معركة الكرامة في دائرة البرلس ... دروس وعبر
معركة الكرامة في دائرة البرلس ... دروس وعبر
محمد مسعد ياقوت- باحث تربوي
بلطيم كفر الشيخ
الحيادية على الطريقة الهزلية :
في دائرة البرلس رأيت بأم عيني كيف يمارس الحزب الحاكم خطته الإصلاحية في ظلال الفكر الجديد على أجنحة الديمقراطية والنزاهة والشفافية .. نعم رأيتُ ذلك في انتخابات المرحلة الثالثة.. ولكن على طريقة الحزب الحاكم صاحب الجماهيرية العريضة والشعبية الجارفة في استخدام طرق البلطجة وسبل الإرهاب وفنون التزوير ومهارات التقفيل ودروب الإغلاق ... كل هذا في رحاب "حيادية" قوات الأمن .. تلك "الحيادية " ـ وهي على طريقة الفكر الجديد أيضاً ـ التي وصلت ذروتها في استخدام الغازات المسيلة للدموع ، ثم ارتقت إلى الرصاص المطاطي، وتقدمت ـ مع عجلة الإصلاح ـ إلى الرصاص الحي .. ضد جماهير البرلس التي ما زالت تجهل ديمقراطية الطريقة المثلى، ولم تعد تعبأ بعصا الإصلاح وهراوات الحرية ودروع النزاهة وترفض أن تتنسم رحيق الغازات المسيلة لدموع الحب ..
أشواك ودروع عند الصندوق :
وعلى أصداء " الحيادية" المزعومة ، يستيقظ المواطن " جمعة الزفتاوي" ـ الصياد البسيط ـ .. في الصباح الباكر ليؤدي واجب الانتخاب والتصويت، فقد علم قول الله تعالى :(وَلاَ تَكْتُمُواْ الشّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة : 283] ، ومن ثم ضحى بقوت هذا اليوم من أجل أداء واجب التصويت .. فيذهب بخطى ثابتة إلى صندوق الانتخاب ليدلي بصوته أمام رمز الكرامة .. لكن المواطن يفاجىء بهذه الجحافل الكثيرة من قوات الشرطة تحول بينه وبين كرمته السليبة .. فينتظر وينتظر وينتظر .. وفي حرارة الشمس يقف، لعل القوات الباسلة أن تسمح له بدخول لجنته الانتخابية .. لاسيما وقد تجمهر شعب البرلس أما اللجان يرددون ويهتفون : افتحوا اللجان .. لا للتزوير لا للتقفيل ..
ويبدو أن هذا الشعب لم يستطع أن يتفهم أسلوب الشرطة في ممارساتها " الحيادية " .. فيتناوش الفريقان .. وتعلو الهتافات .. ومن ثم كان على قوات الشرطة أن تمارس واجبها في تأديب الشعب بوسائل التربية العتيقة ، كتلك الوسيلة الشهيرة التي تُستخدم فيها الهراوات المستوردة خصيصاً من تايوان والسودان لتأديب الشعب المصري في مثل هذه المناسبات ..
وبعد العصي يأتي دور الرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع ..
هنا تبدأ المعركة !
المعركة بين قتل ونهب :
وقد بدأت الملحمة بين شعب البرلس و قوات الأمن .. على ضربات الهراوات والعصي الغليظة على رؤوس الجماهير الغفيرة ، التي صبرت في وقفتها أمام اللجان المغّلقة .. وكان رد فعل الجماهير على ضربات العصي رداً تلقائياً بواسطة الحصيات وقطع الطوب المتناثرة ، فالحجارة دائما سلاح المقاومين والمستضعفين .. ويشتد النضال .. ويتساقط الجرحى من المواطنين بالعشرات، ويُنقل عشرون منهم إلى العناية المركزة..
لكن قوات الأمن الباسلة كانت للشعب بالمرصاد ، فأطلقت قوات الأمن في هذا اليوم عدد من الطلقات لا يقل عن مائة طلقة كلها صوب صدور الموطنين وبيوتهم .. حتى تساقط الأطفال رعباً وهلعاً، وصرخت النساء خوفاً وأسفاً .. وأصيب الكثيرون بالإغماء .. وخيم على المكان أجواء المقاومة وظلال المعارك التي تدور بين الشعب الفلسطيني والجيش الصهيوني .. مع فارق الشكل والهدف .. !! هنا يسقط المواطن " جمعة " شهيداً اثر طلقة أصابته في مقتل، ولفظ أنفاسه الأخيرة بعد نقله إلى المستشفى ...
وانتهت المعركة بانتصار كبير لقوات الأمن الباسلة .. وفي ظل نشوة الانتصار على جماهير البرلس رأيتُ بعيني كيف وصلت نشوة النصر عند قوات الأمن إلى الدرجة التي دفعتهم إلى فسخ باب إحدى محلات البقالة الخاصة بأحد البقالين .. وأخذت قوات الأمن تنهب المحل وتأكل وتفتح زجاجات المياة الغازية والعصائر .. بشراهة البهائم وبحماسة الأسود .. وهكذا فعل الأبطالُ ببقالة عم " أبو العنين" البقال في غيابه ..
وفي نشوة النصر :
سألتُ البقال قائلاً : ما الذي نُهب من دكانك يا حاج أبو العنين ؟
قال ـ في حسرة ـ كميات كبيرة من البسكويت والجبنة والمشروبات ..
قلتُ له : لعل الله أن يجعل ثمن ما نُهب من دكانتك في ميزان حسناتك .. !
قال : عليه العوض ومنه العوض .. !
قلتُ: وحسبنا الله ونعم الوكيل !
في نتائج المعركة :
وهكذا يمضي الحزب الحاكم في مشروعه الإصلاحي في ضوء الفكر الجديد، والذي يهدف بالأساس إلى :
1- ترسيخ مفهوم "العصي الغليظة" و"الهراوات" المستخدمة في الارتقاء بالمستوى الأخلاقي والتأدبي للشعب الثائر .
2- استمرار مسيرة الغاز المسيل الدموع .. من أجل مصلحة الفكر الجديد .
3- إغلاق اللجان التي لا تتفق وسياسة الفكر الجديد .
إسقاط الرموز التي تهدد مصالح الفكر الجديد .. وعلى رأس هذه الرموز رجالات الأخوان والمسلمين والمناضل الشريف.. حمدين صباحي