الأسس الإسلامية لنبذ الطائفية
الأسس الإسلامية لنبذ الطائفية
د.خالد الأحمد
يتهم العلمانيون جماعة الإخوان المسلمين بالطائفية ، وسبب ذلك أن هذه الجماعة إسلامية ، وبالتالي لأنهم يعتبرون الإسلام ـ وكل ديـن ـ لايمكن إلا أن يكون طائفياً ، ويؤسفني أن أقول أن هذا يدل على جهـل من يقول ذلك بالإسلام وتاريخه . ومن أشد الجهل أن تقيس الإسلام على الكنيسة في أوربا ، فالكنيسة الأوربية برأيي لاتمثل أي دين ، لاتمثل المسيحية ، ولاتشبه الإسلام .
أماالإخوان المسلمون فينـذون الطائفيـة ، ليس تكتيكاً ، ولاخوفاً من الناس ، ولكن خوفاً من الله عزوجل ، لأن الإسلام يأمـرهم بنـبذ الطائفية .
أدلـة من القرآن الكريم :
قال تعالى في كتابه الحكيم : { لا إكـراه في الديـن ... } ـ البقرة 256 ـ ويقول سيد قطب يرحمه الله في تفسير هذه الآيـة في الظلال ( 1/ 291) : ( إن حريـة الاعتقاد هي أول حقوق الانسان التي يثبت له بها وصف إنسـان ، فالذي يسلب إنساناً حرية الاعتقاد ، إنما يسلبه إنسانيته ابتداء ، ..... ) ، ( ... والإسلام وهو أرقى تصور للوجود والحياة ، ينادي بأن لا إكراه في الدين ، وهو الذي يـبين لأصحابه قبل سواهم أنـه لايجوز لهم إكراه الناس على هذا الدين ... ) . ( وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان ، واحترام إرادتـه وفكـره ومشاعره ، وترك أمـره لنفسـه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد ، وتحميله تبعـة عملـه وحساب نفسـه ، وهذه هي أخص خصائص التحرر الإنساني ... ) .
ويقول الشيخ سعيد حوى يرحمه الله في الأساس (1/ 600) : ( لاتكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام . فإنـه بين واضح ، جليـة دلائلـه وبراهينه ، لايحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينـة ....) .
فأيـن الذين فرضوا المرسوم (49) لعام (1980) القاضي بإعدام كل منتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين ، أين هؤلاء من منهج الإسلام ، الذي لايكره على الدين ، فكيف يكرهون على المذهب أو الاتجاه السياسي !!!؟؟ وما موقعهم من الإسلام !!!؟؟
ويقول سبحانه وتعالى : { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً ، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } ـ يونس 99 ـ
ويقول سيدقطب يرحمه الله في الظلال ( 3 / 1821) : ( ولو شاء ربك لخلق هذا الجنس البشري خلقة أخرى ، فجعله لايعرف إلا طريقاً واحداً ، هو طريق الإيمان كالملائكة مثلاً ، ..... ولكن حكمة الخالق ... اقتضت خلقة هذا الكائن البشري باستعداد للخير وللشر وللهدى والضلال ، ومنحته القدرة على اختيار هذا الطريق أو ذاك .... فالإيمان إذن متروك للاختيار ، لايكره الرسول عليه أحداً ، لأنه لامجال للإكراه في مشاعر القلب وتوجهات الضمير ....) .
ويقول الشيخ سعيد حوى يرحمه الله في الأساس ( 5/2512) : ( ولو شار بك يامحمد لآمن من في الأرض كلهم جميعاً فيما جئتهم بـه ، ولكن له حكمة فيما يفعله ، ومن حكمته أنه لم يشأ ، وترك المسألة لاختيار الإنسان ... أي ليس ذلك عليك ، ولا إليك ، فلا إكراه في الدين ... ) .
وفي القرآن الكريم قوله تعالى : { لاينهاكم الله عن الذين لم يقانتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين } ـ الممتحنة 8 ـ ويقول سيد قطب يرحمه الله في الظلال ( 6 /3545 ) : ( إن الإسلام دين سلام ، وعقيدة حب ، ونظام يستهدف أن يظل العالم كله بظله ، وأن يقيم فيه منهجه ، وأن يجمع الناس تحت لواء الله أخوة متعارفين متحابين . وليس هناك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله ، فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك ... ) .
وفي الصحيحين أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا فأتيت النبي r فقلت : يارسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أأصلها ؟ قال : نعم صلي أمك .
ويقول الشيخ سعيد حوى في الأساس (10 / 5849 ) : ( فمواطنونا من غير المسلمين إذا لم يدخلوا في صراع معنا أو قتال ، وإذا لم يبذلوا جهداً من أجل إخراجنا من بلادنا فهؤلاء يجوز البـر لهم ، والعدل فيهم ، ... ومن ثم فالعمل الإسلامي المعاصر يجب أن يحدد علاقته ومواقفه من هؤلاء ، ولا بأ س بعقد ميثاق وطني مع الذين لايقاتلون ولا يظاهرون ، ومع الميثاق تكون صلات ومبرات وإقناع وبيان ... وهل يدخل في البـر توظيفهم واستعمالهم وإشراكهم في مجلس شورى القطر ، وإشراكهم في الوزارات والجيش ؟ الذي عليه العمل خلال العصور هو هذا مع اشتراط أن يكون السلطان للمسلمين ، والسيطرة لهم ، ومع الحذر من جانب هؤلاء ومحاسبتهم الدقيقة ...) .
وفي التاريخ الإسلامي نجـد أن كثيراً من أطباء الخلفاء العباسيين وفي الأندلس كانوا من اليهود ، ونجد وزراء من اليهود في هذه الدول المسلمة .
وفي الســيرة النبوية :
وصل المهاجرون إلى المدينة ، وقامت الدولة المسلمة الأولى وفيها ثلاث قبائل من يهود هم بنو قينقاع ، وبنو النضير ، وبنو قريظة . فعاهد الرسول r يهود المدينة ، وكتب لهم صحيفة المدينة ، وهي أول ماكتب من العهود في الدولة المسلمة ، وحددت هذه الصحيفة ما لليهود وماعليهم ، مالهم من حقوق وهي حماية دينهم ، ودمائهم ، وأعراضهم ، وأموالهم ، وعليهم الدفاع عن المدينة ضد العدو الخارجي ، وعليهم عدم التحالف مع أعداء المسلمين ، وعدم الاعتداء على المسلمين ، ...... وعاش اليهود في المدينة ، ولما نقضت قبيلة قينقاع العهد أخرجها المسلمون وحدها ولم يتعرضوا لبني النضير أو بني قريظة بسـوء ، ولما نقض بنو النضير العهد أخرجهم المسلمون وحدهم ولم يتعرضوا لبني قريظة بسـوء ، ولما خان بنو قريظة العهد في أضيق الأوقات وأصعبها على المسلمين ، طبقوا فيهم حكم الله عزوجل .
وبقي في المدينة أفراد من اليهود مسالمين موادعين للمسلمين ، أي أخرج المسلمون اليهود الذين قاتلوا المسلمين ، أو ظاهروا عدوهم عليهم ، أما الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يظاهروا عليهم فتركوهم في المدينة ، والأدلـة :
1 ـ توفي رسول الله r ودرعـه مرهونة عند يهودي .
2 ـ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يجد يهودياً يتسول في شوارع المدينة فيأخذه ويحمل الكيس عنه ، إلى بيت المال ليخصص له راتباُ شهرياً في بيت المال ، ويضع عنه وعن أمثاله الجزية .
3 ـ تقاضى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويهودي عند القاضي في درع فقدها علي رضي الله عنه ، ووجدها عند اليهودي من سكان المدينة .
وهذه الأدلـة الثلاثة أقصد منها أن اليهود المسالمين الذين لم يقاتلوا المسلمين مازالوا في المدينة بعد وفاة رسول الله r . حتى عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ومن أروع الأمثلة على تعامل المسلمين مع غير المسلمين مايلي :
1 ـ جاء في مناقب عمر لابن الجوزي : كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتفقد أحوال الرعيـة في المدينة فرأى شيخاً طاعناً في السـن يتسول ، فسأله عمر : ـ ماالذي ألجأك إلى التسول ؟ أجاب : السـن والجزيـة . فقال عمر : من أي أهل الكتاب أنت ؟ ( وهذا يدل على وجود نصارى أيضاً في المدينة ) . قال : من يهود . فأخذ أمير المؤمنين الكيس منه وحمل الكيس على كتفه ، واصطحبه إلى خازن بيت المال فقال له : انظر هذا وأمثاله ضع عنهم الجزية ، وعين لهم راتباً في بيت المال ، والله ما أنصفناه أكلنا شبابه وتخلينا عنه في شيبته .
2 ـ وجاء في العقد الفريد : فقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب درعاً له بعد موقعة الجمل ، ورآها عند يهودي من أهل المدينة ، فرفع القضية إلى القاضي شريح ، الذي أحضر اليهودي وأجلسه جوار خصمه ( أمير المؤمنين ) ، وطلب من علي شهوداً فقال : لا أحد يعرفها سوى ولديّ الحسن والحسين ( سبطي رسول الله r ) فقال شريح : ولكن لاتصح شهادة الولد لأبيـه ، هل عندك غيرهما ؟ قال علي : لا . قال شريح : إذن الدرع لليهودي .
وخرجا من عند القاضي ، اليهودي ينتصر على أمير المؤمنين في القضاء الإسلامي ، وتتحرك بقايا الفطرة عند اليهودي ويقول : أشهد أن لا إله غلا الله وأن محمدا رسول الله ، والله هذه أخلاق أنبياء ، إنها درعك سقطت من جملك الأورق يوم الجمل وقد خرجت أتعقب الجيش لمثل ذلك . فيقول علي : أما وقد أسلمت فهي لك .
هذا غيض من فيض ... يؤكد أن الإسلام ينبذ الطائفية ، وأن الإخوان المسلمين ينبـذون الطائفية خوفاً من الله عزوجل ، والتزاماً بدينهم ، التزاماً بكتاب ربهم وسنة رسولهم r ، فليعلم الجميع ، أن الإخوان المسلمين ليسوا طائفيين بل ينبذون الطائفية قولاً وعملاً ,
ولايحاربون إلا من يحارب الإسلام والمسلمين ، ويحاربونه بمثل مايحاربهم بـه ، ولايبدأون الحرب ، فإن حاربهم بالكلام والبيان حاربوه بالكلام والبيان ، وإن حاربهم بالسيف والسنان ردوا عليه بالسيف والسنان ( إن قدروا على ذلك ، ) ، أو ردوا بالكلام والبيان ، وهذا قريب من أضعف الإيمان ( ولايكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، وهذا موضوع آخر في يوم آخر إن شاء الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين .