جمهورية مالي بين الصراع الاثني ومتاهة الحركات التكفيرية
جمهورية مالي
بين الصراع الاثني ومتاهة الحركات التكفيرية
باسم عبد عون فاضل
مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
عانت إفريقيا من صراعات أثنية واجتماعية ودينية واقتصادية شتى واحتفى تأريخها بتعدد نماذجها ومنها جمهورية مالي تلك المستعمرة الفرنسية التي استقلت في مطلع الستينيات في القرن المنصرم والتي عانت منذ بداية الاستقلال من صراعات مسلحة داخلية بين سكانها الجنوبيين المتمثلين بالأفارقة المسيح والمسيطرين على السلطة في العاصمة (بامكو) وبين الشمال المتمثل بالعرب المسلمين الذين يقودون الحركات الانفصالية المسلحة، ومن أبرزها الحركات (الأزواد) وما زاد الصراع هذا هو تنامي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وتمدده إلى داخل الأراضي المالية واستغلاله مطالب المسلمين في الشمال ودخوله على خط المواجه في هذا الصراع المسلح الذي اثار الكثير من نقاط الاستفهام وقام بخلط الوراق المتمثلة في التفاهمات التي دارت بين مختلف أطراف النزاع الداخلية والإقليمية وحتى الدولية
• أطراف النزاع الداخلي تاريخيا
يتمثل طرفا النزاع المسلح في مالي بين فريقين مختلفين: احدهما يمثل الجنوب الذي يسيطر على مقاليد السلطة وإدارة الدولة، والأخر يمثل الشمال الذي يمثل أربع حركات مسلحة هي (الأزواد – تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي – حركة الجهاد والتوحيد – أنصار الدين). يتمثل هذا الصراع في حالة الاقتتال ذات الطابع العرقي فقد قام سكان الشمال بأول تمرد ضد الممارسات والتصفيات العرقية في هذا البلد منذ عام 1963 أي بعد عامين من استقلال البلاد وجوبه برد فعل حكومي عنيف تمثل بتصفية كل المتمردين وأبادت الكثير من السكان المدنيين من القبائل العربية في هذا الجزء الشمالي ومنذ ذلك الوقت استمرت دوامة العنف والنزاع وعدم الثقة بين الحكومات المتعاقبة في العاصمة بامكو وبين سكان المناطق الشمالية في القتل على اللون والعرق والديانة والتي فشلت معظم المحاولات من بعض الدول الإفريقية والمنظمات الدولية والإقليمية في وضع حد لهذا النزاع والسبب في ذلك يرجع إلى عدد من الأسباب منها:
1- العداء التاريخي بين الفريقين ورفض حكومة بامكو منح الشمال المتمثل في مدن (كيدان – غاو – تمبكتو) ذات الأغلبية السكانية العربية المسلمة الحكم والإدارة الذاتية
2- التواجد الفرنسي الذي كرس هذا الانقسام الداخلي منذ استقلال البلاد.
3- بعض الدول المجاورة التي ترى أن بسط الحلول السلمية المتمثلة في إعطاء الشمال حق الحكم الذاتي يكون مقدمة لدفع الكثير من المكونات الأثينية للمطالبة بنفس الحقوق المتمثلة بالحكم الذاتي والإدارة الذاتية من خلال الإقليم ومن هذه الدول الجزائر والمغرب والنيجر وموريتانيا.
• الجوار الإقليمي والقوى الدولية الداخلة على خط الصراع
في مقدمة الأطراف الدولية التي لها دور كبير في إطالة عمر هذه النزاع التاريخي بين مكونات هذا البلد هي فرنسا التي تحتفظ بقوات وقواعد عسكرية منذ أيام الاستعمار وتعتبرها مناطق نفوذ تتبعها، فهي المتحكم الرئيس في العجلة الاقتصادية والسياسية العسكرية فيه وبالتالي فان الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يهدد وجدودها ودورها فيه وتعتبره آخر ما تبقى لها من مناطق النفوذ العالمي التي فقدتها واحدة تلو الأخرى أمام الامتداد الأمريكي، أما الجزائر فهي تعاني من وضع هش امنيا واجتماعيا في جنوبها المتمثل في مناطق الزعامات القبلية المعروفة بالطوارق والذي يمثل شمال مالي امتداد قبلي لهذه القبائل العربية المعروفة. فأي تحرك جدي منها سوف يجلب عليها الكثير من الملفات التي عانت الكثير من اجل طيها وإنهائها، لذلك كانت وبقيت في موقف الداعم لطرفي النزاع، لطرف الحكومة المالية للحيلولة دون حصول الشمال على حكم ذاتي وللشمال دعمها كان من اجل استقرار جنوبها وعدم إشعار القبائل فيه بالعداء والتعاون مع دول تمثل عدوا لهم وهذا ما ساعد على إدامة واستمرار النزاع في هذا البلد، وتمثل موريتانيا الطرف الخفي في النزاع فهي تحرك إحدى الجماعات الإسلامية المتشددة في هذا النزاع وهي جماعة (أنصار الدين) وكذلك النيجر التي تدفع بالحكومة المالية لعدم إعطاء الشمال حكما ذاتيا خوفا من انتقال عدوى الحكم الذاتي إليها.
• تنظيم القاعدة ودخوله على خط المواجه في هذا البلد
مثل سقوط النظام الليبي وما سبقه من ثورات عرفت بالربيع العربي المحرك الأساس والفاعل المباشر في دخول هذا التنظيم للأرضي المالية واستثماره الصراع الدائر بين الحكومة في بانكو وحركة الازواد، وهذا ما يرجعنا إلى صراعات داخلية سابقة في بلدان أخرى استطاع هذا التنظيم استثمارها والتغلغل ونشر أفكاره فيها ومن ثم قيادات وإدارة العمليات المسلحة كالعراق وقبله أفغانستان والصومال.
يرى الكثير أن دخول تنظيم القاعدة إلى مالي وخلطه وتعكيره لمسيرة الصراع وإخراجه من أدبياته فيها يرجع إلى أسباب عدة منها:-
1- ثورات الربيع العربي التي أدت إلى تنامي قدرة وفاعلية هذا التنظيم والذي استثمرها في مسرح إحداثه ومن ثم التمدد إلى بلدان مجاورة مثل دولة مالي.
2- تنظيم القاعدة يبحث دائما عن مبررات في دخوله على خط المواجه في صراعات داخلية فهو استغل الصراع القبلي الأفغاني في مطلع التسعينيات واستطاع التغلغل والانتشار فيها وكذلك في العراق استطاع أن يستثمر الصراع بين المكونات فيه لنشر أفكاره وممارسة أعماله الإجرامية. وما حدث أخيرا في مالي هو أن هنالك مكون عربي يقطن شمال هذا البلد وله حقوق مشروعة استطاع استغلالها والتحالف مع أصحابها مما جعله على خط الأزمة.
3- انتشار هذا الفكر الإجرامي في محيط دولة مالي كالجزائر وموريتانيا والمغرب ونيجيريا واستخدامه للوسائل المختلفة في تحقيق أهدافه دفع هذه الدول إلى الدفع بأفراده وقيادتهم بشتى الوسائل إلى هذه الدولة التي تعاني أصلا من صراع اثني تاريخي بين مكوناتها.
4- يرى الكثير إن هناك دور كبير للولايات المتحدة للدفع بهذا التنظيم إلى هذه البلاد في مسعى منها إلى إرباك التواجد الفرنسي المتغلغل بهذه الدول ومنها دولة مالي وهذا ما يدخل في جانب التنافس الاستعماري بين أوربا وأمريكا ليتمدد على حساب المصالح الأوربية.
5- سقوط نظام القذافي الذي خلف الكثير من الأسلحة التي استطاع هذا التنظيم اغتنام البعض منها وشراء ما تبقى منها حتى أصبحت لدية ترسانة تسلحية فاقت تلك التي تمتلكها القوات المالية بكثير.
بعد أحداث ليبيا مباشرة دخل التنظيم وانتشر في شمال هذا البلد وأولى عملياته كانت في مدينة تمبكتو التاريخية، إذ استطاع التنظيم في بادئ الأمر أن يكسب تأييد الجماعات التي تقاتل الحكومة في بامكو وبعد فترة اختلفت التحالفات بينه وبين هذا الجماعات والسبب في ذلك يعود إلى قيام التنظيم بهدم عدد من الأضرحة والجوامع والآثار التاريخية في هذا المدينة، استدعت هذه الإعمال قيام القوات الفرنسية والاتحاد الإفريقي وبمساعدة خجولة من دول الجوار العربية إلى جانب حكومة بامكو من اجل القضاء على هذا التنظيم والى ألان لم تحسم الأزمة في هذا البلد بين الشمال والجنوب وبين تنظم القاعدة الذي أصبح الآن في صراع مع الشمال المتمثل بالقبائل العربية لا مع الجنوب.
• مستقبل النازع المسلح في مالي
ارتبط هذا النزاع بعدة عوامل وهي التي غذته وأدامت أمده في هذا البلد الذي يعاني من الفقر وقلة الموارد فيه منذ عام 1963 لحد الآن ولم يسفر الصراع عن رجحان كفت الغلبة لأي احد من طرفي النزاع وتعايش الطرفان على مدى هذه الفترة مع مسرح الصراع هذا لكن هناك بوادر تلوح في الأفق تنذر بإنهاء هذا الصراع إلا وهي دخول القاعدة على خط الأزمة وأدرك الطرفان انه لابد من تقديم التنازلات من كليهما للوصول إلى حل نهائي لهذا الصراع ورعت أخيرا الأمم المتحدة ودول الاتحاد الإفريقي هذه المفاوضات بين بامكو والشمال المتمثل في (الازواد)، وأهم الخطوات التي تم التوصل إليها مؤخرا هي:
1- إخراج تنظيم القاعدة والجماعات التكفيرية الأخرى من مناطق شمال هذا البلد عن طريق التعاون الفرنسي والمالي من جهة، وجبهة الازواد من جهة أخرى ضد تنظيم القاعدة.
2- إشراك الشمال في إدارة الدولة وتنظيم الانتخابات فيه والاعتراف ببعض حقوقه.
3- الضغط الفرنسي والدولي على الدول المجاورة لمنع دعم هذه الجماعات التكفيرية التي دخلت البلاد.
وأخيرا أيقنت كل من حكومة مالي وجبهة الازواد المعارضة أن هناك متغيرات دولية فرضتها الوقائع، وان الحلول السلمية تمثل أفضل سبل التعايش السلمي بين سكان هذه الدولة، وان المساعدات والمشاريع الدولية الإنمائية لابد من تشمل جميع المدن المالي لا مدينة دون أخرى، وان تنظيم القاعدة اخطر ما يهدد الطرفين ويقضي على كل ما حصل عليه الطرفين بعد الاستقلال، وان البلاد تعاني من ترد اقتصادي وصحي وعمراني.. ولا تحتمل مشروع الصوملة الذي يبشر به تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات التكفيرية.
* باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية