كرامة المصريين وحزب فرنسا
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
ليس
بالردح نحمي المصريين أو نحافظ على كرامتهم !
العدوان الذي قام به بعض الجمهور الجزائري ضد الجمهور المصري في شوارع الخرطوم عقب
مباراة التأهيل لكأس العالم ، يعود إلى إهمال السلطة المصرية وتقاعسها عن حماية
شعبها ، وليس الحكومة السودانية .. فالشعب المصري مسئولية السلطة المصرية في الداخل
والخارج ، وإذا أصيب المصري بمكروه فالمسئولية تقع على عاتق حكومته التي تقبض
مرتباتها وتحصل على امتيازاتها من عرق جبينه وكد يده وعقله .. حتى لو كان المجرم
مجموعة الرعاع الذين أطلقتهم حكومة حزب فرنسا في الجزائر ، فالمعروف قبل المباراة
بل قبل عقدين من الزمان أن حكومة حزب فرنسا في الجزائر، لا تمت بصلة إلى الشعب
الجزائري الأصيل الذي حارب فرنسا دولة الاحتلال الصليبي ؛ على مدى ثلاثين ومائة عام
، وقاوم استئصالها للإسلام واللغة العربية والعروبة ، وضحي بمئات الألوف من الشهداء
والجرحى والمصابين ، لتبقى الجزائر بلدا عربيا مسلما يحمل المصحف بيديه ، وينطق
بلغة القرآن ..
قبل عقدين من الزمان راح حزب فرنسا بناء على نصائح استعمارية من أميركا وفرنسا ،
ومصر الشقيقة الكبرى – كما قالت الأنباء يومئذ – يقيم مذبحة غير مسبوقة لشعب
الجزائر المسلم ؛ لأنه منح أصواته لجبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية ، وفازت
الجبهة في الدور الأول للانتخابات بأكثر من خمسين في المائة من الأصوات والمقاعد ،
بالإضافة إلى فوز أحزاب إسلامية أخرى بعدد لا بأس به من الأصوات والمقاعد ، مما
أعاد حزب فرنسا إلى مؤخرة الأحزاب الجزائرية .. وهنا تحركت قوى الشر ضد الجزائر
المسلمة ، وقررت إقالة الرئيس الشرعي الشاذلي بن جديد ، واعتقلت الآلاف من القيادات
الإسلامية وأنصار التيار الإسلامي ، وفتحت لهم المعتقلات في الصحراء الحارقة جنوبي
الجزائر ، وبدأت القوات المسلحة في القتل الجماعي الذي شمل العاصمة والأقاليم ، ولم
تنج القرى والمدن الصغيرة من الاغتيالات والتفجيرات التي دبرتها المخابرات ، ونفذها
العسكريون .. وكانت أجهزة الإعلام الغربي ، والنخب العربية الخادمة للغرب
والصهيونية ؛ تؤيد القتل والملاحقات تحت مسمى مقاومة الإرهاب ، فالمؤسسة
الاستعمارية الصليبية ترى أن الإسلام هو عدوها الحقيقي ، ليس الإخوان المسلمون ولا
طالبان ولا الجماعات الإسلامية في ذاتها ، ولكن الإسلام في ذاته ، لأنه يمثل الخطر
الحقيقي الذي يمنع المؤسسة الاستعمارية الصليبية من نهب الشعوب الإسلامية وامتصاص
خيراتها وتنصير أهلها .
ومن ثم قامت القيامة ولم تقعد ( على النحو الذي فصلته في كتابي : النظام العسكري في
الجزائر - دار الاعتصام – القاهرة 1994م) ، وكان لا بد من ذبح الشعب المسلم
واستمرت المذبحة نحو عشرة أعوام استشهد فيها نحو مائتي ألف جزائري مسلم على يد قوات
الدرك والجيش والشرطة التي يقودها حزب فرنسا . وقادة هذا الحزب من اللصوص الكبار
الذين امتصوا أموال الشعب الجزائري البائس ، وحولوها إلى بنوك أوربة وأميركا ، وقد
سيطروا على مقدرات الشعب في الجيش والمخابرات والشرطة والدرك والصحافة والإعلام
والثقافة والمثقفين (الفرانكفون ) والأحزاب التي تعمل معهم ومن خلالهم ، وهم يلعبون
بمصادر الدخل القومي من البترول والغاز الطبيعي لحساب المؤسسة الاستعمارية الصليبية
، حيث يذهب الفائض البترولي إلى الشركات الاستعمارية الصليبية في مشروعات وبنية
أساسية ؛ نظير عمولات ومشاركات صورية ،ولنا أن نتصور بلدا يفيض دخله عن ثمانين
مليارا من الدولارات ، وما زال مدينا بخمسين مليارا حتى هذه اللحظة ، وتملأ البطالة
أركان مدنه وأقاليمه ، وشبابه يهجرونه إلى فرنسا وأوربة بحثا عن فرصة عمل تقيهم شر
الجوع والتسكع على الأرصفة .
لم يكن أمرا غريبا أن يتحرك حزب فرنسا ضد الجمهور المصري في الخرطوم للعدوان عليه
وإصابة أفراده والانتقام منهم والتغطية على ما يجري في الجزائر من فساد وجهود غير
خافية للعمل من أجل التوريث – الذي صار موضة عربية في القرن الحادي والعشرين –
وإعلان شقيق الرئيس المسمى سعيد بوتفليقة خلفا لشقيقه المريض الذي يحركه العسكر
كيفما يريدون !
بيد أن هذا كله لا يعفي حكومتنا المصرية من مسئوليتها التاريخية والحضارية فضلا عن
القانونية والخلقية في حماية المصريين والذود عنهم ، وتوفير الحماية لهم أينما
كانوا؛ ليس بالردح والشتائم التي احترفها بعض المرتزقة في الفضائيات والصحف
الطائفية ، ولكن بمنهج عملي جاد وحقيقي ومؤثر . لقد كان هناك أكثر من سبيل إلى
تحقيق ذلك . منها إلغاء مباراة الخرطوم والانسحاب بكرامة ، حتى لا يتعرض أبناؤنا
للعدوان من حزب فرنسا الإجرامي . وقد ارتفعت أصوات عديدة ومخلصة بهذا النداء ، في
مقدمتها نداء الشيخ يوسف القرضاوي ، ولكن أحدا في السلطة لم يسمع . ومنها أن تقام
المباراة بدون جمهور من الطرفين ويكفي أن يشاهدها الناس عبر شاشات التلفزة الفضائية
والأرضية . ومنها أن القوم وقد علموا أن حزب فرنسا الجزائري قد شحن الآلاف على
طائرات عسكرية لتذهب إلى الخرطوم من أجل تشجيع الفريق الجزائري والتربص بالجمهور
المصري ؛ فقد كان الأمر يستدعي تحركا سريعا يواجه الموقف بما يتلاءم ، خاصة وأن
السودان الشقيقة محدودة الإمكانات ، فضلا عن اعتمادها على النوايا التي يفترض أن
تكون حسنة وهي ليست كذلك لدى حزب فرنسا الجزائري ! وبالطبع لا محل هنا للكلام عن
انتهاك سيادة السودان فالانتهاك قد حدث فعلا من جانب الحزب الفرنسي وقواته !
إن الحديث عن السفارة المصرية في الخرطوم ، وإهمالها للجمهور المصري وإغلاق أبوابها
في وجهه، واختفاء السفير حسب ما قيل على الشاشات التلفزيونية ؛ أمر يطرح دور
السفارات المصرية في الخارج ، وسلوكها السلبي الغريب ، الذي يتكرر في أكثر من عاصمة
عربية وعاصمة عالمية ، وما زال بعضنا يذكر موقف السفارة المصرية في بغداد في عهد
صدام يوم أغلقت أبوابها بالجنازير في وجه المصريين وكان الاعتداء عليهم يأخذ طابعا
دمويا ، وتأتي النعوش الطائرة إلى مطار القاهرة يوميا ، والصحفيون المصريون
المقربون من السلطة يمدحون المهيب الركن رحمه الله ، وحراسته للبوابة الشرقية !
وكان قد أغدق عليهم سيارات مرسيدس وهدايا أخرى ؟ الأمر الذي يجعلنا نتساءل : هل
الجبن والهروب والتخاذل وعدم المبالاة خصائص مصرية تاريخية ؟ وهل يتلخص دور
السفارات المصرية في تحصيل العملات الصعبة وشراء السلع الأجنبية وإقامة الحفلات
الدبلوماسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟
لقد رأيت بنفسي قبل عقدين من الزمان سفيرا مصريا في بلد عربي يجري وراء الأمراء
والكبراء ، ويتقرب إليهم بطريقة فجة ساقطة ، وعندما سألت لماذا يفعل ذلك ؟ قيل إنه
ينتظر أن يتم التجديد له في العاصمة نفسها بتزكية أهلها له عند الحكومة المصرية
!هذا السفير نفسه كان يتكلم مع المصريين وبعضهم من النخب العليا بطريقة فظة غليظة
وجافة لا تليق بإنسان فضلا عن دبلوماسي ؟
لا ريب أن حزب فرنسا وجد فرصة ملائمة كي يفعل ما يشاء ، فهناك شعور عام لدي الآخرين
بأن المصري لا قيمة له في بلده ولا خارجه ، المصري يهان في كل مكان على أرض مصر: في
مكاتب الموظفين البيروقرطيين المرتشين ، أمام طوابير الخبز ، عند السفارات التي تقع
على أرضه ، في المستشفيات الحكومية بل الاستثمارية التي تمتص أمواله وعافيته ، في
المواصلات العامة ، في الشوارع ، في أقسام الشرطة ومراكزها ، في الصحافة التي باعت
نفسها للسلطة ورجال القروض والمال الطائفي والعواصم الأجنبية والسيدة سكوبي ،في
المدارس والجامعات والانتخابات التي تنتهي عادة بالتزوير ،في القطارات والعبارات !
... أما في الخارج فحدث ولا حرج : السلطة لا تسأل عن مواطنيها الذين يدفعون الضرائب
، أو هي تعتصرهم ليدفعوا ما يملكون ليستمتع لصوص القرض وينتشون ، ومثلهم الفاسدون
والمرتشون والأبواق التي باعت ضميرها منذ زمان بعيد ، المصريون في الخارج يملأون
السجون ولا يسأل عنهم أحد ، ويتطوع بعض المرتزقة ليقولوا إنهم يخالفون قوانين
البلاد التي يعملون فيها . وعلى فرض صحة ذلك أليس من واجب الدولة أن تسأل وتتابع ،
وتقف إلى جانب المتهم حتى يحصل على محاكمة عادلة ؟ إن المصري لا قيمة له ،ولا
تتذكره السلطة إلا يوم تتورط في المشكلات والمصائب والهزائم .. ولذا يجب ألا نلوم
حزب فرنسا الجزائري ، ولكن نلوم السلطة الفاشلة بكل المقاييس .. أما الجزائر
العربية المسلمة .. جزائر عبد القادر الجزائري ، عبد الحميد بن با ديس ، البشير
الإبراهيمي ، مفدى زكريا ، أحمد بن بيلا ، هواري بومدين ، مالك بن نبي ، الشاذلي بن
جديد ، عباسي مدني ، فهي في القلب ، وتحت رمش العين ، ولتذهب جزائر حزب فرنسا ،
ومثقفو الفرانكفون ، والعسكر اللصوص ، والأبواق الشعوبية إلى الجحيم ، فهم ليسوا
عربا ولا مسلمين ولا بشرا يملكون شرف الانتماء إلى الإنسانية !