ماذا بعد
صلاح حميدة
تستعصي الحالة الفلسطينية على الحل، وتتعقد كل يوم، وتزداد تفاصيلها تفرعاً وسيراً نحو المجهول، ويجتهد الكثير من الساسة والمحللين والمفكرين في تفصيل وتوضيح الخلل، ومحاولة الوصول لحل يتم التوافق عليه محلياً أو دولياً، ولكن حتى الآن لا تؤتي كل هذه المحاولات أكلها، بخيرها وشرها، بل تزداد الأمور سوءاً ولا يظهر في الأفق أي نور حسب المعطيات المادية والتفسيرات الواقعية.
المسار السياسي بشكل عام وصل إلى طريق مسدود، وظهرت النوايا الأمريكية بأبشع صورها، وتبددت غمامة التفاؤل بقدوم أوباما، وبان جلده الأبيض، وبقي قلبه الأسود، ووقف الفلسطينيون من شكك بالنوايا الأمريكية ومن توسم فيها خيراً، أمام معضلة مواجهة التنصل الأمريكي من كل تعهداته السابقة للفلسطينيين.
فيما يخص الحصار على قطاع غزة، بقيت الأمور على حالها، بل استشرست الادارة الامريكية في تجنيد كل شيء في العالم لاجهاض أي تداعيات ممكن أن تحدث لمحاكمة مجرمي الحرب الذين اقترفوا المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وزادت وتيرة ضغوطاتها على الفلسطينيين، ورفضت التوافق الداخلي الا من مدخل التنازل عن الحقوق الفلسطينية، تحت لافتة شروط الرباعية.
أما من توسم خيراً في الادارة الامريكية من الفلسطينيين، فقد أعلنوا أنهم يشعرون بأنهم وقعوا في الخديعة الامريكية والرسمية العربية، فقد وضعوا كل بيضهم في سلة خارطة الطريق، وتنصل منهم حتى من وضعها، فقد نفّذ الفلسطينيون أصحاب التسوية، كل ما ورد من التزامات عليهم في خارطة الطريق، وعندما جاء الدور الاسرائيلي في تجميد كافة أشكال الاستيطان، جاء الجواب الأمريكي وبكل صلف، أن الاستيطان لن يتوقف، وأن هذا سيتم حله عندما ترسم الحدود النهائية للدولة الفلسطينية، وهذا يعني تلقائياً لا دولة فلسطينية، وحشر الفلسطينيين في جيتوهات معزولة تعيش على تسوّل رغيف خبزها.
إلى هنا لا يبدو المشهد الفلسطيني والاقليمي والدولي غريباً على المتابعين، ولكن ما يبدو غريباً، هو إصرار فريق التسوية الفلسطيني على جر الفريق الرافض للتسوية إلى مربعه، ورفضه التصالح الداخلي إلا من خلال الرضوخ لشروط الرباعية والالتزام بخارطة الطريق التي لم تنفذ الا من الشق الفلسطيني، وتنصل منها الجميع بعد ذلك؟.
بدا ذلك واضحاً في مؤتمر صحفي لأحد رموز تيار التسوية الفلسطيني، وقد صنف الوضع الحالي تحت عدة عناوين، وهي:-
1- خارطة الطريق نفذ الشق الفلسطيني منها المتعلق بوقف كافة أشكال المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال في الضفة الغربية، ونزع سلاحها وتفكيك تنظيماتها.
2- تنصلت الادارة الامريكية والدولة العبرية والنظام الرسمي العربي من كافة الالتزامات التي يجب أن ينفذوها بناءً على الحرب الفلسطينية على ( الارهاب) حسب البند الأول من خارطة الطريق، ورفضهم وقف الاستيطان، وتم استثناء القدس من الاستيطان ومن المفاوضات، ورفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم التي هجّروا منها.
3- دعا حماس إلى المسارعة لتوقيع الورقة المصرية، التي تأخذ الفلسطينيين جميعاً إلى المربع التسووي المأزوم بالتنصل الامريكي والاسرائيلي والرسمي العربي.
4- اتهم حماس بالحرب على المقاومة وصناديق الاقتراع، وبأنها تريد الدولة المؤقتة التي تريدها إسرائيل، غامزاً بقناة حماس ومواقفها السياسية.
5- اعتبر أن خيار الدولة الواحدة قائم في حال فشلت الحلول الأخرى.
منطق الحديث الحالي لتيار التسوية الفلسطيني، لا يقود إلا إلى تعقيد الوضع الداخلي، فالمنطق يقول أنك عندما تبرم صفقة وينقضها الطرف الثاني فأنت في حل من تعهداتك تجاه هذا الطرف، أما أن تلتزم بكل بنود خارطة الطريق، وتنهي المقاومة في المنطقة التي تسيطر عليها، وتعيب على غيرك الحرب عليها ومنعها من العمل ( في حال تشابهت الصورة)، فهذا فيه تناقض كبير، كما أن واقع الحال يؤكد أن من يتعرض للحرب والحصار بكافة أشكاله هو من تتهمه بالتوافق مع الاسرائيليين؟ فإذا كانت حماس كما تقول، تحارب المقاومة وتتفق سياسياً مع الهدف الاسرائيلي في الدولة المؤقتة، فلماذا تحاصر ؟ ولماذا تحارب؟ وإذا كنت تعيب على حماس أنها تحارب المقاومة، فلماذا تحاربها أنت؟ ولماذا الاصرار على جر حماس الى مربع التسوية وهي باعتراف أهلها لم تجني الا الخراب؟ هل هو من باب المناكفة السياسية؟ وهل الحل بعد الوصول للطريق المسدود أن نتجه نحو تأجيج المناكفات والصراع الداخلي، هروباً للأمام ورفضاً للتفكير المنطقي للخروج جميعاً من هذه الأزمة؟.
فما الذي ستجنيه حماس من الذهاب الى المربع التسووي؟ وجدلاً لو وافقت حماس على الذهاب إلى هذا المربع، ووافقت ونفذت كل ما تم الالتزام به في الضفة الغربية، فما الذي سيجنيه الفلسطينيون من ذلك؟ هل سيعود المستوطنون إلى قطاع غزة تحت حماية من قصفهم بالصواريخ سابقاً؟.
تساؤلات كثيرة، تظهر من الخطاب المتناقض الذي يتم تقديمه للشعب الفلسطيني، والذي يستعصي على الفهم أحياناً، والسؤال الذي يتبادر للذهن في هكذا حالة معقدة ومأزومة، ماذا بعد التمترس خلف مواقف نعلم خطأها مسبقاً، وبالممارسة؟ وهل المناورة في التلويح بحل الدولة الواحدة بشكل منفرد، وبلا اتفاق واجماع فلسطيني يحل الاشكال؟ أم يعمقه؟.
الدعوة اليوم موجهة إلى جميع الفلسطينيين بلا استثناء، لتدارك الحالة والانحدار الذي تؤول إليه القضية الفلسطينية، وأهم ما يمكن أن يحدث حالياً هو أن يجلس الفلسطينيون معاً، بلا وسطاء، ويفكروا في الخروج بحلول خلاقة تخرج الكل الفلسطيني من حفرة أوسلو وخارطة الطريق، وتعيد القضية إلى مسارها الصحيح، أما التفكير والتصرف بشكل إنفرادي فلن يجدي نفعاً، والمناورات الانفرادية في الفراغ، لن تجدي نفعاً، وما هي إلا تضييع للوقت، والتمترس خلف منطق المناكفة والثأرية لن يقود إلى أية حلول، بل سيزيد الوضع تعقيداً، فقد قدم الفلسطينيون كل ما يستطيعون، ولم يأخذوا شيئاً، ولذلك أعتقد أنه حان الوقت ليجلسوا معاً، ويفكروا ويسألوا أنفسهم، ماذا بعد؟.