تداعيات انفجار مؤخرة باص إيراني في سوريا
تداعيات انفجار
مؤخرة باص إيراني في سوريا
جان كورد
التصريح الصحافي الذي أدلى به السيد وزير الداخلية السوري من مكان انفجار مؤخرة باص ايراني، الذي حدث يوم الثالث من شهر كانون الأوَل (ديسمير) عام 2009 م في دمشق، جاء مقتضباً وهادئاً وكأنه تعقيب على حادثة مرور اعتيادية، إلاً أن هروع السيد الوزير مع مجموعة كبيرة من ضباط وزارته ورجال الأمن إلى مكان "الحادث!" مثير بحد ذاته للتساؤل... فهل يركض السيد الوزير بحشد كبير من المحققين والأمنيين إلى أماكن جميع حوادث السير في دمشق، حرصاً منه على أمن المواطن، أمَ أنه ظن أيضاً في بادىء الأمر أن حدثاً جللاً قد جرى في قلب العاصمة، يختلف في قوة فرقعته عن الحوادث الأخرى؟ ومجرّد الظن - وسوريا تعتبر من البلدان الآمنة حاليا في العالم الإسلامي- يوحي بأن النظام لم يعد يشعر بقوّة ضبطه الأمور في البلاد، وأنّ بالامكان ارتكاب جرائم ارهابية شنيعة حتى في عاصمة تراقبها أكثر من 15 فرع من فروع المخابرات المعروفة ببطشها واتساع شبكاتها العنكبوتية وتغلغلها في نسيج المجتمع بصورة مرعبة... ومن قبل أعلن النظام بنفسه عن خروقات "ارهابية" فظيعة في دمشق وحولها، كما جرت اغتيالات، بل وهجمات جوية في مناطق أخرى من البلاد...
في 2 كانون الأوّل، أي قبل ذلك الانفجار بيوم أو أقله، نشر موقع الكتروني من مواقع المعارضة العربية السورية في باب (آخر الأخبار) خبراً مفاده أنه "تّم اغتيال الرئيس بشار الأسد!" ، وأن الثورة ضد النظام قد بدأت...من القنيطرة!!! لا أدري فلربما يكون ذلك من باب التلميح للنظام وتحذيره، أو "من باب السخرية!" منه أو المعرفة التامة بما سيجري في اليوم التالي لنشر الخبر...ولكن الخبر اختفى من ذلك الموقع بعد الانفجار لتحّل بدلاً عنه أخبار جديدة أخرى...
بدا التصريح الوزاري غير مقنع لأحد، فقد ذكر أحد شهود العيان بأنه رأى الشظايا والأشلاء تتطاير نتيجة انفجار في مؤخرة باص، ونشرت صحافية سورية "حذرة في أخبارها" بأن انفجاراً وقع في دمشق راح ضحيتها عدة أشخاص، ولكن أحد الشبان أعاد تماماً ما قاله السيد الوزير، وكأنه كان أحد "المطلوبين منهم" قول ذلك لقناة "العربية"، حيث تخضع مقابلات وتعقيبات كل المواطنين أمام الصحافة لرقابة أمنية صارمة، ويُدفَع إلى مواجهة الكاميرا بمن كُلّف بذلك فقط...ولا يمكن التأكّد من تصريح السيد الوزير في جو منع الحريات الإعلامية القاتم في سوريا...إلاّ أن المستقبل سيرينا أو سيعطينا المزيد من التفاصيل عما جرّى، تماما مثلما حدث بعد العديد من التصريحات الرسمية في أحداث أخرى جرت من قبل...
وإذا ما سألنا أنفسنا عما إذا كان هناك احتمال قيام أحدهم بذلك "التفجير!" الإرهابي؟
فنقول: بالتأكيد، هذا ممكن ووارد، حيث أن النظام المتهم ب"الطائفي" من قبل أشد الناس مرونة سياسية في البلاد يعيش وسط شعب أكثريته السكانية من غير الطائفة التي ينتمي إليها أركان النظام. وإن غضب الأكثرية المسلمة على النظام قد يتحوّل إلى أعمال فظيعة كرّد فعل على ما يقوم به من استبداد وما هو عليه من فساد...
ومن البدهي أن يحدث هكذا ارهاب، عندما يلجأ النظام نفسه إلى هذه الأساليب، ولايدع مجالاً لأحد من معارضيه للتعبير عما يلحق بهذا الشعب من أذى مستمر، ومعروف أن ثلاثة دول مجاورة لسوريا اتهمت هذا النظام بدعمه وتشجيعه لل"إرهابيين" في أراضيها، وهي لبنان والعراق واسرائيل... كما أن الأجواء العامة التي خلقها الصراع الطائفي الشرس في العديد من البلدان الإسلامية، تزيد من فرص حدوث هكذا انفجار، حيث لا يأمن المرء على نفسه حتى أثناء تأديته فريضة صلاة الجمعة أو لدى نزوله إلى البازار لشراء بعض الأسماك من هجوم انتحاري لرجل غادر يرتدي جلباب امرأة.
المأزق الذي دخل النظام السوري فيه مخيف ومرعب، فهو ممقوت وطنياً، بسبب الفساد المستشري واستبداد أجهزته القمعية المتعددة برقاب الشعب وبسبب اعتماده على سلاح "الطائفة"، وهو متهم من قبل الجيران بممارسته أو دعمه "الارهاب"، ومعزول دولياً بسبب تبعيته لنظام الملالي في ايران، هذا النظام الذي لايشكّل خطراً على جيرانه فحسب وانما يطمح لتحقيق أهدافه التوسعية القديمة، ويتصرّف طائفياً، ويسعى لتبديل عقائد المسلمين في المنطقة، ويستخدم لذلك إعلاماً متعدد اللغات وقوياً وموجهاً إلى العالم العربي بشكل خاص، ومقنّعاً بدعمه القضية الفلسطينية من خلال (حماس وحزب الله). وفشل النظام في الخروج من هذا المأزق قد يتطوّر من انفجار مؤخرة باص للحجاج الشيعة على طريق مزار السيدة زينب، إلى ما لا يريده الشعب السوري ولا يطيقه النظام...وعندها لايفيد النظام إيواء الارهابيين ودعمهم ولا يستطيع السيد الوزير اخفاء الحقائق.