من صالة الأفراح إلى السجن
د.خالد الأحمد *
كم أنا مدين لموقع كلنا شركاء الذي نشر يوم (19/12/2005) موضوعاً لسعادة المحامي عمر ابراهيم قندقجي يحفظه الله من شر غـول السلطة في سوريا ، عنوان الموضوع ( الشرطة عندما تهين الشعب ) وخلاصة الموضوع :
(يوم الأربعاء 23/11/20045) الساعة الثانية عشر ليلاً يقف موكب من عشر سيارات عند غشارة المرور ، والموكب يحمل شقيقين ذاهبين إلى حفلة زفافهما على شقيقتين أيضاً في صالة الربيع في طريق الميماس في حمص .
أراد شرطي المرور مخالفة إحدى سيارات الموكب ، وحدثت ملاسنة مع ركابها ، ونفترض جدلاً أن الركاب شتموا الشرطي . ولم يخرج الأمر عن حدود الكلام .
بعد وصول الموكب للصالة بنصف ساعة اتصل فرع المرور يطلب الشخصين اللذين أساءا للشرطي فذهب (ر.ن ) و (ح .م ) ووضعا نفسيهما تحت تصرف مدير الفرع .
بعدها مباشرة وصلت مجموعة مكونة من خمسة وعشرين شرطياً بأسلحتهم واقتحموا صالة العرس بالرغم من تنبيههم أن الصالة لايوجد فيها غير النساء ، بلباس الأفراح ، ولكنهم تجاهلوا ذلك ، واقتحموا الصالة ـ بنجاح ـ ولم تنفع توسلات النساء ولا صراخهن ولا رجاءاتهن ، لم تمنع رجال الشرطة ـ الأبطال ـ من مداهمة العرس مع الكلمات النابية للنساء .
ولما أطفأت عاملة الصالة الأنوار كي يتسـتر النساء قام رجال الشرطة الأبطال بضرب الحارس ضربا مبرحاً واقتادوه مع بعض معاونيه وقيدوهم ورموهم كالنعاج في سيارة الشرطة .
ثم أجبروا عاملة الصالة على إضاءة الصالة .
ودخل الشرطة إلى غرفة العروسين بالقوة ، وكسروا الأثاث فيها ، ثم اقتادوا الشابين العروسين إلى فرع المرور بعد إهانتهما أمام عروسيهما.
وفي الفرع أجبر مدير فرع المرور أحد المواطنيْن اللذين جاءا طوعاً أجبره على الركوع أمامه وضربه وشتمه ثم رماه وزميله في النظارة بدون غطاء ولا وطاء ، ومنع عنهما الماء والطعام واستمر بإيقافهم حتى يوم السبت ، وبعد الوساطة أحيلا إلى القاضي العسكري .
وأثناء المداهمة التي قادها (العقيد ركاد ) سُمع وهو يتصل بسيادة اللواء الذي سمعه الحاضرون وهو يقول للعقيد على اللاسلكي ( ربيهم ... علمهم كيف يتعرضون للشـرطة ) . هذا اللواء صَدم ولده بسيارة الشرطة ـ سيارة والده ـ مواطنا مشلولاً على دراجته ، وتركه ولم يسعفه ، وسُجل الضبط باسم أحد مرافقيه ( كالعادة ) . انتهى النقل من موقع كلنا شركاء .
التعليـــق :
اخترت في البداية عنوان لهذا المقال هو : غـول السلطة في سوريا ، ثم وجدت أن هذا العنوان غامض ، لذلك عدلت عنه إلى العنوان الحالي .
1 ـ أسأل الله عزوجل أن يحفظ موقع كلنا شركاء ، وأن يكثر وسائل الاعلام التي تكشف الحقيقة ، حتى يعرف القارئ كيف يذبح المواطنون السوريون ، وكيف تداس كرامتهم ، وتهان شخصياتهم ... وأسأل الله أن لا تعود سوريا إلى سـجن حوله سور حديدي صامت كما كان عام (1982) حيث استمر القتال عنيفاًً بالدبابات والمدفعية ، ساهمت فيه الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع وعدة ألوية من الجيش ـ العقائدي ـ ، اسـتمر هذا القتال ثلاثة أسـابيع ، تمكن الجيش ـ البطـل ـ يومها من القضاء على (300) مقاتل من الطليعة المقاتلة ، ومن أجل ذلك قضى على (35 ـ 50 ) ألف مواطن بريء معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ . وكنا نتحرق لسماع الأخبار ، ولانسمع سوى راديو عمان يقول : أفاد قادمون من سوريا أن القتال مازالً مستمراً بضراوة في شوارع حماة وأحيائها القديمة ....
ـ وكذلك فتحت وحدات سرايا الدفاع بأمر من رفعت الأسد أسلحتها الرشاشة على السجناء في سجن تدمر ( حزيران 1980) إثر محاولة قام بها عنصر أو أكثر من الحرس الجمهوري لاغتيال الرئيس حافظ الأسد ، وقتلت سرايا الدفاع قرابة ألف من خيرة أبناء سوريا ، جمعوا وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة وحملوا بشاحنات الزيل ودفنوا في اخدود في جبل عويمر قرب تدمر ، وبعضهم مازال حياً ، كما اعترف بذلك الجنديان ( عيس فياض وزميله ) من سرايا الدفاع ، اللذان أرسلا لاغتيال مضر بدران رئيس الوزراء الأردني ، وتم القبض عليهما وتحدثا عن مجزرة تدمر التي شاركا فيها ، تحدثا على التلفزيون الأردني ... وجعل الله ذلك خرقاً للسور الحديدي الصامت الذي أحاط سوريا ذلك الزمن ...
ومن هذا المنطلق قمت بكتابة عدة موضوعات عن المجازر التي قامت بها السلطة ( الغول ) في سوريا ضد المواطنين . ليسمع الناس جزءا بسيطاً من الحقيقة لأن أمريكا التي كانت تراقب المعركة بالقمر الصناعي طلبت من جميع وسائل الاعلام العالمية أن تصمت ولاتذيع شيئا عنها.
2 ـ الغول وحش حقيقي أو خرافي ، وهكذا فقد تحول بعض الجنود والضباط في الجيش والقوات المسلحة والشرطة في سوريا إلى غـول ، يريد أن يأكل المواطنين بدلاً من حمايتهم . وصار ( حاميها حراميها ) .
ـ وتذكرت سوريا في أواخر الخمسينات ، كنت يومها طالباً في الاعدادية ورأيت شرطياً يسأل صاحب مكتبة عن جاره الذي لم يفتح دكانه يومها ، فأجاب أنه لم يفتح اليوم ، فأعاد الشرطي السؤال بإلحاح : ألا تعرف أين هو ؟ عندئذ رفع صاحب المكتبة صوته ، وقال للشرطي : أنت لاتسمع ، قلت لك لم يفتح دكانه اليوم ، ولم يأت هنا ، وأنا لست مسؤولاً عنه ... فماكان من الشرطي سوى أن يعود ولاينبت ببنت شفة .
ـ وتذكرت عام (1973) عندما حاول أفراد دورية الشرطة ضرب صبي في القرية أمام أهله ، بعد أن ضربوه في الحقل ، وأحضروه معهم ليؤدبوا أهل القرية كلهم بـه ، فقام المسؤول البعثي ورفيقاً له بمنع الشرطة من ضرب الصبي ، وحاولوا أن يتحدثوا معهم بلغة المواطنة والقانون ، ولكن الشرطة لم يعتادوا على ذلك ، فرفع المسؤول البعثي ورفيقه صوتهم على الشرطة ، ولما سمع أهل القرية ذلك التفوا حول المسؤول البعثي ورفيقه ، وكادوا يهجمون على الدورية ، وكأنهم شتموا قائد الدورية ... فهربت الدورية عائدة إلى المحافظة ...
وبعد ساعات كانت الكتيبة الثانية ( شرطة ) تحتل القرية ، وتعتقل المسؤول البعثي ورفيقه ، وحيث أني قريب لأحدهما ، بقيت حتى الثانية ليلاً ، بين مكتب فرع حزب البعث ، وقائد شرطة المحافظة ، وبفضل الله ثم جهود أحد الرفاق البعثيين الشرفاء ، أطلق سراحهما في الثانية ليلاً ، واستأجرت لهم سيارة ، تنقلهما إلى القرية في الثالثة صباحاً ..حيث استقبلنا أهل القرية بالزغاريد ، لأنهم لم يكملا الليلة في النظارة ....
طبعاً طلبا للمحاكمة فيما بعد ، وتمت المصالحة بين الطرفين ، ولفت القضية وانتهت على خير ، لصالح الوطن والمواطن ..
ـ وذكرتني هذه الحادثة المؤلمة بالجزائر ، حيث يتقدم الشرطي من سائق السيارة ، فيقدم الشرطي لسائق السيارة تحية عسكرية بكل معنى الكلمة ، ثم يقول له : لوسمحت أعطني أوراق السيارة ورخصة القيادة ، ثم يكتب ضبط المخالفة بهدوء وأدب منقطع النظير ...
هذا في الجزائر التي استقلت بعدنا بعشرين سنة تقريباً ، أو قل التي رزحت تحت الاستعمار قرناً وثلث ....
وكنت ألاحظ أن المواطن إذا أغاظه الشرطي أو أي موظف ، يقول المواطن : ألست جزائرياً !!؟ أو يقول : أنا جزائري ، فينتفض الشرطي أو الموظف خوفاً من هذه الجملة ... وينهي الموقف مع المواطن بسلام ...
تســاؤلات خطيرة :
هذا ما فعله مدير فرع المرور ، وهو حقوقي خريج الجامعة ، فماذا نتوقع من هؤلاء التالية أوصافهم وفقاً لتغول السلطة في سوريا :
1 ـ ماذا نتوقع من مدير فرع الأمن السياسي أن يفعل !!! لو أن مواطناً أخطأ وشتم أحد عناصر الأمن السياسي !!!
2 ـ ماذا نتوقع من مدير فرع المخابرات العسكرية أن يفعل ، وكم دبابة ستصل إلى صالة الأفراح ، لو أن مواطناً شتم جندياً من المخابرات العسكرية !!!
3 ـ ماذا نتوقع من مدير فرع الأمن القومي أن يفعل ، بالمقارنة مع مدير فرع المرور ، لو أن مواطناً شتم عنصراً من عناصر الأمن القومي !!!
4 ـ ماذا نتوقع من مدير كتيبة في الوحدات الخاصة أن يفعل لو أن مواطناً تشاجر مع عسكري من الوحدات الخاصة !!!
5 ـ ماذا نتوقع من قائد كتيبة في الحرس الجمهوري أن يفعل لو أن مواطناً تشاجر مع عسكري من الحرس الجمهوري ، وكم طائرة عمودية ستحلق فوق صالة الأفراح يومئذ .
6 ـ مذا نتوقع من مدير فرع أمن القوى الجوية أن يفعل لو أن مواطناً اختلف مع عنصر من عناصر أمن القوى الجوية ، وكم ( سوخوي ) سوف تحلق فوق صالة الأفراح يومئذ .
وكم أتمنى لو تابع موقع كلنا شركاء ونشر لنا اسم هذا البطل ( مدير فرع المرور ) ، واسم ذلك اللواء الذي يحث العقيد ( ركاد ) على اهانـة المواطنين ، وأهم من ذلك كلـه ، ماذا فعل الكبار المسؤولين عن البلد بعدما سمعوا بهذه القضية ، هذا إن سمعوا بها ، أم كما قال الشـاعر :
إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لاتدري فالمصيبة أعظم
أسأل الله عزوجل أن ينتقم من ( مدير فرع المرور ) الذي قلب العرس إلى مصيبة ، وخطف الشابين العروسين من صالة الأفراح إلى السجن في النظارة ثلاثة أيام بدون غطاء في حمص الباردة جداً . وأسأله تعالى أن يرفع البلاء عن الشعب السوري ، كل بلاء ، وكل طغيان ، طغيان الفراعنة السوريين وطغيان بوش وعصابته من تلاميذ الصهاينة ، والله على كل شيء قدير .
* كاتب سوري في المنفى