سورية: مأزق نظام ... وكرامة شعب ووطن!
سورية: مأزق نظام ... وكرامة شعب ووطن!
أنس العبدة
لا يحتاج المرء لمهارة الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير لكي يكتشف أن سورية اليوم على مفترق طرق. ولا يحتاج الإنسان لعميق فهم في السياسة لكي يستنتج أن النظام السوري في ورطة كبيرة. لكن ما يحتاج للتوضيح هو أن سورية الوطن وسورية النظام ليستا - كما يزعم البعض- من طينة واحدة وأنَ استهداف النظام هو في حد ذاته استهداف للوطن. هذه الفكرة يُروج لها بعض المعارضين السوريين في حوارات على الفضائيات العربية بقولهم أنهم مع النظام عندما تستهدف امريكا الوطن. بعبارة أخرى، إن امريكا -بزعمهم- ستضرب الوطن من خلال النظام، وعليه فلا بد للمعارض الوطني أن يصطف مع النظام في هذا الوقت بالذات. وقبلهم أعلن أحد كبار المعارضين ومن المنفى أنه يتطلع لحوار مع النظام، وعلق آمالا كباراَ على ربيع دمشق. رياض الترك وحدة فقط من بين كثير من المعارضين كان على دراية حقيقية بهذا النظام وطبيعته الفاشية عندما أعلن بلا مواربة وبأسلوب يفهمه الإنسان العادي في الشارع السوري أن على الأسد أن يستقيل ويسلم السلطة دستوريا إلى رئيس مجلس الشعب لقيادة البلاد مرحليا ريثما يتم تشكيل حكومة وطنية تضم كل أطياف الشعب السوري لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
ثمّة نوعان من المعارضة: معارضة شتّتها النظام وقمعها بالحديد والنار وأذاق عناصرها مرارة السجن، ومعارضة سمح لها أن تلعب دورا هامشيا لكي تغطي قباحة وجهه التساليني الذي لم يكن يوما همه الشعب والوطن أكثر مما كان همه السلطة واستغلالها لتحقيق منافع شخصية وعائلية وحتى طائفية على حساب الوطن كله. لكن ما أن دار دولاب حظ النظام، ووقع في شر أعماله حتى انقلب المعارضون المدجنون إلى كواسر، ودبجوا المقالات مبشرين بعهد جديد ولكن بلافتة بسيطة كُتِب عليها أنهم مع النظام إذا ما استهدفته امريكا! والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستهدف امريكا النظام حقاً؟ وهل كانت يوما ضده؟ هل شهّرت امريكا بجرائم النظام أو أحالت يوما إلى مجلس الامن أو حتى إلى لجنة حقوق الإنسان الجرائم الفظيعة والمجازر الجماعية التي ارتكبها النظام باسم العروبة ومقاتلة امريكا والصهيونية؟ وكيف لنا أن نفسر ما نقرأه كل يوم من تقارير تتحدث عن معارضة اسرائيلية لإسقاط النظام خشية قيام نظام آخر قد لا تكون قادرة على تطويعه! هل أطلق هذا النظام، بربكم، يوما رصاصة واحدة في اتجاه الاراضي المحتلة منذ عام 1974؟ بن كاسبيت (المراسل السياسي لصحيفة معاريف) يختصر وجهة النظر الاسرائيلية في مقال له حيث يقول:" نحن نعرف الأسد ونعرف سورية الأسد، فرق الاحتياط مرتبة جيدا في الجولان والسيناريوهات جاهزة بصورة جيدة والمعلومات الاستخبارية موجودة، فلماذا اذن نستبدل كل ذلك بأمر جديد غير معروف؟ فأنت تعرف ممن تخلصت، ولكنك لا تعرف من الذي سيأتيك مكانه إذا ما تغير النظام. بعد ثلاث إلى اربع سنوات، عندما ينضم جورج بوش الابن الي جورج بوش الأب في ملاعب الغولف وفي حقول النفط، سنبقي نحن مع سورية السنيّة المعادية كقاعدة أمامية متقدمة للقاعدة، ونشتاق الي الهدوء الرائع في هضبة الجولان المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود. الامريكيون الذين أشعلوا الشرق الاوسط كله مع حماقاتهم عديمة المسؤولية والذين انقضوا علي الضعفاء بدلا من الخطيرين، قد يتركون من ورائهم هنا أرضا محترقة تغص بـ البن لادنيين". انتهى كلام كاسبيت. نعم، النظام مستهدف اليوم لأن دوره انتهى ولأنه لم يتقيد بأصول اللعبة التي وضعها سيده الامريكي.
اِعتقدَ النظام أن سكوت امريكا عليه في الداخل مهما كانت انتهاكاته وكذلك غضها الطرف عن سياساته الخرقاء والدموية في لبنان على أنها دليل قبول، فتجرأ ومن دون أن يقرأ المتغيرات الدولية، على تخطي الخطوط الحمر، فكان مقتل الرئيس الحريري وظهور الأدلة الظنية الأولى السكين التي تشحذها امريكا اليوم لطعن هذا النظام. فلماذا يريد منا بعض المعارضين أن نبكي عليه، ويريدون أن يقنعونا أننا إذا ما وقفنا معه فإنه لن يعود إلى سيرته الاولى، فيشهر سيفه ليقتل الابرياء ويسجن الشرفاء ويهين العفيفات. من يضمن شر هذا النظام الذي تحول إلى غول وحلقة ضيقة من عائلة واحدة لا يهمه سوى مصلحته؟
إن الحل الوحيد مع هذا النظام هو لفظه تماما ومحاربته بقوة من أجل مستقبل الوطن؛ لا ينفع مع هذا النظام دعوة للتصحيح كما أطلقها المؤرخ باتريك سيل، لأن السير بهذا الاتجاه معناه تأخير الولادة وزيادة آلام المخاض. ففي السياسة لا يمكن على الإطلاق تضييع الفرص لأن العاقبة ستكون خسارة مضاعفة. لذلك لا بد للمعارضة الشريفة في الداخل والخارج أن تعمل ليل نهار لا للدفاع غير المباشر عن هذا النظام وانما لتبيان عيوبه والاتحاد من أجل تشكيل حكومة بديلة تكفل للوطن والمواطن ما يستحقه منذ زمن وتعيد إليه كرامته المسلوبة وحريته المسحوقة. فما نراه اليوم ليس أبدا محاصرة لسورية كما يتوهم البعض وإنما محاصرة لإفراد من النظام وردت اسماؤهم في لجنة التحقيق الدولية، وعليهم في ظل المتغيرات الدولية أن يمثلوا أمام اللجنة للاستماع لإفادتهم شأنهم شأن أي فرد آخر متهم. فلم يربط هؤلاء مصيرهم بمصير الوطن؟ ولم تقوم الدنيا ولا تقعد إذا ما طُلب استجوابهم؟ والسوريون صغيرهم وكبيرهم يعرف من هم هؤلاء الذين لم يستلهموا يوما من عدالة عمر بن الخطاب ولا من نزاهة علي بن أبي طالب ولا من عظمة نلسون مانديلا في عصرنا. كانوا دوما طغاةاً صغاراً يجرَون المواطنين إلى أقبية السجون ويذيقوهم ويلات العذاب ويحرموهم من أبسط أنواع الحرية ومن حق الحياة. فلماذا يريدون منا أن نضحي بأنفسنا من اجلهم!
إنّ سلامة الوطن ليست مرهونة بسلامة هؤلاء ولا أحد بمقدوره أن يحذف سورية من الخارطة أو يحيدها عن دورها إذا ما عاد اليها أبناؤها الأبرار، واستعاد أهلها الحرية. ما على المعارضة في الداخل ان تفعله لا يختلف عن المعارضة في الخارج: التكاتف من أجل إسقاط النظام. لماذا نخاف ونخشى من اقتتال بين أبناء الشعب، وكلنا جميعا أسرى هذا النظام. ولِمَ يقولون لنا ان امريكا ستجتاح سورية وما الذي يريدونه بقولهم هذا، ونحن ندرك تماما أن امريكا لن تكرر خطأها القاتل في العراق وأن لا قوة على وجه الارض تستطيع أن تقف في وجه شعب يحب الحرية. لم يعد العالم كما كان، ولم تعد تنطلي الأكاذيب على الناس، ولم تعد الشعارات الطنانة تجدي نفعاَ ، فالكل يعرف أين يقف هذا النظام والكل يدرك أن شعب سورية هو المقهور وأنه يستحق الانعتاق.
لا شيء ألذ على قلب هذا النظام المستبد من تلك المقولات التي تتحدث عن استهداف سورية، ولا شيء أحب إليه من تصوير نفسه على أنه الضحية لأنه رفض التسوية من أجل كرامة العرب. ويدرك النظام أنه كلما أمعنت المعارضة في ربطه بالوطن كلما ازدادت حظوظه بالبقاء، وكلما ارتفع صوت معارض يربط مصير النظام بالوطن كلما اندفع رجال النظام لمدحه ولتصويره على أنه وطني وغيره عميل لإسرائيل. هذه الشبهة التي أودع الآلاف من الناس غياهب السجون بسببها وأضيعت البلايين من الدولارات بذريعة شراء اسلحة لقتال اسرائيل، فماذا حصدنا يا ترى من هذا كله؟ لقد استخدم السلاح لقتال الشرفاء من لبنانيين وفلسطينيين في لبنان وقتل المواطنين وتدمير المدن في سورية، ولم تتحرك مدرعة واحدة باتجاه الحدود مع اسرائيل؛ لم يكن هذا السلاح يوما في الأساس على مستوى المعركة، لم يكن صالحاَ للقتال؛ كان قديما متأخرا بدائيا في مواجهة سلاح إسرائيلي عصري متطور. أين ذهبت تلك الاموال ومن أجل من كان شراء هذا السلاح!
المعارضة الشريفة هي التي لا تخشى من الحقيقة، وعليها أن تقولها مهما كانت مُرّة لأن اخفائها بحجة ان العدو على الأبواب ينطبق عليها المثل العامي:" ضحك على اللحى". في السياسة يجب إظهار الحقائق للناس ويجب السير على هدي صحيح، ويجب الايمان بقوة الشعب وعظمة تاريخه وبهاء مستقبله. لا يمكن لسورية أن تُحكم اربعين سنة هكذا، ولا يمكن لبلد عريق أن يُدار بهذه الطريقة، ولا يمكن أن نرضى بعد اليوم أن يقال لنا أنكم مع امريكا واسرائيل إن وقفتم ضد هذا النظام. نحن ضد امريكا إذا وقفت ضد حريتنا، وضد اسرائيل حتى ترجع لنا أراضينا كاملة ويعود الحق إلى أهلنا في فلسطين، ولكننا أيضا ضد هذا النظام بكل ما لدينا من قوة. هذا النظام يجب أن لا يرحل فقط بل يجب أن يُحاكم أركانه على ما ارتكبوه بحق هذا الشعب، ويجب ان يفهم كل سوري تاريخه وما فعله هؤلاء حتى لا تتكرر المأساة. هذا حق علينا كمعارضة وحقنا على بعض اخواننا أن يكفوا عن ربط الوطن بمصير هذا النظام؛ فالنظام آيل للفناء والوطن إلى بقاء.