النقاب والأقصى وجولدستون
جولدستون |
عبده مصطفى دسوقيباحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث[email protected] |
لقد تزامن ولأول مرة من مرات اقتحام العصابات اليهودية لساحات المسجد الأقصى أن تثير مصر وخاصة من اكبر شخصية دينية قضية من القضايا التي يهدف من ورائها صرف نظر الناس عن قضية أهم وأعظم فقد أثار شيخ الأزهر قضية فقهية فيها أقوال كثيرة اقل ما فيها – إن لم تدخل في نطاق الدين- أنها ليست ضد قانون الدولة أو على الأقل تدخل تحت قانون الحرية الشخصية التي يكفلها القانون وهي قضية النقاب.
فقد فوجئنا بهجوم شيخ الأزهر على فتاة صغيرة في المرحلة الإعدادية وهو مكفهر الوجه لينزع عنها نقابها بالرغم من توضيح مدرستها له موقفها، وغضب غضبة لم يغضبها للأقصى الأسير لا الآن ولا من قبل حينما سئل عن الحفريات التي تتم أسفل المسجد فما كان من رده على مذيعة قناة الجزيرة إلا بقوله حفريات إيه؟ أنا غير متابع للأحداث فلم يكن على دراية بهذه الحفريات بالرغم من أنها ظاهرة للعيان.
وليس ذلك فحسب ففي نفس التوقيت ومع بداية الدراسة في الجامعة فوجئنا بقرار وزير التعليم العالي بمنع دخول المنقبات المدينة الجامعة والذي تزامن مع قرار شيخ الأزهر وكأن هؤلاء الطالبات أول مرة يرتدين النقاب وكأننا أول مرة نرى منقبة في مصر أو في الجامعة أو في غيرها من الأماكن.
ولا أرى من وراء هذا القرار في هذا التوقيت المتزامن إلا أن وزير التعليم يريد أن يشغل الطلبة والعالم في أول العام عن التفكير في التظاهر أو التعبير عن غضبهم ضد ما يفعله اليهود نحو المسجد الأقصى، بالإضافة انه يريد أن يشغل الطلبة بقضايا فرعية عن القضية الجوهرية للأمة وهي قضية الحفاظ على القدس إسلامية، والأقصى ثالث الحرمين، وكأننا هنا في مصر أصبحنا نتعاون مع سياسة إسرائيل التي تريد تطبيقها في فلسطين من خلال مصر ونظامها.
ياشيخ الأزهر ويا وزير تعليمنا، فالقول بأن النقاب بدعة سيئة فيه غلو وتجاهل لأحكام الشرع القولية والعملية على حد سواء -كما يقول العلماء- وكذلك القول بأن النقاب فرض واجب فيه تجاوز وتحميل للنصوص غير ما تحتمل.
فقد اتفق العلماء على فرضية الخمار وهو كل ما يستر جسد المرأة عدا الوجه والكفين، ولا يصف ولا يشف عما تحته، ولا يكون فيه تشبها بالرجال، واختلفوا حول النقاب وهو ما يستر كل المرأة سوى عينها، فقال بعضهم هو واجب أو فرض، وقال بعضهم هو مباح أو مندوب في بعض الحالات، ولكن لم يقل أحد من أهل العلم الراسخين أنه بدعة أو محرم.
والأولى ترك الناس وما يريدون، فمن اكتفت بالخمار فلا إثم عليها، ومن أرادت النقاب فلا اعتراض عليها، فالنقاب موجود بصرف النظر عن كونه فرضا أو مباحا، فالنقاب مباح في الأمور العادية، ومندوب إذا خشيت الفتنة.
فلا أرى من وراء هذا القرار من هنا في هذا التوقيت إلا التغطية على ما يحدث للمسجد الأقصى من انتهاكات لليهود الذين يقومون بين الحين والأخر بعمل شيء يستطلعون به رد فعل العالم الإسلامي حتى يصلوا لغرضهم المزعوم وهو نقض المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، وبالفعل رأينا بعض الجمعيات اليهودية تطالب بنقض أحجار المسجد الأقصى ونقلها إلى مكة المكرمة.
وليس ذلك فحسب أيضا سيكون لقرارك يا شيخ الأزهر أثره الاستراتيجي وسيكون ذريعة لباقي الدول العربية والغربية من اضطهاد المحجبات والملتزمات في بلدهم بحجة أن اكبر مرجع ديني أفتى بذلك.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقد أصبحت المصالح الشخصية هي التي تتحكم في مصير الشعوب الآن فلم يتحرك شيخ الأزهر أو وزير التعليم إلا بناءا عن استراتيجيه وخطة موضوعة للتصدي لكل مظاهر الحياة الإسلامية بالإضافة لشغل الناس عما يحدث فى فلسطين وغيرها من الدول الإسلامية المحتلة، حتى تكون غزة فريسة سهلة لليهود الذين يجهزون لمحاولة أخرى للانقضاض على غزة وتدميرها بمن فيها، فنرى ان مصر فتحت المجال أمام الأمريكان والغرب ليراقبوا الحدود بينها وبين إسرائيل، وليدمروا الأنفاق ويحكموا الحصار ويقتلوا كل من يساعد الشعب الأعزل فى غزة، كل ذلك من اجل بعض مصالح الساسة ورجال الأعمال مع أمريكا أو إسرائيل الذين لا يهمهم شعب أو وطن، كما فعل أبو مازن رئيس السلطة التى من المفترض ان يتصدي لما يحدث لشعب غزة على الأقل بحكم أنهم رعاياه.
لكن وجدناه يسارع أسرع من البرق بان يطلب من الأمم المتحدة تأجيل عرض تقرير جولدستون ومناقشته في وقت يتجرع أكثر من مليون ونصف الجوع والتشرد وعدم الحصول على اقل متطلبات الحياة من الطعام، في الوقت الذي ينعم أبو مازن ومن معه بأفخر أنواع الطعام والثياب، لا لشيء إلا ان إسرائيل طلبت منه ذلك لأن التقرير كان سيفضح انتهاكاتها فى حرب غزة- وإن كانت هذه الانتهاكات واضحة للجميع ولا يحتاج لتقرير من ورق أو اجتماع أمم وغيرها لكنها الرسميات- وهددت بما تم بينه وبين باراك أثناء حرب غزة من ضغطه على أيهود باراك بخوض الحرب ضد غزة بمن فيها، ونسى ان فيها أهله – وهذا جحود منه لهم- ونسى أن فيها أتباعه –وهذا تنصل منهم وقت الشدة-، وفيها شعب ارتضاه رئيسا لهم فى لحظة للدفاع عنهم، بل الأدهى من ذلك التسجيل الذي فضح مستشاره الطيب عبدالرحيم الذي اخذ يحث اليهود على دخول الحرب وحتى لو أدى ذلك لإبادة شعب بأكمله لأنه اختار حماس في انتخابات -اقل ما فيها أن العالم بأجمعه شهد على نزاهتها- ونسى أن هذا الشعب الذي اختار حماس برضا نفس هو الذي اختار من قبل أبومازن ليكون رئيسا للبلاد برضا نفس أيضا، فما التغير في الموقف لدى هذا الشعب، أم أنه كان المفترض على هذا الشعب أن يختار الفتحويين فحسب حتى يرضى هؤلاء العملاء لليهود في ثوب فلسطيني عنه.
لقد وقع أبو مازن والطيب وكل من وضع يده في يد اليهود -من أجل مصلحته الشخصية على حساب شعبه أو من اختاره برضا نفس- في أخطاء جاسمة تهوي به في مزبلة التاريخ، وساروا خلف من وصفهم الله بأنهم اشد فقها وعقلا فقال تعالى: {لأنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}[ سورة الحشر: 13، 14].
ولذا غيب أبومازن وهؤلاء السادة والقادة عقولهم ليلبسوا عقول يهودية ليعامل شعبه الذي اختاره في الانتخابات.
لقد ضحى أبو مازن ومن معه من اجل أن يتستر عليه اليهود ولا يفضحونه بذلك الشريط غير أن اليهود لا عهد لهم ولا ذمة ووضعوا أبومازن في وضعه الصحيح أمام شعبه والشعوب الإسلامية، لكن مع ذلك يصر الرجل إلا أن يقدم كل غال ورخيص من اجل السادة اليهود فيصر على عدم مناقشة التقرير في سبيل أن يوافق اليهود لابنه على مد شبكة المحمول الجوال وكأن مصير شعب صار هباء في سبيل رضى هذا الطفل المدلل الذي يفزع من صوت الأذان أو صوت رصاص المقاومة لليهود، لكن هذا الطفل يتلذذ بصراخ أطفال جياع في غزة، وصوت شاب يعذب في معتقلات اليهود أو معتقلات والده ما دام ذلك يصب في جيبه ومصلحته، هكذا تعيش أنظمة على حساب شعوبها.
والأدهى والأمر أن هذه الأنظمة كلها أصبحت متبلدة لا تشعر بها، وكمموا أفواه شعوبهم بالأزمات والانتكاسات حتى لا يلتفتوا لقضايا الأمة الكبيرة.
إن الإستراتيجية الآن تحث الشعوب أولا على التخلص من أنظمتها الني أصبحت عاجزة عن إصلاح أو الدفاع عنها، حتى يسهل لهذه الشعوب الدفاع عن باقي حرماتها ضد اى مغتصب.. قل عسى أن يكون قريب.