عــ 2005ــام مقدمة انهيار العصر الأميركي
عــ 2005ــام مقدمة انهيار العصر الأميركي
م. حسن الحسن
نَسَــجَ عـ 2005 ـام وقائع لافتة تمثل مقدمة لتحولاتٍ في هيكل السياسة الدولية، وأهمها على الإطلاق هو تقهقر المشروع الأميركي عالمياً وتداعياته، حيث اهتز موقع الدولة الأولى عن عرش التفرد في شؤون العالم، وتراجعت أميركا في مستوى فرض إملاءاتها على الدول المنافسة والتابعة لها على حدٍّ سواء.
فأميركا عجزت عن فرض هيمنتها على العراق بالقوة، لذلك انصرفت إلى عقد صفقاتٍ سياسيةٍ مع فئاتٍ فاعلةٍ من المقاومين لاحتلالها البغيض تحت مظلة الجامعة العربية. وكُتِبَ لمدينة الفلوجة الباسلة أن تكون مقام إعلان انسحاب أول الأفواج الأميركية المسلحة من العراق على لسان وزير الدفاع المشؤوم رامسفيلد.
غادرت أميركا أوزبكستان تحت جنح الظلام، كما ابتزتها قيرغزستان بدعم من روسيا، وتقلص نفوذها في لبنان لصالح أوروبا، وفشلت في إبرام تسوية في فلسطين، ولم تتمكن من إتمام مشروعها في السودان، واضطرت لتمديد ولاية مبارك في مصر على مضض، خشية إفلات الأمور من يدها، رغم ايمانها باستنفاذ دوره وعدم أهليته وهرمه. وجاء كلام رايس وزيرة خارجية أميركا من جامعة القاهرة مدوياً: " لقد دعمنا الدكتاتورية في المنطقة 60 سنة لضمان الاستقرار، وكان ذلك على حساب الديمقراطية، ففقدنا الديمقراطية ولم يتحقق الاستقرار".
عصفت الأعاصير بأميركا، وطفا على السطح التمييز العنصري من جديد (أبيض-أسود)، وتعاقبت الفضائح على إدارة بوش وعصابته من المحافظين الجدد: فساد، رشاوى، إفشاء أسرار، تنصت، تعذيب، معتقلات سرية. كما أخفقت محاولاتها العابثة في عملية تجميل صورتها البشعة عبر حملة كسب العقول والقلوب التي أطلقتها، فأميركا التي أنفقت مئات المليارات من الدولارات في تدمير العراق وتحويل أفغانستان إلى مزرعة للمخدرات ونشرت الرعب والقلق في العالم جراء حربها على "الإرهاب"، لم ولن تفلح بضع ملايين في معالجة صورتها الهمجية، فاستمرار نفس سياساتها في القضايا الدولية التي جلبت لها كل تلك الكراهية كفيلٌ بنبذ البشرية لها، ما يجعل من محاولاتها التجميلية هشيماً تذروه الرياح.
وبهذا تكون الولايات المتحدة زعيمة العالم الرأسمالي قد تلقت ضربات موجعة، ليس لكيانها فقط، وإنما لما تمثله من رسالة وقيم تلخص حضارة الغرب بعامة. ومع نظرية نهاية التاريخ، وتصدع الانتصار الموهوم المؤقت للرأسمالية في ظل بروز الإسلام كعامل مناعة لدى الأمة الإسلامية، ومع تقلص خيارات أميركا وانتقال سياساتها من اكتساح العالم إلى كبح جماح تدهورها على الصعيد الدولي والمحلي على سواء، وصلت أميركا إلى حائط مسدود، وبدأ تساؤل مُلِحّ قرْعَ الأذهان عن ماهية الحضارة البديلة وعن الخيارات المطروحة بشأن معالجة أزمات البشرية المتراكمة والمتسارعة.
فبعد أن أخفقت الرأسمالية على الصعيد العالمي وبدأت الديمقراطية تتآكل وتنهش نفسها في مواطنها الأصليّة في ظل ممارسات معيبة و قوانين أقرب إلى شرائع عالم الغابات، فرض الإسلام نفسه على المسرح الفكري والسياسي عالميا، محاولاً اقتناص الفرصة السانحة لترهل أميركا، ليفرض وجوده في أرض الواقع وذلك لما يتمتع به من عمق نظرة تمنح الإنسان رؤية شاملة تعالج تفاصيل شؤون الحياة، فضلاً عن إعطاء أجوبة مستنيرة عن معنى الحياة ذاتها. وهو على النقيض من الحضارة الغربية التي يقول فيها كولن ولسون في كتاب سقوط الحضارة :"أنْظُرُ إلى حضارتنا نَظري إلى شيء رخيص تافه، باعتبار أنها تمثل انحطاط جميع المقاييس العقلية"، كما يقول المؤرخ أرنولد توينبي "إن الحضارة الغربية مصابة بالخواء الروحي الذي يحول الإنسان إلى قزم مشوه يفتقد عناصر الوجود الإنساني فيعيش الحد الأدنى من حياته"، وكذلك قال الكاتب والسياسي الفرنسي أندري مالرو: "حضارتنا هي الأولى في التاريخ التي تجيب على سؤال: ما معنى الحياة؟ بلا أدري!".
ويبقى تفعيل دور الأمة الإسلامية وريادة رسالتها رهناً باستعادتها سلطانها المغتصب من قبل رويبضات الشر وإقامة دولة الخلافة. وفي ظل تزعزع مركز أميركا وبهتان صورتها وانكسار هيبتها وتداعيات ذلك على عملائها في العالم الإسلامي، بتنا نشاهد الأمة أكثر جرأة على التغيير وأقوى عزيمة للانعتاق من التبعية والعبودية. و عاجلاً أم آجلاً سيتهاوى سلطان الخسة والهوان، وستستعيد الأمة آنذاك دورها وستحقق نهضتها لتتسنَّم دورها الأصلي الذي حباها الله به كأمة رسالة للناس أجمعين لا أضحوكة على لسان الطامعين.