طالبان وغضب الكوبرا!
أ.د. حلمي محمد القاعود
شغلتنا قضايانا المحلية والإقليمية عن الحرب الظالمة المستعرة بين المؤسسة الاستعمارية الصليبية التي يقودها حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة ضد الشعب الأفغاني المسلم ، وصنع لها امتدادا على أرض الباكستان الإسلامية ، ليحرق الشعبين المسلمين اللذين لم يسيئا للاستعماريين الصليبيين ، ولم يسرقا ثرواتهم ولا أموالهم . ولكن الوحشية الاستعمارية الصليبية أبت إلا أن تتحرك بعجرفة القوة وغواية الاستكبار لتحطم كبرياء المسلمين المسالمين وتمسح بهم الأرض باسم مكافحة الإرهاب والقانون الدولي الذي صنعته على عينها ! ومن أجل تحقيق أهدافها في السيطرة على مناطق الغاز الطبيعي في بحر قزوين ، والتحكم في بترول غرب آسيا ، و الإقعاء بمحاذاة الصين والاتحاد الروسي ..
وتخوض الآن قوات المؤسسة الاستعمارية الصليبية عملية جديدة في منطقة هلمند في الجنوب الشرقي لأفغانستان ، تحشد لها فرقة عسكرية ( ألف جندي ) مزودة بالدبابات والمدرعات وراجمات الصواريخ ، في ظل حماية جوية مكثفة من خلال أقوى طيران حربي مقاتل وهو الفانتوم ، على أمل إبادة المناطق المقاومة وإسكات صوت الشعب الأفغاني الرافض للاحتلال العسكري الاستعماري الصليبي .
وعلى الجبهة العسكرية تبدو طالبان ( المقاومة الأفغانية ) قد نجحت إلى حد كبير في استنزاف القوات الاستعمارية الصليبية ،على مدى ثماني سنوات ؛ وأثرت عليها تأثيرا مروعا من جهة الخسائر البشرية من ناحية ، ومن جهة ضعضعة التحالف العسكري بين الاستعماريين الصليبيين من ناحية أخرى ..
فعلى سبيل المثال قالت الأنباء إن الخسائر البشرية في صفوف القوات الأميركية وحدها منذ بداية عام 2009م الحالي حتى بداية شهر ديسمبر من العام نفسه ؛ وصلت إلى أكثر من ثلاثمائة جندي أميركي ، عدا الجرحى والمصابين والخسائر المادية في السلاح والعتاد والمؤن التي يغنمها الأفغان أو يدمرونها وهي في الطريق إلى القوات العسكرية المقاتلة ، سواء كانت قادمة من الباكستان أو الدول المجاورة الأخرى . ويمثل القتلى رقما كبيرا إذا عرفنا الفارق بين الطرفين فالأميريكان يمثلون القوة العسكرية العظمى في العالم ، وطالبان قوم بسطاء ضعاف لا يملكون إلا أسلحة بسيطة متواضعة أفضلها القنابل اليدوية والبنادق والأحزمة الناسفة ، ومع ذلك استطاعوا أن يجعلوا الوحش الأميركي يئن وينوح .. وهذا من فضل الله على الأفغان الذين أخلصوا لقضيتهم ولم ترعبهم القوة العسكرية للاستعماريين الصليبيين ؛ ولا الدعاية الضخمة المكثفة التي تتهمهم بصفات الإرهاب والدموية والتخلف ، ولا خيانة بعض النخب الأفغانية التي تماهت مع الغرب الاستعماري الصليبي ، وباعت دينها ووطنها لأجل منافع دنيوية رخيصة ، ويمثل النظام العميل الحاكم هذه النخب خير تمثيل .
ومن ناحية أخرى فقد دب الخلاف بين أعضاء التحالف العسكري الاستعماري الصليبي نتيجة طلب واشنطن زيادة عدد القوات المقاتلة من جانب الأعضاء لمواجهة قوة المقاومة المتنامية ، بينما ترفض شعوب المؤسسة الاستعمارية الصليبية الاستمرار في الغزو ، وتطلب سحب قوات بلادها ، حماية لأرواح أبنائها من القتل على أيدي المقاومة المستبسلة ، فضلا عن تشوش الرؤى والخطط تجاه المستقبل الذي يكلف كثيرا في حرب غير معروف نهايتها أو نتائجها ....
لقد نشرت جريدة النيورك تايمز الأميركية في عددها الصادر 7/12/2009م أن الرئيس الأميركي أوباما يواجه أدق لحظات حياته بسبب الموقف في أفغانستان، كما ازدادت حدة التوتر القائم بين الولايات المتحدة وبريطانيا حول الحرب هناك إثر تصريحات وزير الدفاع البريطاني بوب اينسورت التي كشف فيها أن بلاده لن تستطيع دعم تعهدات الرئيس الأمريكي باراك اوباما بالانسحاب من أفغانستان في موعد محدد ، وقال اينسورت في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية إن حكومته لن تستطيع الوفاء بموعد الانسحاب من أفغانستان الذي حددته واشنطن في عام2011 . كما قال إنه ليس بالإمكان تحديد موعد لإنهاء هذه المهمة نظرا لوجود عدة ظروف أخري مصاحبة لهذا الأمر، .واعترف بأن عامة الشعب البريطاني لا يتقبلون استمرار الحرب إلي ما لانهاية, لكنه أصر مجددا علي عدم تحديد موعد للانسحاب,، ووصف مثل ذلك القرار بأنه خاطئ ، وذكر انه يتفهم مساعي الرئيس الأمريكي لعودة عناصر القوات الأمريكية إلي وطنها في أقرب وقت ممكن ، مشيرا إلي أنها نفس رغبة رئيس الوزراء البريطاني والشعب أجمع ، وأوضح أن الانسحاب لن يعني نهاية التزامات تجاه أفغانستان بحلول عام2011.وأشار إلي إن هيكل القيادة في إقليم هيلمند لم يتحدد بعد ، كماأشار إلى أنه بعد وصول القوات الجديدة سيكون بالبلاد21 ألفا من القوات الأمريكية مقابل9500 من القوات البريطانية ، مما يعني أن عدد القوات سيفوق عدد مواقع القيادة ، وهو أمر بحاجة إلي البحث والحسم ، وأعرب كذلك عن شكوكه في الاقتراحات الأمريكية بتعيين مبعوث رفيع المستوي لمراقبة قيادة الرئيس حامد كرزاي وسبل معالجة قضية الفساد قائلا إنه يجب ضم الأفغان في أي مباحثات أو خطط تعلق ببناء الكفاءات الأفغانية( الأهرام 6/12م2009م).
وفي مقابلة تلفزيونية على قناة الجزيرة (2/12/2009م) مع القائد لعسكري لمنطقة كابول في المقاومة الأفغانية قال القائد الطالباني سيف الدين جلالي : إن قوات الاحتلال الفرنسية المشاركة في حلف الناتو في أفغانستان عرضت على مجاهدي الحركة أموالاً طائلة مقابل تعهدها بعدم شن هجمات عليها .وقال قائد جبهة كابول : إن الحركة ترفض مثل هذه العروض، وتصر على انسحاب كافة القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية. وأشارفي هذا الإطار إلى أن هناك مجموعات كثيرة تأخذ الإذن من طالبان وتتعهد باستلام أسلحة من القوات الأجنبية عبر الحكومة ونقلها إلى الحركة ، مضيفًا أنهم أوفوا بوعودهم وأحضروا تلك الأسلحة للحركة ..
وفي الولايات المتحدة بدأت المنظمات الأمريكية المناهضة للحرب حملة احتجاجات شعبية كبري, تشمل تنظيم مظاهرات حاشدة ، وقد انطلقت أول ديسمبر 2009م لتستمر يومين في أنحاء البلاد للتنديد بمواصلة الحرب والمطالبة بالانسحاب منها. وكثفت أكثر من34 منظمة معارضة للحرب حشد أنصارها ، بحيث تنطلق المظاهرات وتتواصل في اليوم التالي. وأصدر التحالف المعروف باسم أنسر أو الرد ـ وهو أكبر الجماعات المعارضة للحرب ـ بيانا مشتركا مع باقي المنظمات المشابهة ناشد فيه المواطنين الأمريكيين المشاركة في الاحتجاجات ، وندد بما يراه خطة أمريكية لتوسيع نطاق الحرب ( الأهرام 2/12/2009م ).
وفي الكيان الصهيوني نشرت دراسة 'أعدها باحثان في'' معهد أبحاث الأمن القومي "جامعة تل أبيب ، هما يورام شفا يتسر وأفرايم اسكولاي )نظرةعليا،العدد 105، 7 أيار/مايو 2009م)، يركزان فيها على ما يسميانه الخطر المحدق بالسلام العالمي بما في ذلك أمن الولايات المتحدة بسبب تضعضع الوضع الأمني في باكستان ، واستعادة طالبان الحكم في أفغانستان مرة أخرى انطلاقا من السيطرة على المناطق القروية والمناطق الجبلية المحاذية للحدود الباكستانية. ومن هذه المناطق سيكون ممكنا توسيع قدرة وصولهم إلى باكستان والوصول إلى وضع تكون لهم فيه قاعدة إقليمية متماسكة لكل مغامرة أخرى. الانتصار المحتمل لطالبان في أفغانستان ، بعد نحو ثماني سنوات فقط من طردهم مكللين بالعار وبقوة الذراع، من قبل الائتلاف الغربي برئاسة الولايات المتحدة، قد يكون له تأثير سلبي جارف على ما يسميه الباحثان تصعيد النشاط التآمري والعنف من جانب مراكز قوى إسلامية أخرى في أرجاء العالم. هذا النشاط من شأنه أن يأتي على نحو خاص من جانب أولئك الذين يرون أنفسهم ينتمون إلى معسكر 'المقاومة' العالمية السنية، التي تتحدى الأنظمة العربية البراجماتية والهيمنة الغربية. فضلا عن تحول أفغانستان من جديد إلى معقل للراديكالية المحلية والإقليمية ، من شأنه أن يشكل دولة قاعدة لتأهيل من يسميهم الإرهابيين من كل أرجاء المعمورة مثلما فعلت في الماضي ، بحيث يتمكن هؤلاء من استخدام أراضيها معسكرا للتدريب وخشبة قفز لتنفيذ عمليات إرهابية في أرجاء العالم ، تحت رعاية نظام طالبان. ويشير الباحثان إلى خطورة وصول الراديكاليين الأفغان إلى استخدام السلاح النووي الباكستاني ، وإن وجدوا في ذلك بعض الصعوبات إلا إن وقوع هذا السلاح في أيديهم سيشعل المنطقة !
وواضح أن القوم في المعسكر الاستعماري الصليبي وصنيعته الصهيونية ؛ يستشعر خطورة المقاومة الأفغانية وإصرارها على طرد الغزاة دون تضييع وقت في المفاوضات العبثية مثلما تفعل السلطة الفلسطينية المحدودة في الضفة الغربية ، حيث تتلذذ بإذلال الغزاة القتلة اليهود لها وللشعب الفلسطيني الأسير !
إن عملية غضب الكوبرا الأميركية مهما أهرقت من دماء الأفغان فلن تخمد روح المقاومة الأفغانية الصلبة ، وفي ظل القوات التي ضلت طريقها في أفغانستان ، حسب وصف رئيس الأركان البريطاني سير ديفيد ريتشاردز (29/11/2009م) ، فإن الشعب الأفغاني المسلم مع إمكاناته الضعيفة سينتصر بإذنه تعالى ، ويحرر بلاده من قبضة الغزاة القتلة الصليبيين الذين يسميهم بالكفرة ، وهم بالفعل يكفرون بنعمة الله ، ولا يحبون السلام !