إمارة عباس الظّلامية
مخلص برزق*
راق لمحمود عباس في خطابه الأخير الذي أعقب فضيحة تأجيل "تقرير جولدستون" وخطابه في الجامعة الأميركية بجنين أن يستخدم وصف الإمارة الظلامية للحكومة الفلسطينية –الشرعية- برئاسة رئيس الوزراء الشرعي إسماعيل هنية والتي تمارس مهامها في غزة في الوقت الذي تحرم من أداء واجباتها في الضفة الغربية بسبب الانقلاب الذي قام به عباس بتنصيب حكومة فياض –اللاشرعية- الموجهة فعلياً من قبل الجنرال الأميركي كيث دايتون وقادة العدو الذين ينسقون أمنياً معه.
لم يكن مستغرباً أن يستخدم عباس وصف الظلامية كونه عبدٌ مسلوب الإرادة لرغبات أسياده الذين اختاروه وفضّلوه على خيارات أخرى لعملاء وخونة عرضوا تقديم خدماتهم للإدارة الأميركية والقيادة الصهيونية فوقع الاختيار عليه وقام الرئيس الأميركي سيء السمعة والصيت جورج بوش بفرضه على ياسر عرفات، وأرغم عرفات على اختراع منصب رئيس الوزراء له وانتزعت الصلاحيات انتزاعاً من عرفات لصالحه تمهيداً لدور فصل على مقاسه ضمن خطة متكاملة شملت اغتيال عرفات وتغييبه عن الساحة الفلسطينية لصالح عباس..
استخدام وصف "الإمارة الظلامية" هو جزء من التركة التي ورثها عباس عن بوش الذي غادر المشهد السياسي "بالجزمة" فهو الذي جعل هذا الوصف لحكم طالبان مبرراً للاحتلال الأميركي لأفغانستان وقتل مئات الآلاف من الأبرياء تحت ذريعة محاربة الإرهاب الظلامي!!
ترى هل كانت مجرد مصادفة أن تضرب صورة عباس بالأحذية في غزة من قبل بعض أهالي الضحايا الذين فرط عباس بحقوقهم وتواطأ مع العدو لإنقاذ قيادات الاحتلال المجرمة المتورطة بارتكاب جرائم الحرب في العدوان على غزة من الإدانة والملاحقة في المحافل الدولية.. لم تكن تلك مصادفة عابرة ولكنها كانت جزء من جردة حساب أولية بحق الطغاة صغروا أو كبروا دون أن يعفيهم ذلك من الحساب والقصاص العادل.
خلال سقوطه المدوي الحالي في غياهب الجب الذي حفره بنفسه بسياساته الخيانية، وفيما الظلام مطبق عليه في جب الخونة والمجرمين، فاته مشاهدة الأنوار السنية لستة عشر ألف حافظ وحافظة لكتاب الله رعتهم وكرّمتهم وشدّت من أزرهم الحكومة الفلسطينية الشرعية في غزة.. فيما حكومة عباس- فياض تحارب الأخلاق والفضيلة وتجلل ضفتنا الحزينة بالظلام والظلمات من خلال رعاية حفلات الرقص المعاصر ورعاية المناشط الفاجرة كافتتاح معرض"هندسة الجسد" في رام الله الذي حوى عشرات اللوحات الفاضحة العارية وذلك إبان العدوان الصهيوني الوحشي على غزة!!
لم يكن مستغرباً أيضاً أن يصف عباس من أحرجه وكشف زيفه بالظلامية بعدما رأى شعبنا والعالم أجمع أن أولئك المحاصرون في قطاع غزة (أكبر سجن في العالم) هم الذين استطاعوا أن يحرروا أسيراتنا من غياهب السجون الصهيونية ويخرجوهم إلى أنوار الحرية التي طالما وعدهم بها عباس كذباً وزوراً..
كانت صفقة 20 مقابل 2 التي تم من خلالها تحرير 20 أسيرة فلسطينية من مختلف الفصائل والقوى مقابل دقيقتين لشاليط ذكّر بهما العالم أنه ما يزال بيد السواعد القوية التي لا يزيدها بطش الآلة العسكرية الصهيونية إلا صلابة وإصراراً وتمسكاً بحقوق شعبنا. صفقة انبعثت معها أنوار الآمال من القابضين على الزناد في قطاع العز لتصل إشعاعاتها إلى بيوت أهالي الأسرى في أرجاء فلسطين بقرب تمتعهم بالحرية التي فشل عباس وزمرته عبر عشرات اللقاءات المحرمة مع قادة العدو من الإفراج عن أحد منهم.
أنوار تلألأت من قطاع غزة قابلها ظلم وظلام وظلمات مارستها – وما تزال- أجهزة "عباس – فياض" الأمنية المجرمة بحق شعبنا عندما عاجلت الكثير من الأسرى المحررين بالاعتقال، وقامت بكل دناءة وحقارة بسجن المئات في مسالخ عباس – فياض الدايتونية ثم التنسيق مع أجهزة العدو كي يتم اعتقال كثيرين منهم بمجرد خروجهم من معتقلاتهم.. ظلماتٌ ملأت قرى ومدن الضفة الحزينة بعدما ملأت صرخات المعذبين بسياط الخونة والمجرمين الفضاء دون أن يهز ذلك شعرة لدى عباس الذي اكتفى بتشكيل لجان وهمية للتحقيق بجرائم القتل البشعة التي ارتكبتها أجهزته في سجونه المظلمة.
إنها بحق ظلمات الإفك والكذب التي برع عباس في نسجها على شعبنا فبات كالببغاء الذي لا يحسن إلا ترديد عبارات لا رصيد لها من الحقيقة كتلك التي كررها مراراً حول قيام حركة حماس بإلقاء الناس من الطوابق العليا خلال الحسم العسكري ورددها خلفه نظيره في الكذب الرئيس الأميركي السابق بوش، تلك العبارة التي اعترف توفيق أبو خوصة بأن أجهزة أمن الرئيس هي التي ألقت ب"حسام أبو قينص" من الطوابق العليا ظناً منها بأنه من حماس بسبب إطلاقه للحيته وهو ما أكده والد المغدور أيضاً!!
ما يزال عباس يردد بطريقة بلهاء مقولة موافقة حماس على الدولة مؤقتة الحدود مقابل هدنة طويلة الأمد.. تلك الكذبة التي اخترعها هو والجوقة المحيطة به في الوقت الذي أكدت جميع قيادات حماس ألا تنازل عن الحد الأدنى مما توافقت عليه الفصائل في وثيقة التفاهم التي وقعت عليها الفصائل الفلسطينية عام 2006، وقد أحسن القائد المجاهد خالد مشعل عندما أعلن في خطابه الأخير أمام ضيوف "ملتقى الجولان" بأن حماس تعتبر كل فلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها ومن شمالها إلى جنوبها أرضاً محتلة يجب طرد الاحتلال منها وألقم عباس بطرحه هذا حجراً في فمه وأخرس أفواه المزايدين على حركة حماس الذين ودوا أن تدهن وتداهن كما داهنوا وتتنازل كما تنازلوا وتخون كما خانوا!!
أما آخر افتراءاته وأكاذيبه الرخيصة فقوله إن قيادات حماس فروا إلى سيناء بواسطة سيارات الإسعاف خلال العدوان الصهيوني الأخير على غزة وأن الآخرين اختبأوا في الأقبية!! وقد أحسن الأخ أسامة حمدان بتذكيره ببطولات حرسه الرئاسي عندما خرجوا بملابسهم الداخلية لحظة وصول قوات الاحتلال إلى سجن أريحا لاعتقال أحمد سعدات الذي جنت عليه مروءة الرئيس الغائبة ووطنيته الكاذبة..
ومع يقيننا بأن أكاذيب عباس أتفه من أن تنطلي على ذي عقل ولب إلا أن التذكير بأن دماء وزير الداخلية الشهيد سعيد صيام هو والقائد نزار ريان تشهد على الدرك الأسفل الذي انحدر إليه، وهو من هو؟ إنه الذي ارتضى لنفسه أن يحيا رهين أقبية المفاوضات المظلمة مع قيادات العدو يأكل طعامهم ويشرب شرابهم وينام ويقوم معهم وفي أحضانهم.
ولأن حبل الكذب أقصر من أن "يتشعبط" عليه شخص متخم بالكذب كعباس فإن فريته الأخيرة ستجلب له سخط المصريين الذين يعوّل عليهم الكثير في الوقوف معه ضد حركة حماس، فهم لن يقبلوا أن يتهمهم الصهاينة بتوفير مأوى آمن لقيادات حماس إبان الحرب على غزة أو أنهم يغضون الطرف عن تحركات لقادة حماس فيها انتتهاك للسيادة المصرية على أراضيها في سيناء على حد زعم عباس!! سترفع تلك الكذبة مؤشر الغضب عند المصريين عليه بعدما لسعهم بإصراره على تحميلهم مسؤولية تأجيل التصويت على تقرير جولدستون في مجلس حقوق الإنسان.. الأمر الذي نفاه أبو الغيط بشدة وتمسك بعدم علم بلاده بالقرار إلا بعد صدوره!!
وإذا كان عباس يحاول الخروج من مأزقه وانفضاح أمره بالإيعاز إلى مندوبه في جنيف بطلب إعادة التصويت على تقرير جولدستون، فأحسب أنه لن يسلم أيضاً هذه المرة من انتقاد الصهاينة وغضبهم وهو ما بدا واضحاً من خلال ما نقلته إذاعة جيش العدو عن مسؤول أمني كبير قوله أن "إسرائيل" ستعاقب السلطة الفلسطينية في حال قيامها بالعمل على تمرير تقرير غولدستون والمتوقع إجراؤه الجمعة القادم في جنيف حيث قال المسؤول: "إن السلطة تراجعت عن موقفها السابق بفعل الضغوط الشعبية وضغوط "المتطرفين" مؤكداً أن "إسرائيل" لن تمر مرور الكرام على أي إدانة قد تحصل "لإسرائيل" في جنيف". وقال أن رسالة بهذا المعنى وصلت إلى قيادة السلطة في رام الله "وعلى هذا القيادة أن تدرك أن مصلحتها ومصيرها ومستقبلها السياسي والاقتصادي مرتبط بالتعاون مع "إسرائيل" في محاربة الإرهاب الفلسطيني" حسب زعمه.
إنها النتيجة الحتمية لمن يرهن قراره بيد أعدائه ويشهر سيفه في وجه أبناء شعبه ليحظى بمصافحة من رئيس أميركي وقبلة من وزيرة خارجية وألقاب فارغة لا تنتهي..
عزاؤنا في ذلك كله قراءة أحداث قريبة جداً إلينا، فقد كان هناك في زمن ما شيء ما اسمه أولمرت، لا نكاد نسمع عنه الآن شيئاً بعد أن لحق بسلفه شارون إلى مزبلة التاريخ، ومثله أيضاً الشيء القبيح المسمى بوش، الذي غاب عن المشهد الإخباري وما عاد أحد يذكره إلا بزوج أحذية يطارد رأسه الممتلئ إجراماً وشراً..
أما ثالثهما الذي التصق بهما كبزاقة بائسة تحمل قوقعتها الحلزونية فوق ظهرها تعبيراً عن حمله خرائط الطرق الملتوية والملتفة ليكون بحق "الممثل الشرعي -وليس الوحيد- على شعبه"!!
ذلك الشيء الثالث ليس إلا رئيس السلطة المنتهية ولايته، المتواصلة مخازيه، المستطير شره، الخائن للدين وفلسطين ودماء الجرحى والشهداء والأسرى والمجاهدين. المحبط لتقرير القاضي جولدستون "كرمال عيون" بني صهيون. إنه يسير سريعاً نحو نهايته البائسة بعدما احترقت كل أوراقه وأصبح عبئاً على حلفائه قبل خصومه.. لن يعبأ به النتن ياهو ولن يبالي به أوباما ولن تذرف مصر عليه الدموع بعد أن يركله الشعب الفلسطيني وتبصق عليه جماهير شعبنا ويلعنه اللاعنون من شرفاء الأمة وأحرار العالم.
* كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.