مجلس الأمن والمحكمة الدولية الجنائية بمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن المذابح، ومطالبته بعقوبات دولية على إسرائيل بسبب الحرب، فكان قوياً كما دلّت عليه مواقف إسرائيلية غاضبة ومنفعلة بصورة غير مسبوقة، مما يؤكد أنه صفعة سياسية، فقد أنهت وثيقة أممية رسمية أعدها يهودي معروف مزاعمها بأنها دولة مثالية وأخلاقية.

بريطانيا – على لسان وزير خارجيتها – تدرس اليوم آلية تعديل القوانين القضائية في بريطانيا وتحرم حق القضاء في إصدار مذكرات توقيف بحق مجرمين دوليين مدانين ومتهمين متواجدين على أرضها، إلا بعد موافقة الحكومة والنيابة العامة على إصدارها، وبالتالي تفريغ القضاء من استقلاليته وإحكام القبضة عليه وخنقه، وإذا ما تحقق للحكومة البريطانية العمالية فعل ذلك، وتمكنت من تمرير مثل هذه التعديلات في مؤسساتها التشريعية التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني فإن على القضاء البريطاني السلام..!!