حرب بالوكالة .. تدمير باكستان

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في 30/10/2009م وفي تكتم شديد‏,‏ اجتمعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون  في إسلام أباد مع زعماء القبائل الباكستانية‏,‏ في منطقة الحدود الشمالية مع أفغانستان‏ ( نحو‏120‏ شخصا‏)‏ جميعهم من منطقة القبائل في وزيرستان، لبحث إمكان التعاون للحد من تأثير طالبان في تلك المنطقة‏.‏ حيث تقوم القوات الباكستانية بهجوم عسكري واسع النطاق‏،‏ للقضاء علي نفوذ طالبان الباكستانية هناك‏ .

ويأتي هذا الاجتماع بعد يومين من إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية فور وصولها لإسلام آباد   ، استعداد بلادها للتعامل مع عناصر طالبان الأقل تشددا‏ ، مؤكدة أن واشنطن تسعي لفصل قادة طالبان عن العناصر التابعة أو المؤيدة لها‏، وأن من حمل السلاح في وقت من الأوقات ليس بالضرورة عنصرا من عناصر طالبان‏.‏ وقد تولت السفارة الأمريكية كما تقول الأهرام 31/10/2009م ؛ تنظيم اللقاء بعيدا عن الجهات الباكستانية الرسمية .

وقال زعماء المقاطعات القبلية الباكستانية على الحدود الأفغانية لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون : إن القصف الجوي يولد الكراهية، وإن استخدام القوة ليس سبيلاً لحل المشكلات.. وأكد الوفد لكلينتون أن القبليين ليسوا إرهابيين. ومن جانبها، قالت كلينتون إن بلادها ستواصل تعاونها مع باكستان في حربها ضد الإرهاب (!) ، وأضافت أن الروابط بين إسلام آباد وواشنطن لا تنحصر فقط بتلك الحرب وبقضايا الأمن بل إن واشنطن تريد علاقة طويلة الأمد ومستمرة مع باكستان.وأفادت الوكالة أن كلينتون حضرت أيضاً عرضاً ثقافياً في المجلس الوطني الباكستاني وذلك تحت حراسة أمنية مشددة، وبعدها التقت مع وفود من المفكرين ومن المجتمع المدني والنساء وناقشت معهم مسألة تطوير القطاع الاجتماعي..

وواضح أن الولايات المتحدة بعد فشلها الكبير ، وهزيمتها المتوقعة في أفغانستان تحاول أن تضرب عصفورين بحجر ، الأول تسخير الجيش الباكستاني المسلم لقتال فريق من الشعب الباكستاني المسلم في وزيرستان ؛ اعتقادا منها أن قبائل المنطقة تساند طالبان أفغانستان في مواجهة الجيش الأميركي وحلف الناتو الذي يحارب هناك منذ ثماني سنوات تقريبا ولم ينتصر . وبالطبع فاللعبة السهلة هي إطلاق تهمة الإرهاب على كل من يقاوم الغزو الاستعماري الصليبي أو الصهيوني ، وقد وُصف المجاهدون الأفغان بالإرهاب ، كما وصف المجاهدون الباكستانيون في وزيرستان بالإرهابيين ، وكما يوصف المجاهدون في فلسطين بالإرهاب ، أو المليشيات الإرهابية ، وللأسف فإن بعض المحللين العرب والمسلمين ينزلقون وراء التوصيف الاستعماري  الكاذب ويصفون المسلمين في هذه المناطق بالتشدد ، أو يقولون إن هذه المناطق تتبع تدينا متشددا ، وكأن الاستسلام للعدو الاستعماري الصليبي أو الصهيوني هو قمة التحضر التي تدل على الإسلام الصحيح ، والأمر فيما أتصور يقتضي مراجعة من كتابنا ومحللينا في استخدام المصطلحات التي تروجها المؤسسة الاستعمارية الغربية الصهيونية . إن مقاومة المحتل الغاصب فرض على المسلمين لا يسقط عن الأمة ،وإذا لم تقم به فهي آثمة شرعا .

إن المسلمين لم يحتلوا دول الناتو أو يستعمروها حتى يحاربهم الناتو ويقصف بيوتهم ويقتل عشرات الألوف بل مئات الألوف منهم بلا ذنب ولا جريرة ، ويخرب مدارسهم ومستشفياتهم ومساجدهم ،وينهب ثرواتهم ، ويسرق تراثهم ، والأمثلة واضحة في أفغانستان والعراق وفلسطين ، وها هي الباكستان على الطريق ذاته ، ولكن هذه المرة يتم تجييش الجيش الباكستاني نفسه ليقضي على شعبه بحجة مقاومة الإرهاب .

الأمر الآخر هو تفتيت باكستان التي تملك سلاحا نوويا ، حتى تطمئن الدولة الصهيونية الغاصبة في فلسطين ، وأيضا الحليفة الهندية ، وتسقط دولة إسلامية يمكن أن تكون شوكة في جنب المؤسسة الاستعمارية الصليبية الصهيونية ،وهي تغتال مناطق أخرى في العالم العربي أو الإسلامي ، وخاصة إيران التي يبدو أنها تمثل هاجسا حقيقيا وقلقا ملحوظا للولايات المتحدة والصهيونية العالمية في تطلعها إلى بناء قوة نووية ، بعد أن أقامت قوة عسكرية ليست بسيطة.

إن تفتيت باكستان يعني صراعا عرقيا طويل المدى بين البلوش والأوزبك والفرس والطاجيك  وغيرهم . وهو ما ينعش آمال الأميركان والصهاينة في الوجود الدائم بالمنطقة وضمان سلامة دولة الغزو النازي اليهودي ، واستمرارها بلا متاعب بعد استسلام العرب وخضوعهم الذليل ، بل ومساعدتهم في تأمين الكيان الصهيوني وحمايته ، ومحاصرة الفلسطينيين الذين يمكن أن يزعجوه!

إن الجيش الباكستاني الذي كان دائما حصنا لإسلامية باكستان ، بل أفغانستان ؛ صار اليوم أداة في يد الأميركان عن طريق آصف زرداي – زوج بي نظير بوتو الراحلة – لتمزيق باكستان وربما أفغانستان ، وإذلال المسلمين فيهما .

إن الهجوم الراهن للجيش لباكستاني على وزيرستان ضم ثلاثين ألف جندي ميدانيا مدعوما بالطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية والمدفعية  . وعلى الأرض تبدو المنطقة مهجورة  بعد أن فر سكانها المائتي ألف من المعارك.

ومع ذلك ففي اليوم الثالث عشر من الهجوم البري على طالبان في مقاطعة وزيرستان الجنوبية القبلية استغرب أحد الجنود أن يكون المسلحون مجهزون بأحدث المستلزمات لتضليل الاتصالات والتواصل بالانترنت عبر الأقمار الصناعية !

وإذا ربطنا ذلك بالخيبة الكبرى التي عاشتها القوات الأميركية مؤخرا أدركنا لماذا هرعت هيلاري كلينتون لتدعم آصف زرداي في حربه بالوكالة عنها ضد شعبه وقومه .

  إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقف الآن عاجزا أمام الخسارة الكبيرة التي تكبدها جيشه بعد تحطم مروحيتين أمريكيتين أسفر عن مقتل أربعة عشر جنديا أمريكيا ، وثلاثة مدنيين آخرين. لقد أصبح الرئيس الأميركي مترددا في إرسال قوات أمريكية إضافية إلى أفغانستان كما لوح له بعض الجنرالات الأميركيين هناك ، وربما يتذكركما يقول بعض المعلقين تجربة  ثوار الفيتكونغ الفيتناميين الذين كانوا يستبشرون أكثر كلما  سمعوا أخبار زيادة عدد قوات الأمريكيين في فيتنام، فزيادة عدد القوات يعني توفر الفرص بشكل أكبر وأسرع لضرب أكبر عدد ممكن من الجنود المنتشرين وهذا ما سيؤدي إلى زيادة الخسائر الجسيمة وتكبد المزيد من الانتقادات والضغوطات السياسية والشعبية .

إن أميركا تسعى لتحقيق أهدافها الإستراتيجية ، وفي مقدمتها الأهداف الاقتصادية ، ويجب ألا نلومها على ذلك بل ينبغي أن يلوم المسلمون أنفسهم أولا حين يسمحون لها بتحقيق هذه الأهداف ، ويقتنعون بما يقوله الغزاة الصليبيون ويطرحونه من أسباب ماكرة وخادعة ليقتل المسلم أخاه ، ويدمر وطنه ويقتل شعبه ويضع أهله في دائرة الذل والهوان ، ويساعد على النيل من مسلمين آخرين خارج وطنه لا ذنب لهم إلا أنهم مسلمون يملكون الثروات أو المواقع الإستراتيجية أو التراث الإنساني الذي لا يملكه الغزاة الهمج .

وأظن أن الشعب المسلم في باكستان سيدرك عاجلا أو آجلا قيمة إسلامه ووطنه ، وسيفطن إلى تدبير الغزاة الهمج ، ويستعيد سيرته الأولى يوم أنشئت باكستان عل يد محمد إقبال شاعر الإسلام العظيم في القرن العشرين ، والقائد الكبير محمد على جناح .