هم الراحلون وأنتم الباقون يا إخواننا الشيعة
بقلم : محمد صالح الشمّري
ها هم – كما توقّعنا لهم – يلملمون بقايا عتادهم ( الثقيل ) ويشرعون بالرحيل ، إنها خطوتهم الأولى في رحلة الهزيمة المنكرة التي يدلّعونها ويخففونها بتسميتها : إعادة انتشار!!!
إنّهم رغم عمق الجراح التي أحدثوها في جسم الأمة طارئون على هذه الأرض و لم يكونوا هاجساً ، لأنّهم بدون حماسة أو انفعال ، بل بكلِّ هدوء وبساطة مثل غيرهم من جحافل الغزاة الذين تطاولوا على هذه الأرض العصية على الإذلال ، فقد تشبّعت بالأنفة منذ أيام ذي قار والقادسية وثورة العشرين ، وأخواتها من ملاحم العزّ والبطولة والعنفوان ، فلا رعب ولا وجل من الغريب الطارئ لأنّه راحلٌ لا محالة والتاريخ القريب والبعيد خير شاهد ..
نقول لا خوف من جنود العم سام المرفّهين ( بتوع ) الببسي والكولا ، فقد خبرناهم في فيتنام والصومال ولبنان ، ولكن القلب يدمي من الأهل والإخوة والجيران الذين تشابكت معهم أوشاج القربى والرحم ، الذين استدرجوا بسهولة موجعة وانزلقوا باستسلام عجيب لحبال الحقد وإغراءات الانتقام ... إنّهم أنتم يا شيعة آل البيت!!! كيف طابت نفوسكم – بالله عليكم – أن تضعوا أيديكم بأيدي الأعداء الذين بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم ألعن : ألم يقولوا على لسان بوش الصغير بالفم الملآن : إنّها حربٌ صليبية ؟! ، فهل يشرفّكم أن اشتركتم ضد أمتكم بهكذا حرب و هل يرضىٰ سبط رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم سيدنا الحسين – عليه السلام – بانخراطكم في هذه الورطة النكراء ؟!! ، وأين ستخفون وجوهكم من حيدر الكرار إذا سألكم عن هذه الفعلة الشنعاء ؟! وأيُّ مبرّر يبيح الممارسات الوحشية التي تقوم بها الميليشيات إياها التي لبست لبوس وزارات حكومة الجعفري واستأنفت أعمالها المافية اللإنسانية والتي تترفع عنها حتى شريعة الغاب ، فالوحوش كما هو معلوم لا تفترس إلا عندما تجوع ، أمّا وحوش وزارة باقر صولاغ جبر فتفترس وتمزق أجساد العراقيين في كلِّ حين ، والصور المؤلمة حتى النخاع التي توثّق هذه الجرائم منشورة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية ... إنَّ من يشاهد هذه الصور يستحيل عليه تصديق أنَّ بشراً ينتمي إلى الإنسانية يمكنه أن يفعل مثل هذه الأفعال ... فمن أية نفسية انطلقت هذه الممارسات ، وأيّة عقلية أباحتها ، ثمًّ مَنْ فعل هذه الأفاعيل ماذا ينتظر من أهل السنة والجماعة أن يتصرفوا وما الذي ستختزنه ذاكرتهم ، وما تأثيره على نفسيتهم ، وإذا تترستم اليوم وراء حديد أمريكا وجيشها الذي بدأت قبضته تتراخى ويتلمّس سبل ( الانسحاب ) ببعض ماء الوجه ، فمن سيحميكم غداً بعد انسحابه وهزيمته التي بدأت باللواءين الذين أعلن عنهما رامسفيلد والحبل على الجرار.
الأمريكان – وكما هو معلومٌ عنهم – لا يقيمون وزناً سوى لأنفسهم حصراً ، فلا أصدقاء ولا وفاء يردعهم عن الانسحاب وترك ( أصدقائهم ) !! نهباً لأي مصير أيّاً كان هذا المصير ، وهم لا يقيمون وزناً يحسن الأحدوثة أو سوئها ، المهم لديهم حياتهم وحسب ، و ليكن بعد ذلك الطوفان .
ليس ثمة شارع في مدن العراق لا يتجاور فيه بيت شيعي مع بيت سني ، وغداً القريب جداً عندما تصبحون على شوراع بغداد الخالية من الحديد الأمريكي و يشخص وجهكم بوجه جاركم السني الذي بقرتم بطن ابنه ورأسه بالمثقب الكهربائي ... ماذا ستقولون له ؟! وأية قوة في الأرض ستحول دون الانتقام والثأر وتداعياتهما وأية أنهار من الدماء يمكن أن تسيل في شوارع بغداد وغيرها من المدن العراقية الجريحة المستباحة ، فهل أنتم مستعدون لمثل هذه المجازر والمذابح وهل أنتم تفعلون ما تفعلون بكامل الوعي والإدراك لعواقب مثل هذه الممارسات المتوحشة؟!!
لا أظن ذلك ، فلا يوجد في الواقع الذي نعلمه ونعيشه من يفعل ذلك وهو يملك عقله ويفكر فيه ويُعمله في مستحقات أفعاله وتداعياتها عليه وعلى أولاده وأحفاده ، مع علمه الأكيد أنه ابن هذه الأرض وجذوره ضاربة في أعماق تربتها الحنونة المصنوعة من معدن الأمومة المتفانية .
نحن نتفهم أن تكون ثمة ردود فعل تمت على خلفية شعور بالغبن والأسى من ظلم حدث في أيام تصرمت وأضحت من الماضي ، على الرغم من براءة جمهور أهل السنة والجماعة منها لأنها لم ترتكب باسمهم ولا بتفويض منهم ولا برضى وتشفٍّ منهم كما يحدث اليوم من قبلكم ، نقول نتفهم بعض ردود الفعل ، ولا نبررها ، ولكن إذا بقيت في حدود ردود الفعل المحدودة فعلاً وزمناً وأشخاصاً ... أمّا أن تكون منهجاً يحمل قوائم الموت وتؤزره أحقادٌ سوداء لا حدود لها فلا يندرج ذلك تحت مسمى ردود الفعل ، وإنما يتعدّاه إلى دركٍ لا قرار له ولا مجال لحرٍّ تحدّر من صُلب حرّ أن يتحملّه أو أن يتسامح معه أو أن ينساه .
نحن نميّز على الرغم من كلِّ الدماء التي تنزف من عيوننا وقلوبنا بين شيعة آل بيت النبوة ممن نبتوا في تربة هذه الأرض العريقة وبين من تلطوا خلف هذه الراية تنفيساً لأحقاد دفينة عميقة معلومة الدوافع والأهداف والمرامي ، وهؤلاء صدّقوني سيرحلون فور رحيل الأمريكان ومعهم إيثاراً للسلامة أولاً ، وعدم وجود ما يشدّهم إلى هذه الأرض ثانياً..
أمّا أنتم يا من تربطنا بكم كل وشائج القربى والرحم والجوار والتجذر في هذه الأرض ، والأخلاق التي بُعث جدكم المصطفى صلى الله عليه وسلم ليكملها ويتممها ، لا تستطيعون أن ترحلوا مع الغرباء الذين ثمة أراضٍ تنبت الحقد وتنبع البغضاء سوف تستقبلهم لتشحنهم ، كما فعلت دائماً ، بأنواع من السخائم لا حدود لها .
أنتم لا تستطيعون الرحيل ، ولا ينبغي لكم ، ولا نقبله لكم ولا لأنفسنا ، فليس بمقدور إنسانٍ سويٍّ أن يسمح لبعضه أن ينسلخ منه ويرحل إلى أرض الظلمات والأحقاد والأوبئة .
ستظلون في هذه الأرض جزءاً لا ينفك عنا ولكن ..
يستحيل على إنسانٍ أياً كانت نفسيته أو تركيبته أن يتحمل ما تنغمسون فيه ، وما تُستدرجون إليه من موبقات تتنافى مع الإنسانية وتنبو عن الإخلاق وتفتقر إلى أيِّ إحساس بشري ، وأنتم تعلمون أن لكل فعلٍ ردَّ فعل ، وذلك من طبيعة الأشياء وقوانين الكون .
صدقوني إنَّ ذلك ليس تهديداً ، وإنما تذكير من ذلك النوع الذي ينفع المؤمنين ، والوقت ما يزال ، على الرغم من كلِّ الآلام والأوجاع التي حدثت وتحدث ، ما يزال قابلاً للعودة إلى الحق وجادة الصواب والزهد في بهرج الباطل الذي جاءت به جحافل الغزاة ، والانحياز إلى الأهل والعشيرة والرحم الذي احتضنكم كلَّ ذلك الزمان الضارب في أعماق التاريخ .
نقول ذلك قبل فوات الأوان يا إخواننا ويا أهلنا ، وإلا فإن الإصبع المسمومة لا مناص من بترها على الرغم من كلِّ الألم والعذاب والتشويه الذي يورثه هذا البتر ، فليس ثمة من يهوى بتر جزءٍ من جسمه ما دام سليماً ومقبولاً وليس مسموماً ومؤذياً ومدمراً .
إنّه تذكير برسم العقلاء والحريصين على أنفسهم و أهلهم وأولادهم وأحفادهم ، لا بدّ أن يجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية تردُّ المصير السيء والمآل الوخيم ، واستمعوا إلى صوت جدكم رسول الرحمة المهداة : خيركم خيركم لأهله ، وليس لمن يبقر بطونهم ورؤوسهم بالمثقب الكهربائي المتوحش!!!