حال الأمة مسؤولية الحكام والشعوب!!

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

يوم الثلاثاء الماضي الأول من كانون الأول شاهدت واستمعت كالملايين في العالم العربي لبرنامج الاتجاه المعاكس الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية ويديره الدكتور فيصل القاسم، وللحق أقول إنني عشت مع هذه الحلقة بكل جوارحي وحواسي متابعاً ومتفاعلاً.

كان المتحاوران في قمة الإبداع والعطاء والتحليل والاستشهاد، وهما يدافعان عن وجهة نظرهما المختلفتان في حدود الأدب والاحترام والاستماع، دون مقاطعة أو تهجم أو إساءة أو تسفيه.

المتحاوران هما السيد محمد الخضري العراقي الجنسية (طيار سابق وسائق تكسي حالياً)، والدكتور منصف المرزوقي المعارض التونسي المعروف.

أما عنوان الحلقة فهو: (حال الأمة هل هو سببه الحكام أم الشعوب)؟

بعد مقدمة الدكتور فيصل القاسم وسؤاله للسيد محمد الخضري: (هل يعاني العالم العربي أزمة حكام أم أزمة شعوب؟ أزمة حكام – كما يقول الاستطلاع - 72,1%، أزمة شعوب 27,9%. سيد الخضري لو بدأت معك بهذه النتيجة، ماذا تقرأ في هذه النتيجة؟ الشارع العربي يعتبر نفسه مظلوما ويعتبر أن كل هذه المصائب التي تنصب فوق رأس الأمة مسؤول عنها الحاكم وليس الشعب).

بدأ الخضري هجوماً عنيفاً على الشعوب العربية التي اعتبرها هي المسؤولة عن حال الأمة وما هي عليه قائلا: (إنها شعوب ميتة لا حياة لمن تنادي، شعوب انتقلت من الخضوع والهوان للرئيس الأوحد المستبد إلى الخضوع والهوان لابن الرئيس.. وأنا كمحلل إستراتيجي أعتقد خلال السنين الخمس القادمة ستنحني هذه الشعوب لسائق الرئيس، وأجزم خلال العشرة سنوات القادمة ستهتف وتأتمر هذه الشعوب بحلاق الرئيس.. هذه الشعوب الميتة التي لا حياة لها التي استمرأت العبودية تخفي كل علامات الذل والموت والخشوع وتتستر بقضية فلسطين والشعب الفلسطيني الحي البطل الشجاع، لكن أعتقد لو تخلت الشعوب العربية عن القضية الفلسطينية وعن الفلسطينيين، أيضاً هؤلاء الأبطال لن يستنجدوا بالعبيد فلا حياة لمن تنادي، وفاقد الشيء لا يعطيه.. لا حياة لإنسان يعيش بدون كرامة، نجيب الكيلاني في روايته "عند الرحيل" كتب في تعريفها، جاء تعريف للكرامة، الكرامة أن تقاطع من غدروا بك وتحتقرهم بل وتبصق في وجههم، بالله عليكم من يبصق على من؟ هل الشعوب العربية أغلب الشعوب العربية الميتة والمستعبدة تبصق على الطغاة وأجهزتها الاستخباراتية التي انتهكت الأعراض أم الاستبداد والحاشية والعائلة تبصق في اليوم ألف مرة على هذه الشعوب؟ عن أي شعب تتكلمون؟ الكرامة أهدرت ولا نهضة لهذه الشعوب، لا حياة لمن تنادي).

ثم طلب القاسم من الدكتور المرزوقي أن يرد على ما قاله الخضري بحق الشعوب العربية، فجاء رد المرزوقي هادئ بلا انفعال أو تشنج أو غضب او تسفيه قائلاً:

(يعني من الأوصاف التي تكرمت بها أخي العزيز أننا أمام شعوب ميتة مستعبدة بلا كرامة ويعني في البداية سمعنا أننا أمام جبناء منافقين عاجزين متملقين إلى آخره، لماذا لا نذهب أبعد من هذا وأن نقول نحن لسنا أمام شعوب وإنما أمام قطيع، أمام قطعان، خاصة ونحن سنُورّث، التوريث الآن على قدم وساق في مصر في ليبيا في تونس نستطيع أن نذهب إلى أبعد من هذا ونقول نحن قطعان من البقر والماعز والغنم والدليل على ذلك أننا أصبحنا نورث، ويعني حتى صفة الشعوب يمكن أن ننفيها يعني لسنا بالضرورة نقول شعوباً ميتة، نقول قطعان ميتة، نستطيع أن نذهب أبعد من هذا في قضية يعني الجلد الذاتي القهر الذاتي العنصرية الذاتية المقيتة إلى آخره. لكن الموضوع مش هذا، الموضوع كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ ما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة؟).

ويجيب المرزوقي على تساؤل القاسم: من الذي وكيف؟

(أنا أعطيك مثالا بسيطاً سيدي العزيز أنا كنت طالبا في السنة الأولى طب في أواخر الستينيات في فرنسا وعشت في فرنسا ثورة مايو 1968 طيلة شهر كامل مظاهرات لم تنته في كل مدن فرنسا ومواجهات عنيفة جداً جداً جداً ما بين البوليس و.. لم يمت فرنسي واحد، طيلة شهر، بينما في بلداننا العربية .... رشوهم بالرشاشات، إلى آخره إلى آخره، كل هذا في ظل المحتشدات، محتشدات تدمر، محتشدات تزمامارت، محتشدات أبو غريب، أبو سليم (أسماء السجون في بعض البلدان العربية) كل هذا في ظل مئات الآلاف الذين دخلوا السجون الذين عذبوا الذين انتهكت أعراضهم كل هذا في ظل آلاف ومئات من الآلاف الذين هجّروا في أوطانهم، يعني هذه الأمة مارست عليها دول القمع دول الاحتلال الداخلي - أنا أسميها دول الاحتلال- مارست عليها قمعاً وحشياً لم تعرفه أي من الشعوب..).

يسأل القاسم: أي من الشعوب؟

أي من الشعوب، يا سيدي لا يوجد قانون في العالم أجمع قانون مثل قانون 49 في سورية، هذا القانون يحكم بالإعدام على شخص بمجرد انتمائه إلى مجموعة سياسية، فعل أم لم يفعل، أنا بحثت قبل أن آتي إلى هنا في تاريخ النازية وتاريخ الشيوعية لم أجد قانوناً مثل هذا القانون، هذه دول ... دول تمارس على شعوبها قمعاً وإرهاباً غير معقول، هي تتعامل معهم من مبدأ أن هذه الشعوب ذباب يجب رشه بالمبيدات الحشرية، يعني إذا عرف السبب بطل العجب، أنا لا أنفي المسؤولية عن الشعوب العربية لكن يجب أن تفهم، يجب أن تفهم أن الشعوب لم تصل إلى هذه النتيجة إلا نتيجة معاملة حكامها معاملة قطيع وليس كبشر معاملة احتلال داخلي، أنا أتحدى أي إنسان .... أن يقوم بمعادلة كم قُتل لنا تحت الاحتلال الخارجي في عهد الاستعمار؟ كم عُذب؟ كم طُرد؟ وأن نفيس المقارنة مع أنظمة الاحتلال الداخلي وستكتشف أن الشعوب العربية عانوا من الاحتلال الداخلي عشر مرات ما عانوه من الاستعمار، يعني هذا هو الوضع، هذه الشعوب استبيحت من طرف أنظمة، أنظمة التزييف أنظمة القمع أنظمة الفساد وهي الآن تحت ظل هذه الأنظمة التي استولت على الجيوش وهي جيوشنا، استولت على الشرطة وهي شرطتنا، استولت على القضاء وهو قضاؤنا، واستغلت هذه الدولة وخوصصتها وأصبحت يعني تنتهك بها أعراضنا، وأنت تأتي الآن وتقول هذه مسؤولية الشعوب! يا سيدي من أوصل هذه الشعوب إلى درجة الموت إلى درجة الاستعباد إلى درجة الجبن إلى النفاق؟ من أوصل.. هل ولدت بهذه الخصائص؟ لم تولد بهذه الخصائص وإنما وصلت إليها بمثل هذه السياسة الإجرامية الإرهابية التي تمارسها أنظمة ليس لها أدنى علاقة بالشعوب).

الحوار طويل وطويل.. ينكئ الجروح ويثير الأشجان الدفينة في النفوس.. والإنسان يحار إلى أي الرأيين ينحاز أو يؤيد..فكلاهما يقولان الحقائق، وكلاهما استشهد بوقائع عايشناها ونعيشها.. ولكنني أميل إلى رأي الدكتور منصف المرزوقي بأن سبب ما وصلت إليه أمتنا من حال لا مثيل له من الضعف والهوان سببه الأنظمة الشمولية الاستبدادية والديكتاتورية، التي مارست وتمارس بحق هذه الشعوب القمع وانتهاك حقوق الإنسان والإقصاء والنفي، الذي لم يسبق أن فعله أي نظام في التاريخ الحديث بشعبه، ولا أعفي شعوبنا من المسؤولية فقد استمرأ الذل والهوان وارتضى لنفسه العبودية والخنوع، فلم يعد هناك من يقول للحاكم كما قال أحدهم لعمر بن الخطاب: (والله لو رأينا منك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا).. ولم يعد فينا من تعجب له علي بن أبي طال: (والله أعجب لجائع لا يشهر سيفه).

أتمنى لو أن الحكام العرب استمعوا إلى هذه الحلقة ووعوا ما قيل فيها كما فعلت الشعوب.. حتى يقوم كل طرف بما عليه تجاه الآخر.. العدل والإنصاف والمساواة من الحكام، ورفض الضيم والاستعباد والخنوع والذل والهوان من الشعوب!