رفعت السعيد ومنهج التخدير والتضليل والتزوير

رفعت السعيد ومنهج التخدير والتضليل والتزوير

أ.د/ جابر قميحة

     إن الرجل ليكذب ويكذب حتي ُيكتب عند الله كذابا, وإنه ليتوهم ويتوهم, حتي يصاب بآفة «الوهم المرضيّ», وكأنه المقصود بقول الشاعر:

وتحسب أنك جِرْم صغير       وفيك انطوى العالم الأكبرُ

   ثم يحاول أن يوهم الآخرين -وهو القزم الضئيل- بأنه عملاق شامخ عظيم, مع أن كل قدراته وإمكاناته - كما يقول المثل الصيني- أنه «يبصق إلي أعلي». ثم تكون آليته المثلي ارتكاب جناية اسمها «الإسقاط», والإسقاط يعني أن يرمي المجرم غيره بما يعيبه هو من نقائص, وما يتصف به من مثالب: فإذا كان لصّا اتهم الآخرين -وخصوصا الأمناء منهم- بانعدام الأمانة, وإذا كان جاهلا صرخ في وجوه من يحقد عليهم من صفوة المفكرين والعلماء: «يا لكم من حمقي جاهلين».

إنه رفعت السعيد.. وكفى

طافت بي الخاطرة السابقة, وأنا أري رفعت السعيد «زعيم حُزيب التجمع» هوَ هوَ رفعت السعيد بضآلته وأوهامه, وعدائه للإخوان المسلمين, وتصريحاته الضليعة في الكذب والافتراء. مع أن أغلب الذين هاجموا الإخوان من قبل في الصحف والقنوات التلفازية, وعلي رأسهم ذلك «المنبعج الطري المتقصِّع» صاحب البرنامج إياه.. كل هؤلاء انطووا علي حقدهم الأسود, وسكتوا -علي غيظ ومرارة- بعد أن لُطموا بنجاح ثمانية وثمانين فارسا في انتخابات مجلس الشعب.. كل فارس منهم بكتيبة, ولو كان هناك عدل ونزاهة لارتفع العدد إلي مائة وعشرين.ومن أيام ظهر هذا الرفعت السعيد علي شاشة قناة تلفازية, ليكرر عباراته التقليدية المستهلكة :- الإخوان لم يحققوا هذا النجاح إلا لأنهم خدعوا الناس بشعار عاطفي مبهم غامض جداً.- الإخوان بذلك «زوّروا» حقيقة الإسلام وجوهره, وقد قال الرسول «أنتم أعلم بشئون دنياكم», فما دخل الدين بمشاكل الإسكان والبطالة وغلاء الأسعار وغيرها?- شعار الإخوان «الإسلام هو الحل» لم يبين لنا الوسائل المشروعة لإنقاذ البلد من الواقع البائس الذي تعيش فيه . هذا ما ردده رفعت. وقبلها بشهر تقريبا تهكم علي الشعار «بأسلوب عيالي متخلف», وتثني وقال:«... لأ.. بل «السكَّر هو الحل».. الشاي الذي أمامي الآن «ناقص سكر».. يبقي السكر في هذه الحال هو الحل لا الإسلام»(!!!)

إنه يجهل معني الشعار

الشعار في اللغة : ما وليَ الجسد, -أي ما: التصق به- من الثياب, وهو ما نسميه بالملابس الداخلية. والشعار كذلك: علامة القوم في الحرب, وهو ما ينادون به ليعرف بعضهم بعضا. وهناك هدف آخر للشعار هو الاستنهاض والتحميس» فالنداء -أو الهتاف- الجماعي يبعث في النفوس الحمية والحماسة والتوهج, ويحثها علي التقدم في شجاعة وبسالة.ولأمر ما كان الرسول صلي الله عليه وسلم وكذلك قادة المسلمين حريصين علي أن يكون للجيش شعار موحد. وقد تتعدد الشعارات إذا ضم الجيش قبائل متعددة, ولكنها تدور كلها في الفلك الإسلامي:- فكان شعار المسلمين في بدر: أحد.. أحد.. (وهو شعار يشير إلي «التوحيد» وهو قاعدة القواعد).- وكان شعارهم في أحد «أمِتْ.. أمتٍ» (وهو شعار يحتمل معنيين: الأول: أيها المسلم أمت عدوك.. أي: تشجع في القتال واقتله, والثاني: دعاء إلي الله أن يهلك الأعداء.-وكان هو نفس الشعار الذي اتخذه المسلمون بعد ذلك بسنوات, وهم سرية وجهها النبي صلي الله عليه وسلم لقتال بني الملوح.- وكان شعار المسلمين يوم الخندق «فهم لا يُنصَرون».- وكان شعار المسلمين يوم غزوة خيبر «الله أكبر, خربت خيبر».- وتعددت شعارات المسلمين يوم فتح مكة وحنين والطائف:

أ- فكان شعار المهاجرين: يا بني عبدالرحمن:

ب- وكان شعار الخزرج: يا بني عبدالله.

ج- وكان شعار الأوس: يا بني عُبيٍد الله.

لو فرضنا أنه...

وفي العصر الحديث تطور مسار الشعار, وأصبح كلمة, أو عبارة مقطرة موجزة جدا تدل -علي سبيل الإلماع أو الإشارة- علي أيديولوجية الحزب, أو جوهر مبادئه مثل: مصر للمصريين, وطعام لكل فم, وفكر جديد وعبور إلي المستقبل... إلخ.وأعتقد أن «رفعت السعيد» لو كان موجودا في عصر صدر الإسلام, واستعمل منطقه الحالي في رؤيته لشعار الإخوان -لاعترض علي شعار المسلمين في بدر, واتهمه بالغموض, وربما قال: ما معني «أحد أحد» وهو لم يبين المقصود بهذا الوصف? ولماذا لا ينصرف فهم الشعار إلي اليوم المعروف من الأسبوع? وربما اعترض بمنطقه الأعور الكسيح علي شعار «أمت.. أمت» بأنه شعار عدواني (!!) وأين سماحة الإسلام إذن..? ثم الغموض في الأمر: من المطالب بالإماتة.. ومن المطلوب بالقتل.. و...?! وربما اعترض علي شعارهم يوم خيبر بأن فيه «معاداة للسامية».وفي العصر الحديث, واتساقا مع منطقه الهش يمكن أن يعترض علي شعار «مصر للمصريين» بزعم أن فيه عصبية وطنية ذميمة ضيقة, وأن مصر التي فتحت صدرها للغرباء والمظلومين من كل مكان وانتصرت في عين جالوت وحطين, وأنقذت العالم من وحشية التتار, ودموية الصليبيين لا يمكن أن تكون للمصريين فحسب, ويجب أن يستبدل بهذا الشعار شعار آخر هو «مصر للجميع».

مصدر خطئه.. وخطيئته

لقد سقط رفعت السعيد في غلطة لا يقع فيها «نصف متعلم», وهي خلطه بين «الشعار» و«البرنامج». فالشعار لا يُطلب منه أكثر مما ذكرناه: الإيجاز الشديد جدا, وقوة الدلالة والإيحاء. أما البرنامج فهو «معروض يَطرح -في تفصيل- مبادئ الحزب, وأهدافه, والوسائل العملية لعلاج المشكلات والتغلب عليها في السياسة والاقتصاد والحكم والتربية والتعليم, مع وضع خطة للتعامل مع مستجدات المستقبل».وإذا زعم رفعت السعيد ومن سار علي دربه أن الإخوان «لا برنامج لهم» فإني أقول: إن البرنامج الإصلاحي للإخوان مطبوع في قرابة مائة صفحة, وقد وزع منه مئات ألوف. هذا عدا ما كتبه ويكتبه الإخوان في كتب ومقالات.فالإخوان لهم إذن برنامج مكتوب, شهد بدقته وشموليته كثير من كبار الكتاب ورجال القانون. ثم ما ذنبنا إذا كان السيد المحترم جدا رفعت السعيد قد قرأ الشعار, ولم يقرأ البرنامج? علما بأن العلاقة بين الشعار والبرنامج كالعلاقة بين عنوان الإبداع -كالقصة مثلا- والإبداع نفسه. هي علاقة جزء بكل.. لا يغني أحدهما عن الآخر, وإن كان الأول كالسهم الذي يشير إلي اتجاه الطريق. وعلي القارئ قبل أن يصدر حكمه أن يقرأ هذا الطرح قراءة واعية, ويحاول أن يفهم -بأفق مفتوح- ما يحمله من دلالات, وما يعكسه من إيحاءات. وإلا كان كالذي شاهد فيلم «السمان والخريف» المأخوذ عن قصة نجيب محفوظ المشهورة.. وخرج من دار السينما يضرب كفا بكف ويقول في أسي: «لقد خدعنا نجيب محفوظ» فسأله بعضهم: أي خداع تقصد? فأجاب: «لقد شاهدت الفيلم فلم أرَ فيه سمّانة واحدة, مع أن اسم الفيلم «السمان والخريف».

رفعت السعيد المحصن..

ولا يستطيع عاقل أن ينكر أن رفعت السعيد يملك حصانة قوية ضد «حبّ الشعب».. وهو بذلك ينضم إلي فريق «المحصنين» من أمثال: جمال مبارك, وصفوت الشريف, وكمال الشاذلي. ومن أيام قلائل -وبالتحديد في الثاني من عيد الأضحي- حاورت قطبا من أقطاب حزب التجمع - وهو عالم فاضل, وسياسي ضليع- في شأن رفعت السعيد , ومما قلته له: إن هذا «الرفعت» يتصرف ويتكلم كأنه زعيم حزب أغلبية, أو كأنه قطب من أقطاب العالم المعدودين, مع أنه لا مكان له في الشارع المصري, ولا في الكيانات العلمية والسياسية, ولا في قلوب المصريين. وحتي يعرف «حجمه» الحقيقي كنت أتمني أن يرشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة. وأؤكد لك أنه لن يحصل علي أكثر من ألف صوت .ضحك القطب التجمعي الذي أكنّ له كل حب وتقدير, وقال: ألف صوت?! دا لو حصل علي 200 صوت يبقي كويس.قلت: يا ليته يري أبعد من أنفه, إذن لعلم أنه بيده -لا بيد عمرو- حرق نفسه سياسيًا.

أسئلة بريئة..

 ..وقد أشرت من قبل إلي زعم رفعت بأن شعار «الإسلام هو الحل» وقد خدع به الإخوان الناس: هو سبب نجاحهم, ولولا هذا الشعار ما نجح منهم هذا العدد.وإني لسائله: ماذا تقول في المسيحيين الذين اختار عدد كبير منهم مرشحي الإخوان, وخصوصا في الصعيد? وبعض هؤلاء المسيحيين كتبوا شعار الإخوان «الإسلام هو الحل» علي لافتات كبيرة, وعلقوها علي محلاتهم.وهل الذين اختاروا الإخوان كانوا جميعا من الجهلة والبلهاء والسذج الذين يسهل خداعهم? ألم يكن فيهم متعلمون وأساتذة ومحامون ومهندسون.. إلخ?وما رأيك يا رفعت في تفوق الإخوان في النقابات المهنية كالمحامين والمهندسين وأندية هيئات التدريس بالجامعة.. مع أنهم لم يرفعوا هذا الشعار? أنا علي يقين يا رفعت, وأعتقد أن كل عاقل علي يقين أن وضع الإخوان ونتائجهم في الانتخابات ما كانت لتهبط لو أنهم استبدلوا بشعارهم هذا شعارات أخري -ليس فيها اسم الإسلام- مثل «الأمانة هي الحل» أو «مصر لنا جميعا» أو «تعالوا إلي كلمة سواء»» لأن الناس يختارون «شخصيات» عُرفت بسموها الخلقي, وصدقها قولا وعملا, لا عبارات كُتبت علي لافتات. واستكمالاً لهذه الفكرة أسأل السيد المحترم رفعت السعيد: تري لو أن حزب التجمع أو الحزب الوطني (صاحب الأغلبية المريحة) رفع كل أعضائهما المرشحين شعار «الإسلام هو الحل» هل سيحقق هؤلاء نجاحا وتفوقا بهذا الشعار? أعتقد أن الإجابة أوضح من أن أسجلها.

إنه مزور كبير!!

ولرفعت السعيد كتب شوه فيها تاريخ الإمام حسن البنا, وجرّح فيها الإخوان, وطعن تاريخهم وفكرهم, هذا عدا مقالات كثيرة تتجه نفس الاتجاه في الافتراء والتشويه. ويحاول رفعت أن يوهم القراء بأنه ينهج نهجا علميا فيما يكتب, فيحيل القارئ علي مراجعه, وخصوصا دوريات الإخوان مثل مجلتهم وصحف أخري مضي علي صدورها قرابة سبعين عاما, ويصعب علي القارئ -بل يستحيل- أن يرجع إليها في وقتنا الحاضر, فيميل إلي تصديق ما يكتبه . إلي أن خرج له من القمقم شاب -أو كهل- في الأربعين من عمره, اسمه «منصور أبو شافعي», وسدد إليه القاضية بكتاب ضخم عنوانه «العلمانيون والحرام العلمي: مراجعة نقدية لعلمية كتابات رفعت السعيد عن حسن البنا» (صدر في سبتمبر 2004). وقام منصور في كتابه هذا -وبمنهج علمي رصين- بتعرية رفعت السعيد تعرية فاضحة صارخة.فإذا بالمحترم رفعت -الذي يزعم أن الإخوان زوروا فكر الأمة بشعارهم العاطفي إذا به -كما فضحه منصور- يوظف كل أنواع التزوير المعروفة قانونا, وأشهرها: التزوير بالإضافة, والتزوير بالحذف والإسقاط, حتي يحقق أهدافه التي يحرص علي تحقيقها, وهي أهداف مناقضة للحق والحقيقة والقيم الإنسانية. ونكتفي في هذا السياق بمثال واحد:-يحرص رفعت «المحترم» علي إيهام القارئ -بل الناس جميعا- بأن الماركسية لا تناقض الدين, ولا تتعارض معه, فيورد النص التالي لكارل ماركس: «إن الدين عند الكثيرين هو النظرية العامة لهذا العالم, وهو مجموعة معارفهم الموسوعية, وهو منطقهم الذي يتخذ شكلا شعبيا, وهو موضوع اعتزازهم الروحي, وموقع حماستهم, وهو أداة قصاصهم, ومنهجهم الأخلاقي».ويكتشف الأستاذ منصور -بعد رجوعه للمصدر الأصلي- أن «أمين التزويرات» رفعت السعيد قد حذف من نص كارل ماركس ما يعكس معناه تماما, فقبل الجزء السابق مباشرة حذف رفعت السعيد من كلام ماركس قوله «إن الإنسان هو الذي يصنع الدين, وليس العكس, فالدين في حقيقته هو الوعي الذاتي للإنسان..» أي أن الدين عند ماركس -وتلاميذه طبعا- ليس من عند الله, بل هو صناعة بشرية.ويعرض أبو شافعي عشرات من التناقضات المرة لرفعت السعيد, وكذلك عشرات من الأخطاء الموضوعية الخطيرة. منها مثلا: أنه يتعامل ويتحدث عن كتاب «من هنا نعلم» علي أنه من تأليف سيد قطب, مع أن مؤلفه هو الأستاذ محمد الغزالي رحمه الله

**************

تري: أيأتي اليوم الذي يتخلي فيه رفعت السعيد عن منهجه في التخدير والتضليل والتزوير?

 علم ذلك عند ربي