حزب الشعب الديمقراطي السوري يدعو إلى مصالحه تاريخية
حزب الشعب الديمقراطي السوري يدعو إلى
مصالحه تاريخية
من أجل سورية ديمقراطية حديثة وعادلة، قادرة على التحول إلى دولة لجميع مواطنيها، وعلى حماية استقلالها حزب الشعب الديمقراطي السوري يدعو إلى مصالحة تاريخية بين التيارات الأساسية لشعبنا تقطع مع الاستبداد يتوجه المؤتمر السادس لحزب الشعب الديمقراطي السوري– إلى المواطنين السوريين، وإلى جميع القوى السياسية التي ناضلت ضد الاستبداد ومن أجل الديمقراطية، وإلى القوى الأخرى القابلة بهذا الخيار، للعمل معاً من أجل الوصول بالبلاد إلى وضع جديد، تقطع فيه مع الاستبداد، وتطوي صفحة الماضي القريب بكل آلامه ومآسيه، وتتلاقى على القواسم المشتركة لبناء سورية حديثة، ديمقراطية، قادرة على حماية استقلالها والنهوض بمجتمعها.
نتوجه بهذا النداء إلى شعبنا الذي يعرفنا كطرف رئيسي من قواه التي طالها البطش والقمع. لقد أمضى أعضاء حزبنا ربع القرن الأخير من حيواتهم في السجون وفي أقبية التعذيب أو في التخفي وفي المنافي.. بيد أنهم يتحلّون بذات الشجاعة التي تحملوا بها وقاوموا ذلك الظلم، لكي يتوجهوا، اليوم، بهذه المبادرة:
أثبتت التجربة التاريخية لبلادنا، في مراحل صعودها وهبوطها، أن التحول الديمقراطي هو المدخل الأساسي في مشروع الإصلاح والتغيير السياسي، لبناء دولة حديثة. يقوم نظامها السياسي على عقد اجتماعي جديد، يعتمد التعددية وتداول السلطة سلمياً، دولة يتمتع جميع مواطنيها بذات الحقوق والواجبات.
لم تكن القوى الأساسية التي أثرت في الحياة السورية، ما بعد الاستقلال (باستثناء الليبرالية)، ديمقراطية التكوين، في الفكر كما في الممارسة، وفي علاقات أعضائها التنظيمية. كان لكل منها مشروعها العقائدي لتفرضه على الشعب وتستأثر بالسلطة وتقمع الآخر. ونحن، كجزء من تلك التيارات، نقر بقسطنا من مسؤولية هيمنة الفكر الشمولي في الحياة العامة، بعد أن أُجهض التطور الديمقراطي في بلادنا. وإذا كان يحق لنا، أن نسجل أننا أخذنا منذ أكثر من ربع قرن بمبدأ مراجعة هذا المشروع والقطع مع جوهره الإقصائي، فإننا نؤكد هنا تمسكنا بهذا المبدأ، بعملنا المستمر على تجاوز هذا المشروع عبر تجديد وعينا، وإدانتنا لكل المشاريع الإقصائية التي تحملها القوى الأخرى. لقد منعنا حلمنا النبيل بالعدالة الاجتماعية من رؤية كيف أن هذا الحلم أخذ يتجسّد في الواقع على صورة دولة شمولية قمعية.
إننا ندعو القوى الأخرى القومية والدينية واليسارية، لمشاركتنا في بث روح نقدية، تتطلب من الذات قدر تطلبها من الآخر. فلنتطلع إلى المستقبل، بعيون أخرى، ناقدين، معاً، رؤى الماضي وتجاربه الأليمة، في بلادنا وفي العالم كله. ليس لأي حزب أو تيار حق الادعاء بدور استثنائي يمنحه الحق في قيادة الدولة والمجتمع. وليس لأحد الحق في نبذ الآخر واضطهاده وسلبه حق الوجود والمشاركة في الوطن. على هذه الأرضية يمكن أن ننظر بوجوه بعضنا البعض، ونفتح صفحة جديدة في التاريخ السوري، صفحة ندشنها بحوار وطني شامل لصوغ عقد اجتماعي بديل، يجسده دستور ديمقراطي، يجعل المواطنة معياراً للانتماء، وتقره جمعية وطنية منتخبة في مناخ التوافق الوطني. لقد عبرت القوى والأحزاب السياسية المعارضة كافة، وحركة المثقفين الوطنيين الديمقراطيين، وفعاليات المجتمع السوري، الاقتصادية والاجتماعية، عن شعور عال بالمسؤولية طوال السنوات الخمس المنقضية، حين طالبت مبكراً بالإصلاح السياسي، وبادرت إلى طرح مشروع "المصالحة الوطنية". لكن السلطة سدّت المنافذ في وجه جميع هذه المبادرات وأظهرت عن عمد أن الأمر لا يعنيها، وعادت إلى أسلوب القمع من جديد. هذه التطورات، مع تعاظم الضغوط الدولية والعربية، وضعت البلاد أمام مفترق طرق عسير. فهي، في حال استمرار وتيرتها، تهدد بدفع الأوضاع إما إلى حال من الانهيار والفوضى، وإما إلى تغيير يأتينا محمولاً من الخارج. لكننا نتطلع إلى خيار ثالث، يقوم على إمكان تقدم شعبنا ليأخذ مصيره بيديه. ومع أن هذا الخيار يبدو ضعيفاً في الظاهر، بسبب حالة التهميش والسلبية اللتين يعيش الشعب تحت وطأتهما، بفعل نهج السلطة السائد، وبسبب إهمال القوى الديمقراطية واسترخائها وعجزها عن إعادة التواصل مع حواملها الاجتماعية، غير أن حالة الاحتقان القائمة المترافقة مع رفض الواقع، تجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ باللحظة التي يمكن أن ينفجر فيها هذا الاحتقان. إن تطلعنا إلى هذا الخيار، ورهاننا عليه، نابع من إيماننا بأن شعبنا هو المؤهل لإيجاد الحلول، وهو القادر على الدخول على خط التغيير الذي يحقق مصالحه ويضع خطاه على مسار مستقبله المنشود. بالاستناد إلى هذه الرؤية، وللحفاظ على ضمان هذا الخيار، نؤكد ضرورة العمل على وحدة الشعب، وعلى توافق المعارضة على برنامج مشترك، يضمن الحلول السلمية للعقبات التي يمكن أن تعترض هذا الخيار، ويدرأ أي انجرار لأشكال من العنف غير المتوقع، ويصون استقلال البلاد.
إن وحدة الشعب واستقلال البلاد، لا يكفلهما سوى التغيير الوطني الديمقراطي الذي يأتي محمولاً على قوى الشعب ومن خلالها. أمام هذا المفترق، وفي هذه الظروف المصيرية، تتحدد المهمة الأولى لنا جميعاً، بالعمل على تفعيل مضمون هذه المبادرة، بإقامة حوار للوصول إلى برنامج مشترك لقوى المعارضة بجميع مكوناتها، يفتح الطريق أمام مؤتمر وطني، ويضع الأسس للتغيير الديمقراطي، ويدعو، من ثم، إلى جمعية وطنية تأسيسية تتمحور مهمتها على وضع دستور جديد للبلاد، ديمقراطي وعصري، يقطع الطريق على المغامرين الذين يمكن أن يعيدوا الاستبداد بأشكال جديدة. ولا يخفى علينا أن هناك عقبات كبرى تقف في وجه هذه المبادرة وتعمل على تأخيرها: تشتت القوى المعارضة، وإصرار النظام على إغلاق الأبواب في وجه التغيير المطلوب، والعوامل الخارجية الضاغطة التي لا تأخذ في حسبانها مصالح الشعب والبلاد.
لهذا، يتوقف نجاح هذا الأمر على ضمان شرطه الأول ومبدئه الأساس: وحدة المعارضة ومن يقبل من أهل النظام بهذا المخرج للوصول بالبلاد إلى برّ الأمان. إن التغيير الوطني الديمقراطي هو الوحيد القادر، بعد التجربة الطويلة، على تأسيس نظام وطني غير ملتبس الشرعية أو ضعيفها، قادر على استعادة أرضنا المحتلة في الجولان، وتمكيننا من القيام بقسطنا في دعم الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق أهدافه الوطنية، ووضعنا على سكة العمل القومي المشترك. هو الوحيد أيضاً الذي يعيدنا إلى ملاقاة الحركة العالمية من أجل السلم والحرية والديمقراطية والتنمية، ومن أجل حماية البيئة ومواجهة قوى العولمة المتوحشة التي تزداد شراسة وعدوانية. بديل هذا المخرج، كما نراه، تعمق أزمات البلاد وخروجها عن إمكانية السيطرة. وهو بديل يجب أن نخشاه ونعمل على درئه متعاونين. ليس لأحد القدرة على منعه منفرداً، مهما توهم قوته. مسؤولية كل طرف تتحدد بتقويم دوره في تأسيس الحالة الراهنة والاعتراف بنصيبه فيها، والتعاون مع الآخرين في البحث عن البديل المتجسد في مفاهيم سياسية جديدة، غير تلك التي سادت في معظم سنوات ما بعد الاستقلال. يحق لشعبنا الذي شبع أوجاعاً وأثخنته الجراح أن يعيش حياة مطمئنة بعيدة عن الخوف. من أجل حياة كهذه، نتوجه بهذه المبادرة، من أجل الحاضر والمستقبل، من أجل عودة سورية وطناً حراً لكل أبنائها، تردم هوة التخلف وتستعيد مكانتها التاريخية. المؤتمر العام السادس لحزب الشعب الديمقراطي السوري