مثلثة الشر تطبق على الشعب السوري
الاستبداد الأسدي - والتطرف الذرائعي -
والمؤامرة الدولية
زهير سالم*
كان خلاص الشعب السوري من جلاده حالة فوق الحلم ، والناس إلا قليلا قد استسلموا لأقدارهم ، وتعايشوا مع محنتهم ، وأسلم القريب والبعيد سورية وما فيها ومن فيها لحافظ الأسد ومن ثم لولده بشار . لا ينسى السوريون أبدا مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية وهي تدوس كل القيم والمبادئ الأمريكية والإنسانية وتخطو إلى دمشق لتسلم الوريث القاصر مقاليد دولة وطن وشعب أراده العالم بل ظنه قطيعا من الأبقار . ولا ينسى السوريون أبدا أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك كان عراب المستبد الصغير فاستقبله في قصر الإليزية وهو مجرد ( ابن الرئيس ) ، ولا ينسون أن الرئيس الفرنسي ساركوزي تعهد بإعادة تأهيله بعد اغتياله للرئيس الحريري ففتح الإليزية مرة أخرى ( لرئيس ) وصفه سلفه بأنه ( كذاب وقاتل )
في لحظة تاريخية لا تنسى لمع البرق فخطف الأبصار ، وتفجرت الثورة ، وأعطى الشعب السوري فما أكدى ، مما سيكرس في التاريخ الإنساني كأنموذج لأروع الصور لثورات الشعوب الحية ما كتب تاريخ الإنسان . انطلقت الثورة السورية كما أرادها ثوارها الشباب : إنسانية وطنية سلمية ، ولكن ما زال مكر الليل والنهار يحيط بها من كل الفرقاء الدوليين والمحليين بلا استثناء حتى دفعت إلى مستنقع الدم ، حيث قدم السوريون أروع الأمثلة في التضحية والبطولة والفداء ..ومازال الجاحدون ممن حولهم في ذلك يتمارون .
تقدم جمهور الثورة وحملتها و نكصت جميع القوى السياسية العاملة على القضية السورية في الداخل والخارج عن الوفاء بالاستحقاقات ، والارتقاء إلى أفق الثورة ، وأخذ زمام المبادرة لقيادتها وتقديم ما يحتاجه الثائر ، وتأمين المتضرر ؛ فقد استطاعت مثلثة المكر والشر أن تحكم الحصار على مشروع الثورة وحلم الثوار ..
منذ البداية استنفر المستبد الفاسد بخيله ورجله ، ورسم أولوياته ، ووضع استراتيجياته، واختار حلفاءه وأصدقاءه وحدد أعداءه ، وفتح المدى أمام وسائله فلا ضابط ولا رابط ، وانطلق تحت غطائين الأول من شركائه المباشرين من الروس والإيرانيين والطائفيين ، والثاني من تواطؤ المتواطئين وصمت الصامتين وتربص المتربصين بالثورة ورجالها ؛ فارتكب مع أشياعه كل شنيعة وداس كل قانون وانتهك كل قيمة واستهتر بالإنسانية والإنسان ولا أحد يسأله ماذا فعل ؟ ولا كيف فعل ؟ ، فقتل واعتقل وانتهك وشرد ودمر ولا إنكار إلا رماد يذر بالعيون ، ودخن تخفى تحته الحقائق . قريبا من اثنين وأربعين شهرا والمسلسل مستمر ، وحرب الإبادة التي يشنها بشار الأسد وحلفاؤه على الشعب السوري بكل وسائلها البدائية والعصرية ما تزال مستمرة متصاعدة لا أحد يرى فيها عنفا ولا إرهابا ولا عدوانا ولا جريمة تستحق موقفا يوازيها ..
وعلى المستوى نفسه ، وفي إطار مكر قوى الشر والاستبداد والفساد تسلل إلى بنية الثورة السورية ، بعد أن مهد لها الماكرون الأسباب ، قوى متطرفة منغلقة أراد منها الممهدون لها أن تكون الذريعة لعدوانهم ، والشفيع لجرائمهم ، وبينما عجز أصحاب البيت الحقيقيون عن الاحتفاظ بمكانهم وحماية حقيقتهم ، استطاع هؤلاء المتطفلون المتسللون أن يكونوا ، وأن يصبحوا ثم يضحوا ثم يظهروا ثم يمسوا هذا الذي أراده المستبدون وسعى إليه الفاسدون ، فإذاهم من وجه خنجر الظهر ، المفتت للجهد ، وإذا هم من وجه آخر الستارة الحمراء يتستر بها ( مصارع الثيران ) فيهيج من ثيران المجتمع الدولي من يعلم فيه بقية شهوة للنطاح ، فتتم عملية التحويل وتنتقل المعركة في المنطقة من معركة بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والعدل والظلم ، والجمال والقبح ؛ إلى معركة بين المستبد وظله أو بين الثور الهائج وستارته ...
ومنذ اليوم الأول للثورة السورية ، وقبل أن يحمل الثائر السوري حجرا ولا عصا ، ومنذ أن كان يهتف للسلمية وللوحدة الوطنية وللحب والإخاء ؛ وقف المجتمع الغربي بزعامة الولاية المتحدة من الثورة السورية موقف المتشكك والمشكك فرسيس الثقافة الشوهاء المشوهة في نفوس ( أحفاد الصليبين ) تأبى أن تقر ( لأحفاد ) الذين تصدوا للمعتدين ، وطردوا المحتلين بحق ، وأن تعترف لهم بفضل ، أو أن تسمح لهم أن ينعموا بأمن أو بأمان أو أن يتنسموا الحرية ويعيشوا الكرامة الإنسانية ، وأن يشاركوا في حكم أنفسهم وبناء حضارتهم فقعدوا لهذه الثورة كل مرصد ، وتربصوا وكادوا ودوّموا وكذبوا وتآمروا وما زالوا بهدف إسقاط الثورة ، وإضعاف حراكها ، وقطع الطريق على أبنائها . وما تزال دوامة الشر تعصف ، وما يزال مكر الليل والنهار يحوك شراكه شركا بعد شرك حتى كان آخر الأمر هذه الدعوة لحلف مريب يراد منه التوطئة لإخضاع المنطقة لمحوري تل أبيب وطهران ..
وهكذا تحاصر الثورة وثوارها بطاحونة للشر والقتل مثلة الأذرع فذارع يقوم عليه بشار الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون والطائفيون ، وذراع يقوم عليه وكلاؤه من أهل التطرف المحدودين المنبتين ، وذراع يقوم عليه موكلوه وحماته من تحالف الشر أجمعين ..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية