د. البوطي يتهم:

د. البوطي يتهم:

"نساء سورية" عملاء!!

بقلم: بسام القاضي

في محاضرته المنشورة على موقعه الشخصي تحت عنوان: "قضية الحريري.. وعلاقتها بمخطط القضاء على الإسلام"، شن د. محمد سعيد البوطي هجوما اتهامياً شاملاَ ضد العاملين في المجال الاجتماعي في سورية، متهما إياهم بالعمالة (للمخطط الصهيوني الأمريكي) لتفتيت سورية!

وإذا كنا سنذكر أدناه بعض المفارقات حول هذا الأمر، فإننا نود القول، وهو قول مدعم بالفعل والوثاق المنشورة على موقع نساء سورية، أننا سعينا أولا لتأكيد براءة الإسلام والمسيحية من إباحة القتل بذريعة الشرف وفق ما تنص عليه المادة 548 من قانون العقوبات السوري، وتصريحات رجال الدين المسلمين والمسيحيين جميعها منشورة على الموقع. وليس في نيتنا أن نخوض في  الدفاع عن نوايانا التي لم يعد هناك أي ستر يغطيها.. فعملنا مكشوف و(مفضوح).. وهو ليس في (ردهات الفنادق) كما أ شار د. البوطي. بل في قاعات مفتوحة لكل الناس. حرصنا حرصا شديدا على أن ندعو إليها جميع الناس من مختلف الآراء. وعلى شاشات التلفزة التي بضمنها الشاشتين السوريتين الأرضية والفضائية، والإذاعة السورية، والصحف المحلية... وبمشاركة من جهات كثيرة في سورية أولاً، نذكر منها على سبيل المثال: موقع "الرأي"، وموقع "الجمعية العامة للعلاقات العامة"، ومجلة شبابلك، وجريدة النور.. وبضمن الرعاة لبعض الندوات العلنية التي أقمناها (ولم نقم بندوات سرية ولا مغلقة أبداً)، اتحاد الطلبة وحزب البعث العربي الاشتراكي..

وليس في نطاق علمي أن هؤلاء جميعاً، خاصة الأخيرين، قد اندرجوا في المخطط (الصهيوني الأميريكي)! كما لا أعرف إن كانت جهات مختلفة، وأشخاص اعتباريون وعاديون كثر، يمكنكم معرفتهم من تصفح الأسماء الموقعة على الوثيقة الوطنية، وبينهم محامون وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسون ومدرسون ومحامون وفنانون وإعلاميون.... لا أعرف إن كان هؤلاء جميعاً يختبئون في (حصان طروادة) للمخطط ذاته. أم لعلنا قد خدعناهم خديعة كبرى!!

لذلك، سيكون ردنا على هذه الاتهامات مختلفا بعض الشيء. وهو عبارة عن بعض الأسئلة التي يشرفنا أن يقوم د. البوطي بالرد عليها، وعلى صفحات موقع "نساء سورية" بالذات.

وأود الإشارة، في هذا السياق، إلى أنها ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها د. البوطي كل نشاط يتعلق بحقوق المرأة في سورية. فقد سبق له ذلك في مناسبات عدة منها إحدى خطبه التي كان عنوانها: (الحديث عن المرأة وقانون الأحوال الشخصية، هل هو ضرورة أم إثارة لفتنة داخلية؟). ورغم أن الخطبة المذكورة قالت صراحة أن أي نقاش أو تناول لقضايا المرأة، معبرا عن ذلك بقانون الأحوال الشخصية، هو إثارة للفتنة، إلا أننا عددنا ذلك حوارا مهما تضمن من آراء يعرف د. البوطي أن علماء ودكاترة ومدرسين وشيوخ إسلاميين لا يوافقوه الرأي عليها، ومهما تضمن من اتهامات.. إلا أن الجديد في ما نرد عليه الآن، هو أن يطور د. البوطي اتهاماته لتصير عمالة موضوعية للمخطط الصهيوني الأمريكي، ننفذ نحن (شقه الداخلي)!

أسئلة مفتوحة:

*- كما في الكثير من الحالات، تجاهل معارضون لهذه الحملة يستندون في معارضتهم إلى فهمهم للإسلام، الآراء المنشورة لرجال دين مسلمين! ولم يقدموا أي رد عليها! فلا أحد ناقش ما طرحه د. أحمد حسون، مفتي الجمهورية، لا في طلبه الصريح بإلغاء المادة، ولا في برهانه الشرعي على تناقضها مع الإسلام (اقرأ التصريح). وكذلك الأمر مع د. محمد حبش، رئيس مركز الدراسات الإسلامية، وعضو مجلس الشعب، الذي أكد أن هذه المادة تخالف الإسلام أربع مخالفات ثلاث منها من الكبائر (اقرأ المداخلة). وطبعاً لم يجر الرد على أي رأي أبداه رجل دين إسلامي أو مسيحي معارض لهذا القتل ولإعفاء صاحبه من العقوبة. ويبدو لي أن هذا الموقف غير مفسر إذا اكتفينا بالنوايا الطيبة. رغم أن المعارضين جميعا الذين أرسلوا آراءهم إلى موقع "نساء سورية" وساهموا في إغناء هذا الحوار الجاد، والوطني مهما تم التشكيك به، مؤكدين بموقفهم هذا أن الأديان السماوية إنما هي أديان حوار لا أديان قمع وإقصاء، لم يقدموا أي برهان شرعي على أن هذه المادة التي دخلت إلينا من قانون فرنسي ألغاها هو ذاته، لم يقدموا لنا أي برهان شرعي على أن هذه المادة توافق الشريعة الإسلامية من أي باب.

وها نحن نوجه دعوة صريحة للدكتور البوطي أن يقول لنا إن كانت هذه المادة تتفق مع الإسلام، أم تتعارض معه، ويحاجج ما قاله الدكاترة الآخرون في تناقضها مع الشريعة الإسلامية.

*- وإذا كان النقاش في قضايانا الحياتية هو (إثارة للفتنة وشق للصف)، فلماذا لا يتقيد د. البوطي ذاته بهذا الأمر؟! أليس هو واحد من أوائل الذين (شقوا) الصف بفتاوي أثارت الكثير من النقاش واللغط،ولم تفتقد من يتهمها ويتهم صاحبها بأنه (...)؟! أليس في توقفه عن اجتهاده وفتاويه التي لا تحظى بالإجماع التزاماً عملياً بما يدعونا إليه؟! وأليس في استمراره بنشر الآراء الإشكالية، والفتاوي المختلف عليها، (تمزيقا( لتلك الوحدة الوطنية، وأيضا وفق ما يتهمنا به؟!

ونحن لا نأخذ على د. البوطي اجتهاداته وفتاويه التي نتابعها ونهتم بها اهتماماً جيداً. ولا نعدها تدميراً للوحدة الوطنية ولا تفتيتاً للإسلام (من داخله). بل نأخذ بما قاله د. البوطي في محاضرته (الاجتهادُ في الشَّريعة الإِسلامية) التي يفتتحها بقوله: (إذا كان الاجتهاد، بذلَ الجهد لمعرفة حكم الله عز وجل في أمر ما، طبق ضوابطه وأصوله المعروفة، فالاجتهاد ينبغي إذن أن يكون عدّة كل مسلم ورفيقه في تعامله مع الله عز وجل من خلال تنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه.) قبل أن يكمل في شرح حكمه، شرائطه، حجيته، أقسامه، آثاره.. ويؤكد أن (الاجتهاد في فهم أحكام الدين فريضة كالجهاد، ولكنه فرض كفائي يكفي في القيام به نفر من الناس، بشرط أن يكونوا من الكثرة بحيث يشكلون مرجعاً كافياً لعامة الناس، فيما قد يستشكلونه أو يسألون عنه).. فإذا كان هذا هو الحال في فهم أحكام الدين، فكيف هو في شؤون دنيانا؟!

ثم، كيف يمكن للدكتور البوطي أن يقول (إذن، فتجديد الدين مشروع ومأمور به‏.‏ وهي واحدة من المهام التي يجند الله لها العلماء الربانيين، بعد أن ختمت الرسالات ببعثة خاتم الرسل والأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام‏- الإسلام  بين التجديد المطلوب والتبديل المرفوض) وهو يعرف كم من المسلمين لا يوافقه الرأي في هذا؟! وهم أشهر من أن نذكرهم في كل بلاد المسلمين؟!

وكيف يفسر، في إطار منع (الشقاق) الذي يتهمنا بالعمل عليه ضمن تنفيذنا (للشق الداخلي) من المخطط الصهيوني الأمريكي، فتواه التي تتضمن (عمري 17 عاماً‏،‏ وأود أن أعرف هل عملية تجميل الأنف حرام؟. إذا كان الوضع الحالي للأنف وضعاً مشوهاً بنظر الطبيب المختص جاز إجراء عملية تجميل أو تقويم له. أما إن كان وضعه طبيعياً لا تشوه فيه‏،‏ فإجراء أي عملية فيه غير جائز‏،‏ لأنه داخل في معنى ‏(‏‏(‏تغيير خلق الله‏)‏‏)‏.) وهو يعرف أن الكثير الكثير من المسلمين يعتقدون أن أي تغيير في شكل الإنسان (وبعضهم يضم إلى ذلك تشذيب الحواجب مثلاً) يساوي "تغيير خلق الله")؟! وغير ذلك الكثير الكثير مما يعرفه القاصي والداني، ومما أثار على د. البوطي حملة لم تكن سهلة ذات يوم. ولا يفتقد الآن من يهاجمه للأسباب ذاتها التي يتهمنا بها؟!

*- الحملة التي قام بها نساء سورية تتعلق بالإعفاء المسبق من العقوبة الذي تنص عليه المادة 548 من قانون العقوبات السوري. وفي هذا السياق ننشر هنا فتوى للدكتور البوطي منشورة على موقعه. نص الفتوى: (السؤال: إني اقترفت الزنى مع بنت خالي، وإني نادم جداً وأريد طريقة يغفر الله فيها ذنبي، مهما كانت، وهل يطبق علي حكم الجلد؟

الجواب: هذه المعصية كبيرة‏،‏ وكفارتها هي التوبة الصادقة. وأما الحدّ فلا يشرع ولا يجب إلا عند إقرارك بذلك أمام القضاء أو وجود أربعة شهود على الزنا.

والشريعة الإسلامية تأمرك بالستر وتنهاك عن فضح نفسك‏،‏ وتأمرك بدلاً عن ذلك بالتوبة الصادقة النصوح.)!

فهل يقول لنا د. البوطي أنه على هذا الرجل الذي زنا بابنة خاله أن يلتزم أن (لا يشرع الحد ولا يجب إلا عند إقرارك بذلك أمام القضاء أو وجود أربعة شهود على الزنا، والشريعة الإسلامية تأمرك بالستر وتنهاك عن فضح نفسك)، يعني تنهاك عن (الإقرار أمام القاضي)!!، ثم سيقول أن الشريعة الإسلامية (تأمر) أن يعفى زوج (ابنة الخال) تلك إذا (فاجأها) وقتلها؟! فكيف يستوي هذا؟! ليشرح لنا د. البوطي ذلك!

*- والذي يطلع على فتاوي د. البوطي، وخطبه ودراساته، يجد من العجب العجاب أن يكون هو الإنسان ذاته الذي تصدر عنه تلك الاتهامات التي وجهها في مقالته أدناه!

ومرة أخرى، وبدون أي لبس، لو كان يمكن أن تنالنا اتهاماته بشيء من الصحة، لكان الأولى أن تنطبق على د. البوطي ذاته، الذي يعرف جيدا كم أثارت آراؤه وفتاويه من نقاش! وما تزال فئات واسعة لها رأي بأفكاره لا يستسيغه! فهل يحق لنا، أو لغيرنا، أن نتهمه بما اتهمنا به؟

*- مرة أخرى، وأخيرة هذه المرة، سنقول علناً إننا لسنا من المدهوشين بما هو في أمريكا أو في أوروبا. ولسنا ننوي أن ننقل واقعهم إلى واقعنا، ولا مجتمعهم إلى مجتمعنا. وإنما لا نغفل العين عما أنجزته البشرية، في بلدان مختلفة بعضها في الشرق وبعضها في الغرب، وبعضها في الشمال وبعضها في الجنوب.. ويهمنا أن نستفيد من أية خطوة جيدة أيا كان مصدرها.. وكذلك الأمر، فإن المتابعين لعملنا على صفحات "نساء سورية" يجد أننا مهتمون جدياً أيضا بإبراز مشاكل تلك البلدان، وسبق أن وقفنا مع دعوة د. حبش التي أطلقها في نقاش حول اتفاقية حقوق الطفل، وطالب فيها أن يكون جزء من حقوق الطفل هو حقه أن يعيش في أسرة صحيحة ومنسجمة، طالب أن يكون من حقوق الطفل (الآباء العابثين الذين يتسببون في إنجاب الأطفال في ظروف غير شرعية، حيث يتم الحمل والإنجاب بمعرفة القوانين دون أن يكون هناك رباط شرعي يلزم الوالدين بتحمل مسؤولياتهما حينما يدلف الطفل إلى النور).. كما أن الأمثلة الإيجابية التي نستمدها من بلدان إسلامية أكثر من أن نبحث عنها.

وما هذه المقولة التي تجري على ألسنة كثيرة سوى تعبير صارخ عن ضعف الحجة. والبرهان الساطع على ذلك أنهم لا يتذكرون هذه التهمة في كل مرة يكون هناك حجج للرد على هذا الرأي أو ذاك.

على كل حال، نعيد هنا تأكيد ما قلناه دائما وعلنا، ولسنا نخجل منه ولا نستعيب: لا يمكن لأحد أن يستغل ثغرة غير موجودة. وإذا كانت إثارة مشكلة القتل بحجة الشرف، أو غيرها من القضايا، يمكن أن تستغل من (جهة خارجية) فذلك لأن هذا الجريمة، وليس عملنا تصحيح هذا الوضع، هي ما يفتح ثغرة. تماما كما أن الذين (بالأمس.. تقنّع هؤلاء الناس بلحى الإسلام الطويلة وجلابيبه القصيرة، وأوغلوا فساداً على أرض الجزائر المسلمة فذبحوا الأطفال وقتلوا الشيوخ والنساء وهتكوا الأعراض، مصرّين على أن يلصقوا إجرامهم بعدالة الإسلام، وأن يلطخوا بقذارتهم طهر الإسلام.. ثم لم يكفكفوا جماحهم حتى اطمأنوا إلى أن قدراً كبيراً من نصاعة القيم الإسلامية قد غاض عن بصائر كثير من الناس هناك، وأنّ إقباله مُني بالتراجع، وأن الآمال المعلقة عليه قد تقطعت أو اهتزت حبالها.- أقنعة إسلامية تراهن على خنق الإسلام والقضاء عليه- كلمة الشهر- آذار 2004) هم الذين يفتحون تلك الثغرة! لا الذين يقولون أن (إن الإسلام لأسمى من هذا المنال المهين، وإن بصائر المسلمين الصادقين في إسلامهم، والدراية التي تتمتع بها المجتمعات الغربية، ذات النظرة الموضوعية إلى الأحداث لتلتقيان على معرفة راسخة بأن الإسلام الذي تنزل به كتاب الله عز وجل وبعث به محمد عليه الصلاة والسلام، بريء من هذا الإجرام الذي تدور رحاه باسمه، وأنه يدعو إلى النقيض مما يفعله أصحاب هذه الأقنعة الإسلامية الكاذبة.- المرجع ذاته)!!

وأيضاً نؤكد ما قلناه دائما وعلنا، ولسنا نخجل منه ولا نستعيب: هذا مجتعنا جميعاً. وليس لأحد حق مصادرة النقاش بقضاياه التي نعيشها. وعلى الجميع، وبضمنهم د. البوطي، أن لا يتجاهلوا ما نعيشه من مشاكل ونواقص لحساب شعارات براقة لن تحسن من حالنا! هذا إذا كانت قد حسنت منه يوماً! ود. البوطي لا يتجاهلها، لكن الغريب أنه يطالبنا بأن نتجاهلها!

وأيضاً، لا يعنينا بشيء اتهامنا بتلك الاتهامات الباطلة، لمجرد أن هذه الجهة أو تلك، هذه المنظمة أو تلك، تقول ما نقول..

ولنا أن نتساءل سؤالاً أخيراً: لماذا لم يتوقف الاجتهاد الإسلامي، بله النقاش الواسع والمفتوح في كل قضايا الدين والدنيا، طوال القرون الهجرية الأربعة الأولى التي كانت فيها الجيوش إما متقدمة تفتح بلاداً بعد بلاد، وبمقاومة كانت ضارية في بعض الحالات، أو واقفة على حدود كان الأعداء يتربصون بها دون أن يترددوا عن محاولة استغلال أية ظرف يرونه مؤاتياً؟! وجل مصادر تراثنا الديني والاجتماعي، الأخلاقي والسياسي والأدبي، مصدرها تلك القرون التي لم تهنأ بأيام طوال من السلم؟!

 بانتظار الجواب، نقتطف هنا الفقرات التي تناول فيها د. محمد سعيد رمضان البوطي العمل المجتمعي الذي تقوم به جهات مدنية أهلية في سورية، وذلك في سياق مادة كاملة تتعرض لوضع سورية الحالي بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. ويمكنكم قراءة المادة كاملة على موقع د. البوطي، على الرابط التالي:

(مقتطفات من محاضرة د. محمد سعيد رمضان البوطي، بعنوان: "قضية الحريري.. وعلاقتها بمخطط القضاء على الإسلام"- كلمة الشهر- كانون الأول 2005)

(.........)

أنا لا أبرّئ متهماً ولا أتهم بريئاً، وليس لي شأن في ذلك، وأنا لا أعلم الغيب أبداً، ولست معنياً بالأبعاد السياسية في هذا الموضوع، لكنني أقول: نظراً إلى أن سورية بواقعها الحالي، وسياستها الخارجية التي تعرفون تشكل الدهليز الأول المليء بالتضاريس والعقبات، الواقع أن سورية لو كانت بريئة براءة الذئب من دم يوسف لسوف تصبح غداً مجرَّمة مادامت سياستها بهذا الشكل. فإذا ركعت واستسلمت لأربعة أمور مطلوبة منها، معروفة هذه، فلسوف تصبح بريئة، ولو كانت ضالعة بكل أفرادها من الرأس إلى القدم في هذه الجريمة قولاً واحداً لاشك في ذلك ولا ريب.

لعلنا نتساءل: هذا الواقع لماذا لا يجلجل به العالم العربي؟ لماذا لا نفضح المقاصد الأمريكية والصهيونية لهذا؟

الجواب عن ذلك:

أولاً: هي مفضوحة، كل من يتدبر الأمور يعرفها.

لكن هنالك شيء آخر: هنالك مشكلة في عالمنا العربي والإسلامي تتمثل في ضعف الوازع الديني، لا يوجد سبب غير هذا السبب، يوجد شيء اسمه (ضعف الوازع الديني). ضعف الوازع الديني إذا هيمن تصبح المصالح الخاصة هي البديل عن الوازع الديني. المصالح الخاصة شعارها: (نفسي نفسي). لكن الذي يقول: (نفسي نفسي) اليوم، يضحي بنفسه غداً، الذي يقول: (نفسي نفسي) اليوم، لا يستطيع أن ينظر إلى مسافة بعيدة، والدين الإسلامي ما مزيته؟ مزيته أنه يحميك ويحمي أمتك، الدين الإسلامي مزيته أنه يحميك من خلال حمايته للأمة كلها. ولذا فما أيسر أن تجد الأبواق الناطقة بلغات المستعمرين المحتلين وهي تتكلم اللغة العربية كما سمعتم اليوم. كثير من الفضائيات تتكلم اللغة العربية ولكنها تسبح بحمد المستعمر، تسبح بحمد المحتل، نعم، بدلاً من أن تسبح بحمد مولاها وخالقها.

هذه هي المشكلة أيها الإخوة، ما الحل؟

الآن عرفنا هذه المشكلة فيما يتعلق ببعدها الإسلامي، وكما قلت لكم: نحن الذين نملك أن نقول البعد الإسلامي، ربما غيرنا يتحرج لسبب ما، ربما يتهم بالإرهاب مثلاً. نعم، لأن الإسلام هو الإرهاب الآن، والحديث في هذا طويل الذيل، سنتكلم عنه في وقت آخر إن شاء الله.

ما الواجب الذي يحملنا ديننا إياه أمام هذه المعضلة؟

نحن أمة - أيها الإخوة - نحن الآن في هذه البلدة نمثل الشعب السوري، ومعنى ذلك أن مهمتنا ينبغي أن تنسجم مع كينونتنا نحن كشعب نعيش في هذه الأرض.

ما الواجب الذي يحملنا ديننا إياه الإسلام، والذي نستطيع أن نقوم به؟

لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

الواجب الذي يحملنا إياه الإسلام أن تزداد هذه الأمة تضامناً، وأن تزداد هذه الأمة وحدة وتآلفاً، وذلك بأن تتساقط عوامل الاختلاف، عوامل التجزؤ، عوامل الشقاق، مما بين فئاتها، ومما بين منظماتها الشعبية.

نعم، هذا هو الواجب الذي يحملنا الإسلام إياه، وفي مثل هذا المنعطف الخطير يذكرنا الله عز وجل بقوله: {وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 8/46] بذكر الله بقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [آل ‌عمران: 3/103] يذكرنا بقوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} [آل ‌عمران: 3/105].

ما الدليل على هذا؟

الدليل على هذا - أيها الإخوة - هو أن الغرب الأمريكي والصهيونية العالمية المتمثلة الآن في إسرائيل كلاهما عندما يخططان لهدف مما نتحدث عنه، المخطط يسيّر من جانبين: جانب خارجي وجانب داخلي. دائماً.

الآن هذه المعضلة لها جانب خارجي هو الذي تحدثنا عنه الآن، هذا الذي يجري من حولنا، هذه الدائرة التي تُضيَّق شيئاً فشيئاً علينا، هذا شيء خارجي، لكن هذا الوضع الخارجي لا يمكن أن يجدي، ولا يمكن أن ينجح إلا إذا كان معه خط آخر داخلي. ما هو الخط الآخر الداخلي؟ تمزيق نسيج وحدة الأمة، تمزيق نسيج وحدة الأمة، هذا مع ذاك دائماً يتم، لا تمزيق النسيج وجده يكفي، ولا الخطة الخارجية التي ترسم والتي تحدثنا عنها تكفي. ولذلك أنتم تلاحظون الآن، ولعكم تعجبون، في هذا المنعطف الخطير الذي نمر به أو يمر بنا ننظر فنجد أن نشاطات مريبة وغريبة لم تكن موجودة بالأمس ظهرت اليوم، تفور فوراناً عجيباً، جمعيات ما كانت موجودة، أسماء جديدة: جمعية المبادرة الاجتماعية، نساء سوريات، أفراد ينشطون ويتداعون إلى ندوات في ردهات فنادق هنا وهناك، عجيب! ما الخبر؟! أين كان هذا النشاط قبل عام أو عامين؟! أبداً..