حركة داعش وتطبيق التعاليم التوراتية 3

حركة داعش وتطبيق التعاليم التوراتية

(الحلقة الثالثة)

د. حسين سرمك حسن

# مدخل ضروري مُكرّر في بداية كل حلقة للضرورة :

حينما يُقتل شخص في حيّ من الأحياء بمدينة ما ، فإن الشرطة لا تقوم باعتقال كل سكّان المنطقة للتحقيق معهم . هذا غباء وإجراء غير علمي ولا عمليّ . هناك قاعدة جنائية بسيطة هي "البحث عن المستفيد" من الجريمة ؛ أي المستفيد من مقتل هذا الشخص . فمن المستفيد من نشاطات حركة داعش التدميرية ؟ من هي الدولة التي لم تتضرّر أبداً في الشرق الأوسط ؟ من هي الدولة التي تصب في مصلحتها كل نتائج السلوك التدميري والتخريبي الشامل والعنيف لحركة داعش في منطقة الشرق الأوسط ؟

والجواب هو إن هذا الطرف المُستفيد والوحيد هو الكيان الصهيوني اللقيط الذي لم يتضرّر أبداً من اي نشاط لحركة داعش .

ولمعرفة طبيعة الصلة بين المنفّذ والمستفيد ، يثور سؤال مكمّل : أين نجد جذور "طريقة" و "أسلوب" قتل ذلك الشخص ؟ إذا كان قتل ذلك الشخص قد تمّ بطريقة لا تمت لكل ميراث سكان الحيّ (المنطقة) في تصفية نزاعاتهم الشخصية وفي حل الخلافات والصراعات وتنفيذ الأفكار ، فعلينا أن نبحث عن "مصدر" هذه "الطريقة" وهذا "الأسلوب" .. أي مصدر الأفكار التي يحملها هذا المنفّذ الجديد في مكان آخر. فكل ما تقوم به داعش لا يمت بصلة على الإطلاق بكل تاريخ سكان (الحي) المنطقة وموروثهم الذي هو إسلامي في أكثريته . ولكن الفحص الدقيق والتأمّل التاريخي والفكري يكشف تطابقاً غريباً بين التعاليم التوراتية لليهود والتي تعتمدها الدولة الصهيونية وممارساتها منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى اليوم (وآخرها حرب غزة الأخيرة) وبين أفكار حركة داعش وسلوكياتها . لو راجعنا التوراة (وأؤكد هي ليست توراة الله عزّ وجل التي أُنزلت على موسى "ع" بل توراة كهّان القبائل اليهودية الهمجية المتوحّشة التي وُضعت بعد وفاة موسى وضياع توراته لأسباب نفسية تعويضية واسباب سياسية في السيطرة على شعوب المنطقة وطردها من أراضيها) لوجدت أنّها الأفكار الاساسية التي تنادي بها داعش ، ولا علاقة لها ابداً بالقرآن الكريم – دستور الإسلام – وفكر وسلوك نبيّه محمد "ص" الذي يحكم تفكير وسلوك سكان المنطقة . إنّ التشابه بل التطابق بين افكار داعش والتعاليم التوراتية تصل حدّ التلاقي في التفاصيل الجزئية . إن أفكار داعش ليست من إله محمّد ، بل من "يهوه" إله اليهود البدوي المتجهّم العنيف الذي لا يرحم . إله اليهود يأمر أنبياءه وعبّاده بأن يفنوا كل شيء .. نعم .. يفنوا كل شيء في المدينة التي يدخلونها . يحرقوا الزرع والضرع .. يسبوا النساء .. يذبحوا الأطفال .. يقطعوا رؤوس الرجال .. يبقروا بطون الحوامل .. يهدموا البيوت .. ويسلبوا الأموال . وتهديم المراقد مُتضمن في هذه التعاليم لأنها تحرّم كلّ تصوير وتجسيم وتمثيل بالرغم – وهذا من تناقضات التوراة – من أنها تعود في مواضع أخرى لتعلّم الإنسان أصول النحت والتصوير !! وهذه التناقضات عادية في التوراة فهي كتاب الأخطاء (في التوراة 20000 عشرون ألف خطأ !!!) ، وهي أيضاً كتاب السخافات والشعوذات والقتل والإغتيالات والزنا بالمحارم . وعلى ذكر الإغتيال فالتوراة هو الكتاب "السماوي" الوحيد الذي يدعو للإغتيال ويعرض النماذج التطبيقية له .. وعلى يد من ؟ على يد أنبياء كما سنرى ذلك في الحلقات المقبلة !!

الحلقة الثالثة ::

-- ------------

إنّ من يتابع سلوك حركة داعش في أفعالها العمليّة وتصريحات قادتها ، وفي علاقاتها بالحركات الأخرى ، وفي تعاملها مع الناس من خلال إدارتها للمناطق التي تحتلها ، يشعر شعوراً مباشراً وشديداً بهذه "النرجسية" الطافحة الماحقة حيث تضع الحركة نفسها فوق كل اعتبار وفوق كل منطق ، متعالية على أي قانون غير قانونها الخاص . إنّها حركة لا تعترف بأي آخر ولا تقيم وزناً إلّا لنفسها . إنها حركة "ضربت" على سمعها وبصرها بنفسها ، فصارت لا ترى إلّا ذاتها في مرآة ذاتها ، ولا تسمع غير خطابها .

وتتجلى هذه النرجسية المرضية التي لا يحدّها حدّ ، أيضاً ، في حجم وسعة "الدور" الذي منحته هذه الحركة لنفسها ، فهو دور كوني ما ورائي وبلا حدود ، كما أنّه مطبوع بسمات "الإنقاذ" و"التخليص" ، فالبشرية لن تجد حلّاً إلّا على يديها ، ووفق أفكارها و "آيديولوجيتها الدينية" . وهي حركة ترفض اي نقاش أو حوار حول هذا الدور وسعته وحجمه ، وتعتبر التساؤل عن ضرورته من المحرّمات التي توصل من يطلقها إلى الموت وحلول نقمة الله عليه .

ومثل هذه الحركة تشير ببساطة إلى مفهوم "الحلولية" ، فكل ما تقوم به يشير إلى إحساس قوي بأن الله وإرادته قد "حلّ" في هذه الحركة . ومن المعروف أنّ التاريخ البشري شهد ظاهرة "شبه طبيعية" تتمثل في أنّ أغلب الشعوب كانت تنسب إلى نفسها دوراً حلولياً فهو موقف نفسي دفاعي يعزّز قدرتها على الإنجاز والعيش في عالم متناحر جائر . لكن مع نمو المجتمع الإنساني وانتعاش سيطرة العقل البشري واستقلاليته وتصاعد النظريات الإنسانية والدعوة للمساواة وغيرها من العوامل صار من الصعب أن تظهر دعوة "صارخة" للحلولية . ولكن هناك استثنائين : الأول هو الإستعمار الأوروبي – وما تبعه من سلوك أمريكي تجلى في المهمة الإلهية للحرب على العراق التي رفعها بوش – الذي تغطّى بمهمة الرجل الأبيض ذات الجذر الديني ، والثاني هو اليهودية التوراتية التي تنادي بأسطورة "شعب الله المختار" .

ولو راجعت الأسس والدوافع والمظاهر لهذه الأسطورة "أسطورة شعب الله المختار" ، لوجدت تماثلاً كبيراً بين سلوك حركة داعش والدعوة التوراتية الغريبة التي سخر منها "سجموند فرويد" حين أعلن عن دهشته من إله يخلق شعوباً ثم "يختار" واحداً منها .

 ومصطلح «الشعب المختار» - حسب موسوعة الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري - ترجمة للعبارة العبرية «هاعم هنفحار»، ويوجد معنى الاختيار في عبارة مثل «عم سيجولاه»، أو «عم نيحلاه» أي «الشعب الكنز». وإيمان بعض اليهود بأنهم شعب مختار مقولة أساسية في النسق الديني اليهودي، وتعبير آخر عن الطبقة الحلولية التي تشكلت داخل التركيب اليهودي وتراكمت فيه.

والثالوث الحلولي مُكوَّن من الإله والأرض والشعب، فيحل الإله في الأرض، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح شعباً مختاراً، ومقدَّساً وأزلياً (وهذه بعض سمات الإله). ولهذا السبب، يُشار إلى الشعب اليهودي بأنه «عم قادوش»، أي «الشعب المقدَّس» و«عم عولام» أي «الشعب الأزلي»، و«عم نيتسح»، أي "الشعب الأبدي".

وقد جاء في سفر التثنية (14/2) :

"لأنك شعب مقدَّس للرب إلهك. وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض".

والفكرة نفسها تتواتر في سفر اللاويين (20/24، 26):

"أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم من الشعوب... وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميَّزتكـم من الشعـوب لتكونوا لي".

وقد يندهش السيّد القارىء حين يعتقد أن مقاتلي داعش وهم بهذه المظاهر المزرية التي توحي بإهمال الذات ، وبالمستويات الاجتماعية الهزيلة ، والمستويات الثقافية الضحلة ، يعتقدون أنّهم "مُختارون" من الله وأنّ مستقبل الأرض مرهون بأفعالهم .

ولكن هذا هو الشرط الأهم ، وهو "الدماغ المغسول" ، وانحصار الوعي ودورانه حول اختيار واحد منتفخ يداري المشاعر النفسية المُنجرحة لدى الشباب العرب المهملين والمحطّمين من قبل حكوماتهم الحقيرة ومجتمعاتهم الرثّة . الكل باحثون عن دور . علينا أن لا ننسى العوامل الذاتية في نشأة الحركات المتطرفة مثلما نؤكد على الدور الأمريكي الغربي الصهيوني . وحين تراجع أسطورة "شعب الله المختار" التوراتية سوف تندهش بل وتُصدم حين تجد أن الله – حاشاه – يترك الشعوب المتطوّرة التي كانت قائمة آنذاك من سومريين وبابليين وكنعانيين وفراعنة عظماء ويختار مجموعة من البدو الهمج المتوحّشين الحفاة !! والعجيب أن الإله التوراتي – حاشا الله – يلهث وراء هؤلاء الحفاة يتوسّل بهم ويعطيهم العهود والمواثيق بمنحهم أرض كنعان (فلسطين) الأرض التي يجري فيها العسل واللبن كما تقول التوراة ، والمصيبة أنّهم – هؤلاء البدو الحفاة – كلّما ارتدّوا عن طاعته وعادوا إلى عبادة آلهة المنطقة الوثنية عاقبهم "الله" ثم سارع إلى ترضيتهم ومغازلتهم ومنجهم العهود والمواثيق من جديد . ولماذا يتوسّل بهم "الله" ويعطيهم الوعود ؟ .. لا نعلم . فلا توجد لديهم أي سمة مميزة على الشعوب العظيمة التي كانت قائمة آنذاك . بالعكس فالآباء الأوائل التوراتيون كانوا قتلة دمويين ولصوصاً وكذّابين ويزنون بمحارمهم باعتراف التوراة نفسه . أي أن اليهودي مثل الداعشي ينادي بأن الله اختاره لإنقاذ البشرية وتحقيق رسالته من دون أن تكون لديه ايّة "مؤهلّات" لذلك ، بل بالعكس هو منحطّ ولا أخلاقي ودموي عنيف . وليس مستبعداً أبداً - وفق نظرية المؤامرة التي أؤمن بوجودها بقوّة - أن تكون سطوة داعش الإنفجارية هي "سيناريو" تمهيدي يهيّْ شعوب المنطقة لقبول دولة يهودية في الكيان الصهيوني اللقيط دستورها التوراة الذي يقوم على أطروحة مركزية هي "شعب الله المختار" ، شعب قذر عدواني دموي يذبح ويقتل شعوب المنطقة باستهتار وبلا رحمة منذ مئات السنين . كما أنّه يهيّء المنطقة لتقبّل حالة "العنف اللاعقلاني الكاسح" :

(هوذا شعب يقوم كلبؤة ويرتفع كأسد . لا ينام حتى يأكل فريسة ويشرب دم قتلى) (سفر العدد - 23 : 24) .

(إن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم اشواكاً في عيونكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها فيكون أني أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم) (سفر العدد – 23 : 55 و56).