حركة داعش وتطبيق التعاليم التوراتية 2
حركة داعش وتطبيق التعاليم التوراتية
(الحلقة الثانية)
د. حسين سرمك حسن
بغداد المحروسة – 12/9/2014
# مدخل ضروري مُكرّر في بداية كل حلقة للضرورة :
حينما يُقتل شخص في حيّ من الأحياء بمدينة ما ، فإن الشرطة لا تقوم باعتقال كل سكّان المنطقة للتحقيق معهم . هذا غباء وإجراء غير علمي ولا عمليّ . هناك قاعدة جنائية بسيطة هي "البحث عن المستفيد" من الجريمة ؛ أي المستفيد من مقتل هذا الشخص . فمن المستفيد من نشاطات حركة داعش التدميرية ؟ من هي الدولة التي لم تتضرّر أبداً في الشرق الأوسط ؟ من هي الدولة التي تصب في مصلحتها كل نتائج السلوك التدميري والتخريبي الشامل والعنيف لحركة داعش في منطقة الشرق الأوسط ؟
والجواب هو إن هذا الطرف المُستفيد والوحيد هو الكيان الصهيوني اللقيط الذي لم يتضرّر أبداً من اي نشاط لحركة داعش .
ولمعرفة طبيعة الصلة بين المنفّذ والمستفيد ، يثور سؤال مكمّل : أين نجد جذور "طريقة" و "أسلوب" قتل ذلك الشخص ؟ إذا كان قتل ذلك الشخص قد تمّ بطريقة لا تمت لكل ميراث سكان الحيّ (المنطقة) في تصفية نزاعاتهم الشخصية وفي حل الخلافات والصراعات وتنفيذ الأفكار ، فعلينا أن نبحث عن "مصدر" هذه "الطريقة" وهذا "الأسلوب" .. أي مصدر الأفكار التي يحملها هذا المنفّذ الجديد في مكان آخر. فكل ما تقوم به داعش لا يمت بصلة على الإطلاق بكل تاريخ سكان (الحي) المنطقة وموروثهم الذي هو إسلامي في أكثريته . ولكن الفحص الدقيق والتأمّل التاريخي والفكري يكشف تطابقاً غريباً بين التعاليم التوراتية لليهود والتي تعتمدها الدولة الصهيونية وممارساتها منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى اليوم (وآخرها حرب غزة الأخيرة) وبين أفكار حركة داعش وسلوكياتها . لو راجعنا التوراة (وأؤكد هي ليست توراة الله عزّ وجل التي أُنزلت على موسى "ع" بل توراة كهّان القبائل اليهودية الهمجية المتوحّشة التي وُضعت بعد وفاة موسى وضياع توراته لأسباب نفسية تعويضية وأسباب سياسية في السيطرة على شعوب المنطقة وطردها من أراضيها) ، لوجدت أنّها الأفكار الاساسية التي تنادي بها داعش ، ولا علاقة لها ابداً بالقرآن الكريم – دستور الإسلام – وفكر وسلوك نبيّه محمد "ص" الذي يحكم تفكير وسلوك سكان المنطقة . إنّ التشابه - بل التطابق - بين افكار داعش والتعاليم التوراتية تصل حدّ التلاقي في التفاصيل الجزئية . إن أفكار داعش ليست من إله محمّد ، بل من "يهوه" إله اليهود البدوي المتجهّم العنيف الذي لا يرحم . إله اليهود يأمر أنبياءه وعبّاده بأن يفنوا كل شيء .. نعم .. يفنوا كل شيء في المدينة التي يدخلونها . يحرقوا الزرع والضرع .. يسبوا النساء .. يذبحوا الأطفال .. يقطعوا رؤوس الرجال .. يبقروا بطون الحوامل .. يهدموا البيوت .. ويسلبوا الأموال . وتهديم المراقد مُتضمن في هذه التعاليم لأنها تحرّم كلّ تصوير وتجسيم وتمثيل بالرغم – وهذا من تناقضات التوراة – من أنها تعود في مواضع أخرى لتعلّم الإنسان أصول النحت والتصوير !! وهذه التناقضات عادية في التوراة فهي كتاب الأخطاء (في التوراة 20000 عشرون ألف خطأ !!!) ، وهي أيضاً كتاب السخافات والشعوذات والقتل والإغتيالات والزنا بالمحارم . وعلى ذكر الإغتيال فالتوراة هو الكتاب "السماوي" الوحيد الذي يدعو للإغتيال ويعرض النماذج التطبيقية له .. وعلى يد من ؟ على يد أنبياء كما سنرى ذلك في الحلقات المقبلة !!
# الحلقة الثانية :
-- ----------------
من الأمور الغريبة جدا والتي لفتت انتباه كل البشر الذين يتابعون سلوك حركة داعش (وكذلك الحركات الإسلامية الأصولية في الجزائر على سبيل المثال ، وسلوك الحكومات الغربية في مرحلة الإستعمار وفي حروبها الإستباقية في القرن العشرين والحادي والعشرين ، وسلوك الكيان الصهيوني اللقيط) هو أنها لا توجد لديها أي خيارات غير القتل وسفك الدماء والحلول العنيفة . لا تفاوض ولا تسامح ولا تساهل مع أي إنسان لا يخضع لها على الإطلاق . لا توجد أي فسحة للدبلوماسية كما توصف في علم السياسة .. لا هدنة ولا قبول لأي حضور لأي "آخر" مهما كان حتى لو كان هذا الآخر إسلامياً مثلها ، ويرفع نفس شعاراتها . اندهشت الناس وانرعبت لأن مقاتلي داعش "يذبحونك يذبحونك" مهما فعلت وكفّرت واستسلمت وتوسلت وتراجعت وهادنت وبكيت . لا مجال لأي نتيجة سوى قتلك . وقد أشار السيّد المجاهد المناضل "حسن نصر الله" إلى هذه الحقيقة حينما طلب من المشاهدين في خطابه الأخير حول سلوك داعش أن ينظروا جيّداً ، ويدقّقوا في وجوه الأطفال والنساء من الأيزيديين العراقيين الذين كانوا يتعلّقون بالطائرات للخلاص من داعش .. وجوه تفوق قدرة اللغة على وصف الرعب البادي في ملامحها ونظرات عينيها . هل يُعقل أن حركة سياسية دينية لا تعرف قياداتها أنّ هناك حالات عليها أن تتحالف أو تهادن أو تناور فيها ؟! أبداً . لم تسمح داعش لأي قوة أن تقف بجوارها حتى لو كانت داعش اقل منها قوّة !! وهذا أمر عجيب وغريب . هل نجد مثل هذا الموقف في تراث المنطقة ؟ تراث المنطقة يثقف منذ ألف سنة على أن تجنح للسلم إذا جنحوا له !! وأن ترحم من يتوسّل .. وأن تعفوا عن الطفل والمرأة والأعزل .. وأن الإنسان بناء الله ملعون من هدمه .
إذن سنقف أمام نتيجة إجبارية محيّرة يفرضها السياق والتحليل وهي أنّ هذا السلوك غريب على المنطقة .. على فكرها وتراثها الروحي والديني .. فمن أين جاء هذا السلوك الدموي المرعب العنيف الوحشي ؟
لنقرأ هذه التعاليم التوراتية من سفر التثنية :
[10 حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. 13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. 16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا ]
هكذا لا سلام ولا تسامح ولا أي فرصة لتراجع الإنسان المُحاصر . لا اعتذار ولا توسّل ولا طفولة ولا أمومة يمكن أن تجعل قلب المحارب يلين ويعطف ويصطبر .. أبداً . الكلمة للسيف أولا ، وللسيف ثانيا ، وللسيف أخيراً . بعض المدن هلّلت لداعش وقدّمت لمقاتليها كل الإمكانات وفتحت لهم أبواب بيوتها ، فما الذي حصل ؟
يبدو سلوك المقاتل الداعشي وكأنّه مسيّر كالإنسان الآلي (وأنموذجه في فيلم الفاني لآرنولد على سبيل المثال) يسير مغيّباً نحو الموت أو النصر . وقد قرأتُ في صحيفة العرب اللندنية قبل سنوات خبرا مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية اشترت آلاف الأجنة البشرية المجمدة الناتجة عن عمليات الإجهاض في كوريا الجنوبية لتنشئتها وتصنيع مقاتل لا يشعر بالألم . تبدأ مخترعات الموت والوحشية في الغرب بلمسات خيالية تأتي من هوليود غالباً . وليس عبثاً أن تقوم قناة «CNN» بالمقارنة بين لقطات من شريط بُثّ من مواقع لحركة داعش وأحداث فيلم هوليوودي شهير عن مطاردة أسامة بن لادن ، وجرت الكثير من المقارنات بين مشاهد القتل الحقيقي سواء عبر مطاردة سيارات أو عبر تفجيرات داعشية وبين خيال هوليوودي في أفلام الأكشن (1) .. ولو لاحظت مدّ أفلام الرعب الجديدة من هوليود التي مسخت فن هيتشكوك الراقي حيث الإثارة والقلق والتوقّعات المشحونة وكشف الخفايا العدوانية في النفس البشرية ، وحوّلته إلى فنّ مقزّز ومُرعب لسلخ الجلود وقطع الرؤوس بالمناشير (وهو سلوك فرق المناشير من فرق الموت التي شكلتها الولايات المتحدة في نيكاراغوا وكانت تقطع رؤوس الفلاحين وأجسامهم بالمناشير وأشرف عليها "نيغرو بونتي" الذي أصبح سفيرا للولايات المتحدة في العراق بعد الاحتلال) ومص الدماء وشربها بلهفة وتوق ، وأكل الاحشاء البشريّة نيّئة ... إلخ ، ستجد أنّه يترافق دائماً مع تغيّرات سلوكية عنفية ممنهجة ترافقه أو تليه . إن مسلسل قطع الرؤوس الذي بدأته القاعدة في العراق بعد احتلال الأمريكان والبريطانيين الخنازير الكلاب لوطننا ، القاعدة التي جاءت معهم إلى العراق ، والعنف الواسع والشرس الذي اتُهمت به الطائفتان الرئيسيتان في البلاد ، يشير إلى أنّه عنف مؤسساتي يتمتع بأعلى الإمكانيات التقنية والفنّية والتكنولوجية والعسكرية ، ولا يمكن أن تقوم به إلا دول كبرى متطوّرة أو منظمات تابعة لها بالإشراف غير المباشر طبعاً .
ولا يستغرب السيّد القارىء حين يجدني أتعمّد الإشارة إلى الغرب وطليعته الشيطانية الدمويّة : الولايات المتحدة حين أتحدّث عن سلوك حركة داعش وتطبيقها للتعاليم التوراتية ، لأنها نتاجهم وصناعتهم قبل اعترافات "هيلاري كلنتون" التي صدمت الجميع في كتابها الأخير "خيارات صعبة" ، والتي أعلنت فيه أن الولايات المتحدة هي التي أنشأت داعش . لا تغرّنكم تزويقات الدول الغربية حول مكافحة الإرهاب وحماية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان .. الضمير الغربي والضمير اليهودي الصهيوني متطابقان تماماً ؛ ضمير ضعيف فيما يخص الآخر المُستضعف ولا قدرة له على ضبط دوافع الموت والعدوان عندما تلوح أي فرصة (تذكروا محرقة ملجأ العامرية ، وحادثة شوي الطفل الصومالي حيّاً .. وغيرها المئات) . هؤلاء الغربيون - وفي سبيل أن يُسقطوا القذافي الطاغية ويقطّعوا جسد ليبيا ويستولوا على نفطها - قاموا بقتل 100000 مئة ألف مواطن ليبي مدني .. وهذا باعتراف الأمم المتحدة . وهم مستعدون لقتل مئة ألف بل مئة مليون عراقي وعربي ومسلم من كل الأطراف (حتى من داعش وجلّ مقاتليها من الشباب العرب) لكي يحقّقوا مصالحهم باحتلال المنطقة من جديد . وسلوكهم كان هو النموذج والمحفّز على الإرهاب والتطرّف لأن الأصولية السياسية والدينية أصلها في الغرب أيها الأخوة ، والتوراة والعهد القديم هو الجزء الأول الذي يتثقف عليه كل غربي . وهذا هو كتابهم يقول :
(20 أنتَ مطرقة لي آلة حرب فحطّمت بك الأمم ودمّرتُ بك الممالك 21 وحطمتُ بك الفرَس وراكبه وحطمت بك العجلة وراكبها 22 وحطمت بك الرجل والمرأة وحطمت بك الشيخ والصبي وحطمتُ بك الشاب والعذراء 23 وحطمتُ بك الراعي وقطيعه وحطمت بك الحارث وفدّانه وحطمتُ بك الحكام والولاة) (إرمياء 51 : 20 – 23) .
هكذا لا يٌستثنى أمير أو فقير .. شاب أو شيخ .. امرأة أو رجل .. بل حتى الأطفال وهذا أمر عجيب :
(فالآن اقتلوا كلّ ذكَر من الإطفال) (سفر العدد 31 : 17)
هذا ما يأمر به النبي موسى "ع" أتباعه !. فهل هناك نبي يأمر أتباعه بقتل الأطفال ؟ إنّه نبي التوراة المزيّفة . توراة لو لاحقت فيها مسيرة "النبي" يشوع الدمويّة من مدينة إلى مدينة فلن تجد سوى جملة واحدة تتكرّر بعد سحقه وحرقه لكل مدينة يغزوها .. جملة واحدة فقط هي :
(وضربها بحدّ السيف .. وحرّم كل نفس بها .. حتى لم يبق شارداً)
هكذا من مدينة إلى مدينة لا يوجد سوى الإستئصال والإجتثاث النهائي لكل نفس . وقد أطلق يشوع أمره الأول الذي صار قاعدة للتعامل مع كل المدن التي يفتحها جيشه والتي تشمل قتل النساء والرجال والأطفال والشيوخ وحتى الحمير :
(وصعد الشعب إلى المدينة ، كل رجل مع وجهه ، وأخذوا المدينة ، وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة ، من طفل وشيخ ، حتى البقر والغنم والحمير بحدّ السيف .. أحرقوا المدينة بالنار مع كلّ ما بها) (سفر يشوع 6 : 20 – 24 )
هذا هو التراث الوحيد في المنطقة الذي يلتقي مع أفكار وممارسات حركة داعش الدموية الجهنمية المرعبة . إنّه التراث التوراتي المحرّف ، الذي يعتمده الكيان الصهيوني اللقيط في منهجه السياسي والاجتماعي والعسكري العنيف والدموي ، والذي يباركه الغرب المتنوّر ليكون دستور قلعة الديمقراطية في الشرق الأوسط : "إسرائيل" كما يصفونها في الغرب .
1- صحيفة الشرق الأوسط – 14/9/2014.