مؤتمر المعارضة السورية في أمريكا بداية الفعل الصحيح
مؤتمر المعارضة السورية في أمريكا بداية الفعل الصحيح
د. نصر حسن *
ينعقد بعد أيام مؤتمر المعارضة السورية في أمريكا ضمن ظروف داخلية وخارجية خطيرة وغاية في التعقيد والتداخل واختلاط الأوراق وتخبط النظام بين الضعف والظهوربالقوة بين الحين والآخروالتسول علانية ً على أبواب هذه الجهة أو تلك علها تحقنه نصائح وتغطي له الفضائح وتطيل عمره قليلا ًمن خلال تجميل صورته المهزوزة أكثرمن أي وقت مضى , ناسيا أومتناسيا ً أن الميت لايستطع أن يحمل ميت ,وأن النظام الرسمي العربي كله أصبح يتحرك ضمن سفينة غارقة وتنطبق عليهم عبارة( كلهم في الهوى سوا ) وكلهم في الطريق إلى أرشيف التاريخ ولانقول كلاما ً آخر, وخاصة ًبعد انشقاق عبد الحليم خدام الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بعد ! .
والمعارضة هي الأخرى تتحرك قليلا ً إلى الأمام وتراوح في المكان والزمان , وأصيبت ببعض أمراض النظام وعوارضه ,وعدوى انفلونزا الفجور السياسي والوطني وجَرَبْ الإستبداد الذي انتشرت عوارضه وانتقلت من أروقة النظام إلى بعض أطراف المعارضة في الداخل والخارج والذي يصر النظام على تقطيع كل الخيوط الممدودة بين أطرافها أو أشلائها هنا وهناك, وتهديم الجسور الوطنية بين داخلها وخارجها لتبقى ممزقة متباعدة وغيرمتواصلة وأسيرة الهجران , محاولا ً حصرها ممزقة وعرضها في صورة داخل غيرقادر على مصارعة الثيران, وخارج ذو هوى غيروطني ,لقطع كل أشكال الإتصال بين داخلها الأسير وخارجها البعيد والغير قادرعلى التأثير, ليصبح حوارها أشبه بحوار الطرشان , كل يردد موسيقاه على انفراد وكأنه صرخة في واد , تيهٌ وانعدام رؤية ورؤى فمتى تعقل وترجع إلى صوابها والبيان , النظام والمعارضة من جهة والوطن من جهة أخرى على كفتي ميزان, اختل الميزان واعتلُّ الربان ... وسورية بين هذه الثنائية . . حوار الطرشان وأيضا ً العميان !.
كان ربيع دمشق محطة وطنية للمعارضة نقلها قطارالإستبداد إلى غياهب السجون , وهناك في الظلم والظلام دار الحواربين حماة الوطن والسلطان حوار بين الجلاد والضحية حول مستقبل الأوطان, وكان
الصوت الوطني دائما ً أقوى من الطغيان .
الأحداث تتوالى والخطر تتسع مساحته ليهدد الجميع , والنظام ومن وراؤه يحاول بكل خبرته في القمع والترويع إلى الوصول إلى لحظة التطويع , تطويع المعارضة وإيصالها إلى حالة الألفة مع الإستبداد وتركيعها وجرها للركوب معه في سفينة الإصلاح الغارقة التي أرهقها الترقيع , النظام يغرق وسورية توشك على الغرق ! جاء إعلان دمشق في إطارمحاولة إنقاذ سورية من الغرق , وقد استطاع آنيا ً أن يؤخر لحظة الغرق , ولا زال متعثرا ً يحاول الإنقاذ ! .
صدور إعلان دمشق من قلب سورية نعمة ونقمة في نفس الوقت ! وهذا ليس غريبا ً في زمن أصبحت فيه المتناقضات تطغىعلى المتوافقات في عموم حياتنا وأصبح الجزء هو الذي يحرك الكل.وأيضا ً(البرغي ) يحرك المحرك بدل محور الدوران , وهذه إحدى مفارقات العقل والسياسة والثقافة والتاريخ !.
نعمة لأنه ثبَّتَ صورة وملامح المعارضة الوطنية واستقلالها بطرح مشروع وطني للتغيير من قلب سورية قاطعا ً الطريق على أبواق النظام المسعورة ولانظلمها في ذلك لأن حفلات الشتائم الرسمية التي أقيمت على ( شرف ) هروب خدام وهو مُنَظّرهم ورمزهم لعشرات السنين قد فاقت بعواصفها الكلامية الفجائية ووضاعتها كل حدود شراكة وطقوس مسيرة الصمود والتصدي والإصلاح وصولا ً إلى الخاتمة والتصدع والإنهيار التي تعبر عن حقيقة النظام , وخرجت عن إطار( الأدب والذوق )العام والخاص للنظام على حدٍ سواء , وأظهرت حقيقة العباءة المهترئة التي تغطي عوراته, كله بفاسديه ومفسديه وهاربيه ومخلصيه ومصلحيه , والباقون الذين يرددون أبواقا ً للحظة الإنهيار .
ونقمة لأن النظام حاول ويحاول جعله إسفينا ً في جسم المعارضة لشقها وعزل خارجها عن داخلها بل حاول الدخول على خط المعارضة في الداخل لحرفه وتوليف خطابهه على نغمة الإستبداد الذي يعزفها على الدوام وبالتالي إلى إيهام المعارضة في الداخل على أنها هي الأساس وهي التي تملك بطاقات التموين الوطنية توزعها حسب رغبة النظام على هذا الطرف أو ذاك من أطراف المعارضة في الخارج .
لعبة المصالح ورغبة البقاء في السلطة وإضعاف المعارضة الوطنية يمارسها النظام بغباء شديد لا يحسد عليه , وبإعلان دمشق لأول مرة تتجاوز المعارضة النظام بقوة الحركة وصحة الإتجاه ووضوح وسمو الهدف وهو إنقاذ سورية في وقت عجز النظام عن القيام بوظيفته ,جمعْ الوطن الذي فتته دعاة الوحدة والأمة الواحدة ! والمحافظة على وحدته وكرامته التي أذلها النظام وعمل على طبعها بملامحه ووساوسه , النظام يهذي ويرتجل ويتسول ويتوسل أمام الجهات الخارجية (الوطنية ) ويتصرف بطقوس إمبراطورية الرعب مع الشعب والتخوين والتخويف ,يعيد إنتاج وتكرار سلوك مؤسس جمهورية الخوف الوراثية ولكن بتوهم وارتباك محزن ومضحك معا ً .
النظام يتحرك عشوائيا ً في دائرة ملتهبة لم يتحسس خطورتها بعد , ويمنعه من ذلك غياب البرنامج والمبرمجين وخطأ حساباته المبنية أساسا ً على بقاؤه في الحكم ونظرته إلى الأمور من هذه الزاوية الضيقة والتي تضيق أكثر مع مرور الزمن , وغياب الوطن والشعب عن أولوياته وحساباته , وباختصارهو يتحرك خارج الأحداث والزمن وعلى هامش الفعل والتأثير !.
في حين يتحرك إعلان دمشق والمعارضة الوطنية ولو ببطء شديد في الإتجاه الوطني الصحيح , وطرَحَ برنامج وطني للتغيير يعبر عن إجماع الإرادة الوطنية في هذه اللحظة من حياة سورية , وقدم حلا ً لإنقاذ الوطن لكن لم تتوضح صيغته العملية بعد , وفي هذا الإطار نتمنى ونعمل على أن يكون المؤتمر القادم خطوة نوعية في مسيرة المعارضة السورية ,ومؤتمر بمستوى خطورة الأحداث التي تعيشها سورية , وفي معرض المشاركة في الحوار الوطني وتفعيله , نعمل مخلصين محاولين الوصول إلى أوسع شكل للتوافق لنصبح قادرين على الوصول إلى المنهج الوطني والسير في عملية التغيير .
النظام يتخبط وهذا واضح ومقروء ٌ من كل أطراف المعارضة , وتقع المعارضة بنفس التخبط إذا لم تنتقل من حالة رد الفعل على حركة النظام إلى الفعل الوطني الذي يتحرك بأفق سياسي واضح ومحدد أولا ً , وتوحيد عمل المعارضة الفعلي والسير بخط وطني واضح وتجاوز نقاط التقاطع مع الخط الأول الذي يمثل النظام , والخط الثاني الذي يمثله قلة قليلة من أطراف المعارضة الذين يريدون أن يكون التغيير بمساعدة الخارج ثانيا ً , والإقرار بالتوافق على اختيار الخط الثالث الوطني الذي يمثل الإرادة الوطنية المستقلة التي تقررالحفاظ على الثوابت الوطنية التي ليست عرضة ً للبيع أوالإرتهان ,والحفاظ على القرار الوطني المستقل مع المرونة العاقلة والإبتعاد عن النظرة الأحادية والخشبية للأمورثالثا ً, وعلى المؤتمرالذي لن تكون أطراف إعلان دمشق غائبة عنه معاينة وثيقة الإعلان وتطويرها وسد ثغراتها وضبط مصطلحاتها وإضافة آراء الأطراف الوطنية لتنال الإجماع الوطني وتثبيتها وتحويلها إلى برنامج وطني للتغييررابعا ً, وهذا يستدعي بالضرورة وجود الشكل التنظيمي الموحد للمعارضة وتجاوز موضوع داخل وخارج وعبوره إلى الشكل الوطني الحقيقي وهو وحدة المعارضة لتحقيق هدف واحد مركزي وهو التغيير الجذري وبالوسائل الوطنية المشروعة خامسا ً, ويتطلب ذلك انتخاب مجلس مركزي للمعارضة وضمن أية تسمية تعبر عن وحدة المعارضة التنظيمية سادسا ً .
ضمن هذه المعطيات الوطنية التي تمثل المعارضة وتعكس حقيقة المجتمع بماضيه وحاضره ومستقبلة يكون الأمل الوقعي والتحرك الفاعل باتجاه التغيير .
وأخيرا ً يبقى الأمل معقودا ً على المؤتمر القادم ومن خلال القوى الفاعلة على الساحة الوطنية السورية بتصحيح العلاقات الوطنية وبحضور الأطراف الفاعلة على أمل حضور الأطراف الغائبة والمغيبة بحكم تناقضات اللحظة الراهنة بالبحث عن آليات جديدة وأداء جديد وبفهم استراتيجي لمجريات الأمور لأن الزمن لم ولن يتوقف في نقطة ضارة أو مفيدة للشعوب في مسيرة التاريخ ,والشعب السوري هو شعب عريق ومن أوائل صناع الحضارة وهو جزء من أمة حضارية لها ذاكرة , استطاعت وستستطيع تجاوز الكثير من اللحظات المظلمة والإستمرار في التاريخ .
* اللجنة السورية للعمل الديموقراطي