أغمض عينيك... ووقّع

صلاح حميدة

[email protected]

في الفترة الأخيرة كانت كل التصريحات الصادرة عن حماس تحديداً، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن التوقيع على المصالحة الفلسطينية بات قاب قوسين أو أدنى، وفي الوقت الذي كانت حماس تبدي فيه تفاؤلاً كبيراً، كانت المصادر المصرية التي تعتبر نفسها أنها الوسيط ( النزيه) صامتة، وكانت الأوساط الفتحاوية صامتة أيضاً، ولم يكن في الأفق أي تلميح أو إشارة إلى قرب التوصل الى ما يطمح له الكثير من الفلسطينيين.

هذا التفاؤل، وذاك الصمت، أثار في نفوس الكثيرين، الكثير من الشك والريبة، الموجودة أصلاً، فلماذا لم يتكلم المصريون؟ ولماذا لم يعبّر الفتحاويون عن تفاؤلهم كما حماس؟ وما الذي كان مخبّأً ولا يعرفه الكثيرون؟.

تم التكتم على نتائج الحوارات التي كانت تجريها حماس مع المخابرات المصرية نيابة عن حركة فتح، وتم تغييب الكثير من الفصائل والفعاليات عن هذه الحوارات بقصد مصري واضح، ولكن ما إن ظهرت في الاعلام الورقة المصرية التي دعيت حماس وفتح للتوقيع عليها، حتى حصلت المفاجأة!.

  فهذه الورقة هي نفسها التي عرضت من قبل، والتي كانت مرفوضة من قبل حركة حماس ومن يسير معها على نفس النهج  من القوى السياسية الفلسطينية، فإذا كانت حوارات شهور تمخضت إلى العودة إلى نقطة الصفر، فعلى ماذا كان يتحاور المتحاورون؟.

لم يكن من السهل فهم ما الذي جرى، خاصة وأنه كان من الواضح أن حماس المتفائلة، فوجئت بالورقة الجديدة، ومثلما قال القيادي فيها أسامة حمدان:-  ( بين ليلة وضحاها، أصبحت السبع ورقات ثمانية وعشرون ورقة؟! وغابت بنود متفق عليها؟! وحضرت بنود لم يتم الاتفاق عليها  أوالتطرق لها؟!).

فهل الذي جرى خارج السياق العام للتعامل المصري مع حماس؟ وهل النظام المصري الحالي حليف للمقاومة الفلسطينية أو عدو لها؟ وهل هو طرف في النزاع الداخلي الفلسطيني؟ أم هو وسيط نزيه بين الخصمين؟ وهل هو حقاً يريد الوحدة الفلسطينية الداخلية على أسس وطنية؟ أم يريدها على أسس تتوافق مع الخط السياسي الذي ينتهجه؟.

من الواضح لكل ذي لب، أن النظام المصري لم يكن، ولن يكون حليفاً ولا نصيراً ولا وسيطاً نزيهاً، فالنظام المصري هو نظام كامب ديفيد، والنظام المصري عدو الاخوان المسلمين الاول، ولن يقبل أن يقام لهم كيان مهما صغر أو ضعف على حدوده، وهذا النظام نظام أداة مقابل معونات وقراره السياسي مرتهن للخارج، ولا يقدر على أي دور مستقل بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، وهذا النظام يمد الدولة العبرية بالغاز بأسعار أقل من التكلفة، ويعتبر هذا الدعم أكبر من المعونة الأمريكية السنوية للدولة العبرية، حسب مسؤول سياسي ألماني كبير قبل أيام، وهذا النظام رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الفلسطينية، ودعم كل من رفض الاعتراف بها، وحاصر تجربتها، ويعمل ليل نهار على إسقاطها، وإسقاط من فازوا فيها، وهو يحاصر الغزيين في قوتهم ومقاومتهم، ومن أرضه أطلقت شرارة الحرب على قطاع غزة، ودوره أثناء وبعد الحرب لا يزال ماثلاً للعيان، حتى أن هناك من يعتبر أن هذا النظام - لو استطاع - لمنع عن الغزيين  الهواء، وهناك من يرى أنه لو تسمح له اتفاقية كامب ديفيد بإدخال الجيش المصري إلى سيناء، لاقتحم القطاع الغزاوي  وذبح المقاومين هناك وانتقم منهم لصمودهم تحت القصف والحصار.

إذاً ما الذي جرى في الأيام الحوارية السابقة؟ ولماذا جاءت التخريجة بهذه الطريقة؟

من الواضح أن النظام المصري يهمه من القضية الفلسطينية عدة قضايا، لا تقع قضية التمسك بالثوابت والوحدة الوطنية الفلسطينية الحقة بينها، فما يهم هذا النظام هو عدة قضايا:-

أولاً:- تصفية القضية الفلسطينية، بأي ثمن، وهو يرى أن الفرصة مواتية لذلك، للخلاص من الصداع الفلسطيني، كما يسمونه.

ثانياً:- القوى المقاومة للاحتلال  تعتبر عدو استراتيجي لهذا النظام، وهو يعتبرها عبءً وليست ذخراً،ولذلك فهو لم يعترف بها ويرفض التعاطي معها إلا بما يضمن له ترويضها ومن ثم القضاء عليها.

ثالثاً:- هذا النظام يعتبر ما يطلق عليه الاسلام السياسي خطراً وجودياً عليه، وبالتالي فهو يتعامل مع من يحملون هذا الفكر أينما كانوا على أساس هذه الاستراتيجية، أما معسول الكلام، فيخفي وراءه خناجر مسمومة.

رابعاً:- القرار السياسي لهذا النظام مرتهن للقمح الأمريكي العابر للبحار، وبالتالي،  لا يمكن أن يحيد  هذا النظام - المصاب بلوثة التوريث في العالم العربي -  عن إرادة  من يملك خبزه وقرار تثبيته في كرسيه، وبالتالي فهو عدو عدو الأمريكان.

خامساً:- يعيش هذا النظام عقدة الزعامة العربية، ولكن على طريقة احتكار الملف الفلسطيني، وهو هنا يحاول أن يضع كل ثقله في هذا الملف لإرضاء الأمريكان، فقد فقد دوره في أغلب الملفات العربية والاقليمية، ولم يعد يقدر على ممارسة أدوار أخرى لخدمة السياسة الامريكية، سوى ما يمارسه من قهر الجغرافيا على المقاومة الفلسطينية، ومد الدولة العبرية بالغاز بأقل من التكلفة.

سادساً:- من الواضح أن ما كان يجري في جولات الحوار في القاهرة،  هو كسب للوقت فقط، أو ما يطلق عليه تنويم بالعسل، لهدف ما، وهناك من قال أن الهدف كان بأن يتم المماطلة حتى يحين موعد الانتخابات، وعندها ستوضع حماس أمام قرارين، إما أن تخوض الانتخابات على المقاس العربي، وخاصة على الطريقة المصرية، ويلحق ذلك إبادتها في غزة، أو أن يحدث ما جرى الآن ويتم الاعلان عن الانتخابات بدون حماس، وفي المحصلة تخرج حماس من اللعبة السياسية مؤقتاً، حتى يجد هؤلاء جميعاً طريقة للتخلص منها بشكل نهائي، هذا إن لم يكونوا قد أعدوا لذلك خطته.

فكل تصريحات قادة حركة حماس، كانت تقول أنهم لن يدخلوا انتخابات بلا تهيئة للأجواء لها، وتهيئة الأجواء هذه لها أثمان، قد ينتج عنها فوز جديد لحماس يبعثر كل ما حاولوا ترتيبه، وللمصالحة على الحقوق والثوابت أثمان، قد لا ترضي الكثيرين، وقد لا يريد غيرهم دفعها، وكان واضحاً تصريح المبعوث الأمريكي قبل الاعلان عن الورقة الأخيرة، حيث قال (أن أي حكومة وحدة، أو أي توافق داخلي، يجب أن يتم وفق شروط الرباعية)  وهذا بالتأكيد إجهاض لأي توافق حقيقي بين الفلسطينيين، وقد يكون هذا التصريح، وهذه الزيارة المفاجئة، وراء  التصاعد المفاجىء للهجمة الاعلامية والميدانية والسياسية على حماس.

فقد كان من الواضح لكل من قرأ الورقة المصرية التي سربت للاعلام والتي يراد إجبار حماس على التوقيع عليها، أنها ببساطة انتحار سياسي وفيزيائي لا أكثر ولا أقل، وتنازل عن القرار بكافة أشكاله وإعطاء توكيل مفتوح لخصومها، ولا يمكن أن يوقّع عليها إنسان سوي، فضلاً عن تنظيم كبير بحجم حماس له هياكل ومؤسسات، فحماس لا تملك خيارات، حماس مخيرة بين الموت والموت، بين الحصار والسجن، وفي النهاية ( لا يملك أياً كان أن يجبرها على التوقيع وهي مغمضة عينيها،و التوقيع بعيون مغمضة أصبح من الماضي، والتهديدات وتنفيذها لم يعد يجدي مع حركة كحماس، وليست حماس من تتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني تحت التهديد ) كما قال علي بركة أحد قياداتها في لبنان.