الحزب المنفوش ...

وشعاراته المضروبة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

بين يدي هذا المقال أتناول في إيجاز شديد موضوعين :

الأول : هو نشأة الحزب الوطني  .

والثاني : هو مفهوم الشعار :

نشأة الحزب الوطني

كان «حزب مصر» آخر مواليد «الميمونة»:فجده الأول هو " هيئة التحرير " .  وجده الثاني كان اسمه «الاتحاد القومي» .وآخر الجدود  هو «الاتحاد الاشتراكي», الذي أنجب المحروس «حزب مصر». وفي أغسطس سنة 1978 أعلن السادات «بقرار منه» إنشاء «الحزب الوطني» . ولم يصدر قرار بحل «حزب مصر» . وهذا يعني أن من تمسك بعضويته في حزب مصر لا يعد خارجًا علي القانون ، ولكن القلة القليلة جدًا التي أعلنت تمسكها بهذه العضوية ألقي بها في غيابة الاعتقال. أما الغالبية الغالبة من النواب فهرولوا إلي الالتحاق «بالحزب الوطتي » الذي أعلن السادات مولده، دون أن يعلن عن برنامج له.
   وفي عموده (فكرة) كتب مصطفي أمين في صحيفة «الأخبار» بتاريخ 15/8/1978 يقول «كنت أتمني لو أن أعضاء مجلس الشعب لم يهرولوا إلي الانضمام إلي حزب الرئيس السادات الجديد، كنت أتمني لو أنهم انتظروا حتي يعلن السادات برنامج الحزب وبحثوه، ودرسوه، ثم اقتنعوا به، وبعد ذلك قرروا الانضمام، كنت أتمني لو أنهم انتظروا حتي يتألف الحزب فعلاً....».
وقامت قيامة السادات ورجاله، فأصدر عبد المنعم الصاوي - وزير الإعلام - قرارًا بمنع مصطفي أمين من الكتابة السياسية, فتوقفت «فكرة» ابتداء من 18/8/1978. وفي اجتماع بمدينة «تلا» بتاريخ 22/8/1978 نوه السادات بقرار عبد المنعم الصاوي، وهاجم مصطفي أمين بشدة.

وبعد الذي ذكرته آنفًا أذكّر القارئ بما يأتي:

1- أعلن السادات ميلاد الحزب الوطني بلا داعية ظاهرة فقد سبق للسادات ورجاله إظهار الاعتزاز الفائق بحزب مصر ومبادئه كتنظيم حزبي غير مسبوق.
2- إثر ذلك أبدي مصطفي أمين اعتراضه في 15/8/1978 فكانت محنته التي أشرنا إليها.
3- تمسك أعضاء من ذوي الحيثية بعضويتهم في حزب مصر دون أن يهرولوا إلي الحزب الجديد فألقي بهم السادات في غيابة الاعتقال . ومن هؤلاء: جمال ربيع, وأحمد سلطان وعبد العظيم أبو العطا -وزير الري- وقد وافته المنية وهو في المعتقل.
4- بعدها بشهر (في 18/9/1978) أعلن رسميًا عن اتفاقية كامب ديفيد، وذلك في مؤتمر صحفي حضره موقعو الاتفاق الثلاثة وهم : «السادات، وبيجن، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر».
5- وتوالي هذه الوقائع بهذه السرعة اللاهثة يؤكد صحة ما قيل من إصرار بيجن وكارتر علي «إنشاء» حزب جديد يمثل قوة شعبية يستند إليها السادات في تأييد هذه الاتفاقية ، وطبيعة هذه النشأة، وما عاناه الشعب من دكتاتورية هذا الحزب وحكومته، وإغراق المواطنين في مستنقعات المشكلات, وفتح الباب للصوصية والرشوة والفساد الإداري, وضرب كل من يقف في وجه هذه المفاسد. كل أولئك جعل هذا الحزب «محظورًا» بالمفهوم النفسي الواقعي للحظر ، فهو محظور ممنوع بطبيعته من التسلل إلي قلوب الناس, والحظر -كما ذكرنا- لا يكون بقرار حكومي, ولكن بإرادة شعبية حرة.

**********

أما الشعار :

فالمعنى اللغوي له  هو ما التصق بالبدن مباشرة من الثياب . وتطلق كلمة الشعار ـ اصطلاحًا على المفردات الآتية:

1 ـ العلامة التي ينصبها الجنود، أو يحملونها في الحرب ـ كراية ذات لون معين، أو عبارة معينة، ليعرف بها الجندي فريقه، وقد يكون ذلك في السفر أيضًا.

2 ـ الهتاف الذي تعلو به أصوات الجنود ـ في الحرب غالبًا ـ تعبيرًا عن قوة العقيدة، ورسوخ الإيمان، ولتحميس الجنود، ورفع معنوياتهم، وبث الخوف في نفوس الأعداء.

وهو كذلك الهتاف الذي يردده جمهور أو تجمع معين تعبيرًا عن توجه حزبي، أو وطني.

3 ـ العلامة الرسمية المطبوعة التي تدل على الدولة، وغالبًا ما تكون في علمها: كعبارة ":لا إله إلا الله محمد رسول الله" في علم السعودية، والنجمة السداسية في علم دولة العدوان الصهيوني، وقد يكون الشعار لجماعة من الجماعات: كالسيفين يعانقان المصحف، شعار الإخوان المسلمين، وفي الوقت الحاضر نرى كل محافظة من محافظات مصر تتخذ لنفسها شعارًا يمثل ـ غالبًا ـ أهم منتج لها في مجال الصناعة أو الزراعة.

4 ـ العنوان الذي يدل على موضوع محوري، يناقش في مؤتمر عام، كأن ينعقد المؤتمر تحت شعار "الحضارات حوار لا صراع" أو شعار "سلام بلا تنازل" أو شعار "حرية التعبير، لا حرية التدمير".

والشعار بصفة عامة يجب أن يتسم بالسمات الآتية :

1-الإيجاز والتركيز .

2-قوة التعبير وصدق الدلالة في الشريحة الزمانية التى يطرح فيها على الأقل .

3-    الوضوح بحيث يكون مفتوحا مفهوما للجماهير . 

**********       

ولنستعرض شعارات الحزب الوطني المباركي ؛ لنرى إلى أي مدى تتمتع بملامح الشعار كما يجب أن يكون  ، وما يسمونه  شعارات تأتي في ترتيبها الزمني على النسق الأتي :

1-   فكر جديد .

2-    العبور الأول .

3-   العبور الثاني .

4-   مصر بتتقدم بينا .

5-   وأخيرا : من أجلك أنت .

وإذا نظرنا إلى الشعار الأول وجدناه جامدا أصم ، لأن المواطن لا يفهم ماذا تقصدون بفكر جديد ؟ وإلى من يقدم هذا الفكر ؟ وأين الجدة التى لم يسبقكم أحد إليها ؟

أما الشعار الثاني وهو العبور الأول فهو أغرب من سابقه ؛ إذ ليس بينهما فاصل نوعي . وحينما يسمع المواطن هذا الشعار ( !!!!! ) يسبق إلى خاطره عبور جيشنا البطل إلى سيناء للمرة الأولى والأخيرة . وعلى أي أساس سطا " نشامى "  الحزب الوطني على هذا الواقع التاريخي ونسبوا إلى أنفسهم هذا الواقع التاريخي المشرف ؟.

   أما العبور الثاني فلا مفهوم له . وقد سخر منه المواطنون بالنكتة التي ترددت على ألسنة الناس وخلاصة واحدة منها:  (أن أحد المواطنين ذهب لصفوت الشريف وقال له هذه 10 آلاف جنيه أمنحها إيَّاك لو أوضحت لي الفرق بين العبور الأول والعبورالثاني، فردَّ عليه الشريف قائلاً: بل لك مني 20 ألفًا لو أوضحت لي الفرق بينهما .

 ودلالة النكتة أن رءوس الحزب الحاكم الذين يمسكون بتلابيب الشعب المسكين يعيشون على شعارات رنانة طنانة لا تساوي الحروف التي كُتبت لها.

         **********

  والناس جميعا يسألون من  ذلك العبقري الذي وضع شعار  " مصر بتـتقدم بينا " ( !!!!! ) . ومن حقنا أن نسأله من أنت يا من تتقدم بكم مصر ؟ هل تتقدم بالمصريين ؟ وإذا كان هذا هو المقصد فمن الذي أعطاكالحق في أن تتحدث  باسمهم ؟ وإذا كنت تقصد أعضاء الحزب الوطني فأين هو التقدم الذي تمتعت به مصر على أيديهم ؟ .  وهل ضاقت اللغة العربية عن وضع " بنـا " بدلا  من "بيـنا"  . ثم إن هذا الشعار حكم على نفسه ، أو حكم عليه واضعوه بالمحلية الضيقة ، وهي لهجة القاهرة وشمال الدلتا ؛ لأن الصعايدة لا يستعملون كلمة    "بينا " هذه .

**********

ثم جاء الشعار الكارثة وهو " من أجلك أنت "... إنه يتمتع بالتميع والانتفاش والبعد عن التحديد . ونسأل أيضا على من يعود الضمير " أنت " ؟ إذا كان المقصود أعضاء الحزب الوطني فهو صادق .وإذا كان يقصد المواطنين فالواقع يكذبه لأن الساحة مفتوحة على مصراعيها لكبار الحزب الوطني ورجال الأعمال .

ومن عجب أن يتصدر هذا الشعار" من أجلك أنت " الصفحة الأولى من صحيفة أخبار اليوم . ونقرأ للسيد ممتاز القط العبارات الآتية ضمن مقاله الأسبوعي  : 

" ... وفي الوقت الذي يؤكد فيه الحزب الوطني جدارته واستحقاقه، لأن يكون حزباً للأغلبية من خلال برامجه ومشروعاته وطموحاته، وإبرازه للعديد من القيادات الواعية، والقادرة علي التعبير والدفاع عن مصالح المواطنين   ……
 والحزب الوطني قد اختار هذا العام شعار " من أجلك أنت " تجسيداً لبرامجه ومشروعاته خلال العام القادم .... "
.

**********

وفي هذا السياق أشير إلى بعض الشعارات التى  أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون  في حروبهم،وقد جاءت في مكانها المناسب ، معبرة تعبيرا رائعا عن النفس والواقع:  

ففي غزوة بدرر كان شعار المسلمين " أحد أحد ".  وهو مناسب لمعركة يقاتل فيها المسلمون من أجل إقرار الوحدانية في الوجود ، وهي تمثل نخاع العقيدة .

وفي أحد كان شعار المسلمين " يا منصور أمت " . ويمكن تفسيره على وجهين الأول : يمثل دعاء إلى الله  ــ فهو الناصر المنصور ــ أن يهزم الأعداء .

 والوجه الثاني أنه موجه للمسلمين بأن يستشعروا روح النصر و يميتوا الأعداء .

وكان شعار المسلمين في خيبر : الله أكبر خربت خيبر . وهو شعار أوضح من أن نشرحه .

 وكل شعار من هذه الشعارات يتسم بما قلناه من قبل وهو :   

1-    الإيجاز والتركيز .

 2-  قوة التعبير وصدق الدلالة في الشريحة الزمانية التى يطرح فيها على الأقل .

3- الوضوح بحيث يكون مفتوحا مفهوما للجماهير .   

وإذا وضعت شعارا مكان شعار آخر فإنه لا يحقق الهدف المقصود .

**********

ومع هذه الخيبات التي يحققها الحزب الوطني فإنه متمسك بخرافة أنه " حزب ألأغلبية " ، وتجد الواحد من قادتهم يصرح بوجه مكشوف بأن الأعضاء... أعضاء الحزب أصبحوا 3 مليون ، ثم 4 مليون . إنهم يهتمون بالكم ، ولا يهتمون بالكيف ، ولا بالدوافع الحقيقية لهؤلاء الأعضاء . وإني لأسأل : كم واحد من هذه الملايين على استعداد أن يعتقل يوما واحدا في سبيل حزبه ؟ أو على الأقل : أن يفقد ما استولى عليه بتراب الفلوس ، أو حتى بلا تراب . ففلوسهم لا تلد إلا ذهبا وقصورا وأراضي وفيلات . ولعلنا قرأنا ما تناقلته الأنباء من أن  نواب الحزب الوطني في مجلس الشعب منحوا  175 مليون جنيه .

وهناك ملاحظة مهمة جدا وهي أن كل أجهزة الدولة الإعلامية قد رُصدت للدعاية للحزب الوطني بكثافة لا مزيد عليها : فلا ضير في النفاق والتزوير والهبر والهبش والمغالطات مادامت الرءوس الكبرى راضية .

وكل مواطن مصري يعلم تماما أن الصحف القومية تناصر القادة الكبار على حساب الحق ، والواقع المر الذي تعيشه مصر المطحونة . والفضل الأول في ذلك للصحف الحكومية والذين يتربعون على عروش هذه الصحف مهما كانت الخسائر .

ويمثل هؤلاء كما قلت وكتبت " مدرسة المستنقع " .  وإلا فما رأي العقلاء في الذي كتبه أسامة سرايا في مطلع مقاله :       

" اسمحوا لي أن يكون مدخلي لهذا المقال مختلفا‏,‏ وأن أتوجه به من البداية لزملائي الصحفيين والكتاب‏,‏ خاصة في الصحافة اليومية القومية‏,‏ في الأهرام والأخبار والجمهورية وروزاليوسف‏,‏ وفي مجلاتنا الأسبوعية في هذه المؤسسات‏,‏ وفي المصور وأكتوبر‏,‏ وأشد علي أيديهم وأطمئنهم بأنهم في المقدمة‏,‏ وسوف يظلون‏,‏ فقد حققوا المعادلة الصعبة في الزمن الأصعب‏,‏ حافظوا علي الولاء والحب والانتماء للوطن‏,‏ واحترموا عقل القاريء‏,‏ ولم تجرفهم سفاسف الأمور وشهواتها وسطحيتها أو غوغائيتها‏,‏ وخاضوا معارك مصر بالانتماء الواجب‏,‏ وخلقوا مناخا وتيارا يحمي مصالحنا ، ويعلي مكانة مصر والمصريين‏,‏ واحتفظوا بحب واحترام قارئهم‏,‏ في وقت كانت فيه كل الرهانات تشير إلي أنهم خاسرون‏,‏ فإذا بهم في المقدمة‏,‏ بل وأصبحوا قاطرة للتطور والنمو‏,‏ وساعدوا الرأي العام المصري والعربي علي أن يعرف أكثر‏,‏ وخلقوا مناخا مواتيا للحركة بل وللتغيير الصحيح‏ .

(سرايا .الأهرام . الجمعة . 23 10 2009 )

وأقول له ولبقية المدرسة ...  " مدرسة المستنقع " لو كنتم صادقين حقا فليعلن كل  منكم كم يقبض شهريا ؟ وما الخسائر التى تحققها مجلة روز اليوسف التى لا توزع أسبوعيا إلا قرابة 1000 نسخة على أكثر تحديد .

وما كتبه سرايا يناقض الحقيقة والواقع بـ  360 درجة .

وأجدني غير مبالغ ولا مسرف حين وصفتهم "بالمستنقعيين" أو "أعضاء مدرسة المستنقع". فإفرازاتهم الأساسية تدور حول محاور ثلاثة رئيسية هي:

1ـ تلميع الحاكم وكبار رجال الحكم والحواريين والمناصرين .

2ـ تبرير أخطائهم، حتى لو بلغت حد الخطيئة.

3ـ الهجوم الضاري على جماعة الإخوان، وطبعًا يستعملون البديل وهو "المحظورة".

وهذه المحاور الثلاثة لها حضورها الدائم في كتابات هذه المدرسة، ولكنها تأتي بصورة ضخمة متورمة فيما يكتب السيد أسامة سرايا، وخصوصًا الهجوم على جماعة الإخوان، فهم في نظره إرهابيون ، وما زالوا يهددون مصر والاستقرار المصري...

ألستم معي في أن الحزب الوطني " تجمع منفوخ منفوش " ، زعموا أنه يمثل الأغلبية الساحقة . وكل مواطن يعلم علم اليقين أن قادته وكباره يستحلون التزوير والكذب والنفاق والجري وراء المنافع الذاتية في ظل حكم بوليسي دكتاتـوري غاشم .

ولك الله يامصر .... لك الله .