كي لا تتكرر مأساة مهر البارد في مخيمات أخرى

كي لا تتكرر مأساة مهر البارد في مخيمات أخرى

ياسر علي

[email protected]

هذا ليس تحذيراً، ولا تنبيهاً ولا تهديداً.. ولا أي شيء قد يفهم خطأ!!

هذا باختصار المآل الطبيعي للظروف المحيطة بمجتمع مقهور..

اللاجئ (س) أخبرني قصته، ورغم رفضي لما يجري الآن في نهر البارد، حيث يقع المخيم وأهله بين حجري رحى، يُطحن ويُسحن و((يُجرش)) بشراً وحجراً.. إلا أنني عذرت هذا اللاجئ الفلسطيني في محنته.

اللاجئ (س) متخرج من الجامعة منذ سنوات، لا يدري كيف أمدّ الله بعمره إلى هذا الحد، فقد نجا من أكثر من مجزرة وحصار، ودرس في مدارس الأنروا، وتعالج في ((مسالخ)) تعاقدت معها الأنروا، لا ضمان ولا عمل..

تخرج من الجامعة بعد أن دفع أهله كل شيء، حاول أن يعمل، فاصطدم بقوانين العمل اللبنانية، حاول أن يسافر فمنع من السفر بحجة أنه مكتوب على جبينه قبل وثيقته ((إرهابي))، عمل تهريباً في أشغال جانبية ليست من تخصصه، مياوماً بين البناء والزراعة، يأخذ كفاف يومه، ويكدس القروش فوق بعضها..

التفت إلى مستقبله، وعندما تيسر له قيمة دفعة أولى من ثمن شقة بالتقسيط، اصطدم بقوانين التملك اللبنانية التي تستهدف الفلسطيني، ولا أحد غيره. لجأ إلى قلب المخيم، ليبني عمودياً فوق بيت أهله، ووجد عملاً في قلب المخيم، الذي كان سوقاً لمنطقة الشمال كلها..

يعتقد (س) أن هذا السوق تعرّض لمؤامرة اقتصادية، قبل المؤامرة السياسية، وحوصر المخيم، وهرب الزبائن، وتوقف السوق، وسرّح العمال..

وقف (س) حائراً، بين ديونه في إعمار بيته، وتوقفه عن العمل، وحاجته إلى المال، ومرض أمه وأفراد عائلته دون أن يجد مصدراً من المال يسد كل هذه الحاجات..

انتسب (س) إلى أحد التنظيمات، وحدث ما حدث.. فوجئ أن الكثيرين مثله، يعانون من قوانين العمل والتملك والإهانات خارج المخيم، عمّروا بيوتهم على أسطح بيوت أهاليهم، وأقاموا في أحياء لا يدخل الضوء إليها، وشكلوا 40 ألف نسمة، ليس بينهم مستشفى، ولا يهتم بهم أحد، كأنهم فائض على هامش المجتمع..

وتأكد من معظم الفلسطينيين المنتمين إلى التنظيم، أن حالتهم مثل حالته، بل إن المجتمع الذي يعيش فيه باتت ظروفه ملائمة لنموّ تيارات وأفكار وتنظيمات، بسبب ما يعانيه هذا المجتمع.

وبعد..

كي لا تتكرر المأساة - والكلام موجّه للجهة التي أرسلت الوزراء إلى المخيمات وخرجوا يرثون لحالها - لا بد من إيجاد حل اجتماعي اقتصادي للمخيمات (يردّ الحقوق المدنية) يترافق مع الحل السياسي.. عندها ستتغير المفاهيم وتتآلف القلوب الناس من جديد.. وسوف تنتفي الدواعي الاجتماعية لنشوء هذه التيارات..

ملاحظة أولى: هذا النص لا يبرر الأمر بل يفسره.

ملاحظة ثانية: اللاجئ (س) ليس خصاً محدداً بعينه، بل هو جيل بأكمله.