إضراب سجناء أكراد عن الطعام

طارق حمو

إنهم يكتبون التاريخ في سجن عدرا

في الحادي والثلاثين من شهر تشرين الأول الماضي أعلن 170 معتقلاً كردياً من أعضاء وأنصار حزب الإتحاد الديمقراطي إضراباً مفتوحاً عن الطعام في سجن "عدرا" المركزي في العاصمة السورية دمشق، مطالبين النظام بإيجاد حل عادل للقضية الكردية في البلاد، وإشاعة الديمقراطية، و تحسين أحوال المعتقلين السياسيين في سجن "عدرا" وبقية السجون السورية العامرة.

أن تضرب عن الطعام في سجون " مملكة الصمت" فهذا ضرب من ضروب الإنتحار ولايقدر عليه إلا كل صاحب بأس وعزيمة. التمرد ومطالبة الحقوق والمعاملة الجيدة من سجاني نظام دمشق، هو في واقع الأمر دعوة مفتوحة للموت...

النظام السوري لم يلب مطاليب المعتقلين الكرد حتى الآن، وفوق هذا كله منع ذويهم من زيارتهم والإطمئنان عليهم، وثمة مخاوف من أن يكون البعض منهم قد توفي الآن نتيجة الجوع والوهن، أو نتيجة تعرضه للضرب والتعذيب على يد المخلوقات المكلفة بقتل المعارضين وتصفيتهم في أقبية وسجون دمشق وغيرها.

حزب الإتحاد الديمقراطي تشكيل سياسي وايديولوجي مختلف عن السائد. هو ليس من طينة بقية الأحزاب الكردية والعربية في سوريا. هو بٌنيّ على إرث المقاومة والتضحية الذي وطدّه حزب العمال الكردستاني. لذلك فإنه ومنذ تأسيسه عام 2003 قدم تضحيات جسام على مستوى القادة والقواعد. فقد قتلت الإستخبارات السورية عضو مجلسه السياسي أحمد حسين حسين أبو جودي في آب 2004، ومن ثم صّفت القيادية شيلان كوباني و4 من رفاقها في عملية إرهابية في الموصل العراقية، وأخيراً، وليس آخراً، قتلت القيادي في الحزب والبرلماني السابق عثمان سليمان تحت التعذيب، هذا طبعاً غير قتل إستخبارات النظام للعشرات وإعتقاله للمئات من أعضاءه بينهم الكثير من النساء. وريث حزب العمال الكردستاني في سوريا يسير على نهج الرعيل الأول المقاوم مظلوم دوغان ورفاقه من الذين أضرموا النيران في أجسادهم في سجن ديار بكر عام 1982 وأعلنوا الشعار الأبدي الخالد " المقاومة حياة". لذلك فإن نصف عدد المعتقلين الكرد في السجون السورية، هم أعضاء وأنصار حزب الإتحاد الديمقراطي...

المعارضة العربية السورية( المشتتة والضعيفة والمخترقة والمنشغلة بخلافاتها البينّية الصغيرة، كما ينبغي لنا أن نتذكر دائماً) لم تتحرك حتى الآن لدعم هذا الحدث الكبير. لم نر أي تظاهرة أو إعتصام أو تغطية إعلامية جيدة في الداخل أوالخارج لعملية الإضراب عن الطعام. وماخلا بعض التظاهرات التي نظمّها حزب الإتحاد الديمقراطي في أوروبا وشارك فيها الكرد السوريون بمختلف إنتمائاتهم السياسية والفكرية، فإننا لم نلاحظ الحراك (العربي المعارض) المطلوب والمناسب مع حجم الحدث الكبير في سجن عدرا، وحجم التضحية المتوقعة...

النخب السياسية الكردية ال 170 الذين أضربوا عن الطعام في سجن " عدرا" في دمشق فعلوا ذلك لأنهم يحبون سوريا ولأنهم يريدون لليلها أن ينجلي بسرعة وأن يعود الفجر المضيء. هؤلاء يرسمون وجه سوريا الجميل، بعد أن لطخه النظام بالسوء، فلابد من الوقوف معهم بالموقف على أقل تقدير.

مقاومو الظلم في سجن " عدرا" يتحدون الرعب في عقر داره، فهل من موقف يتضامن معهم وينقل قضيتهم إلى العالم؟.

تحية إلى المضربين عن الطعام في " عدرا" وكل معتقلي الرأي والضمير الكرد والعرب وبقية الموزاييك السوري، في سجون النظام الكثيرة.