العهر في التباكي على المصالحة

وليد رباح

[email protected]

في ادبيات المقاومة ايا كانت مصادرها .. وحتى في الحياة العامة .. ان لا يجتمع الضدان على وفاق .. بل يظل الاختلاف  بينهما حتى لو التقيا مرحليا .. تماما مثلما هو خط سكة الحديد في التباعد المحسوب .. فان اجتمعا فذلك يعني تدهور القطار وموت الركاب .. لذا فهما خطان متوازيان لا يلتقيان ابدا .. 

ومثل ذلك المقاومة والسلطه .. فلا مقاومة مع سلطة سواء كان معترفا بها دوليا ام لا .. ولا سلطة مع مقاومة حتى وان امتلكت المقاومة كل اسلحة الجيش الكلاسيكي بما فيها القنابل النووية .. فهما متضادان لا يلقتيان ..  فان التقيا يوما فذلك يعني ان هناك خطأ يجب تصحيحه ..

وفي مثل الحالة الفلسطينية .. فان خللا اصاب الوفاق الوطني الذي كان مقررا له ان ينجح لو ظلت حماس خارج السلطة .. فمجرد دخولها الى ذلك الوباء فقد اصبحت موافقة على سيئة الذكر ( اوسلو ) حتى لو عارضته في وسائل اعلامها .. فالوفاق يعني في تلك الحالة  موافقة ضمنية على مسار التعارض .. وفي الوقت نفسه قبول السلطة الفلسطينية بعضوية حماس في حكومتها وبرلمانها يعني انها توافق على الخط المقاوم في حماس ..  وقد اجتمع الضدان في هذا الوفاق مما احدث الانقلاب المسلح الذي اطاح بالسلطة في غزة .. وجعل حماس حائرة بين المقاومة والسلطه .. وقد تنبهت ( حركة الجهاد الاسلامي) لهذا الامر فابتعدت عن السلطة والتصقت بحماس في فترة ما للحفاظ على خطها المقاوم  وادرجت باقي الفصائل بين رافض وموافق فاصبحت تلك الفصائل غير ذات فاعلية تذكر وظل اعلامها فقط هو الذي يحدد مسارها .. أكثر من ذلك .. اصبحت عالة على النضال الفلسطيني مع احترامنا للشهداء الذين سقطوا منها ..

وفي ظل هذا التعارض وتلك الفوضى التي طالت العقول الفلسطينية قيادة وشعبا ..  ظل جزء مهم من الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقرا لها ولا تفعل شيئا سواء كان سياسيا او مقاوما ..  سوى ان تظهر على الفضائيات  وتصرخ  منتقدة هذا ومؤيدة ذاك  وكله في مجمله كلام ردىء لا يقنع احدا  مما يدل على انتهاء دورها ويجب عليها ان تنزاح عن الساحة او تتحول الى احزاب معارضة في الخارج  ان لم تستطع الدخول الى قلب الحدث في الضفة الغربية او غزه .. والمشاركة في الفعل الفلسطيني سواء كان سلبيا او ايجابيا .

وعلى مسار هذا الحدث .. لم يقتنع الشعب الفلسطيني بما يجري .. وتأتي القناعة من بعضه ان هذا ينضم الى فصيل يراه محقا فيصفق له .. ويأتي التصفيق عادة نتيجة الكبت والقمع أو النفع الذي تحلت فيه السلطتان في رام الله وغزة معا .. فقد رأينا ولمسنا ما جرى للمقاومين في الضفة الغربية من حبس وتضييق وتعذيب .. كما رأينا ايضا ما جره الانقلاب والانقسام على الفصيل الاخر  وما بثته الفضائيات من ذل ومهانة لذلك الطرف والعصي المتواترة على رؤوس المتظاهرين والمعارضين لسياسة الانقسام ..  وفي العادة يبرر كل طرف ما يجري على انه احداث فردية لا علاقة له بالسياسة العامة لذلك الفصيل .. مع اننا على يقين أن كلا الطرفين يقومان  بهذا التضييق كسياسة ممنهجة مدبرة تهدف الى شل الطرف الاخر واجباره من خلال القمع على الاعتراف بما لا يرغب .. بمعنى اوضح ان الدكتاتورية التي تتحلى بها رام الله .. والقمع الذي تتحلى به غزه .. يلتقيان اخيرا كضدان في اذلال الشعب الفلسطيني رغم ما يتحدثان به في اعلامهما انهما ينفذان اجود معاني الديمقراطية التي كنا نتندر عليها في الوطن العربي يوم كان الرئيس يحصل على مجمل الاصوات تزويرا وانتهاكا لحرية وفكر وخيار الانسان .

والاتهامات المتبادلة في هذا الشأن اصبحت مقرفة ومقززه .. فالقيادات الفلسطينية في رام الله وغزه .. تعرفان تماما أنهما على خطأ .. ومع كل ذلك فانهما يدافعان عن ذلك الخطأ او الخطيئه .. تلك الخطيئة المتعصبة الرافضة لكل الحلول التي تجمع الشعب الفلسطيني في بوتقة واحدة .. وحجة كل منهما في ذلك ان هناك نهجا للسلام وآخر للمقاومة .. مع انهما سويا قد اصبحت فيهما المقاومة اعلامية فقط ..وانهما يسعيان لكسب ود هذا او ذاك من خلال المنفعة ومن خلال غرس الروح العدائية التي انتفت فيها ملامح التناقض الرئيس مع العدو الاسرائيلي  واصبح التناقض الرئيس من الذي يحكم غزه .. ومن يحكم رام الله .. فترك العدو يجوس خلال الارض يمزقها ويهودها كيفما يشاء  وكرست وسائل الاعلام في كلا الطرفين  نهجا مقرفا  جعل الشعب الفلسطيني خاصة في مواطن الشتات يهزؤ حتى من نفسه .. فبعد ان كنا في تلك المواطن نفتخر بفلسطينيتنا اصبحنا نبتعد عنها كأنها الجرب .. ولا تقولوا ان هذا رأي الكاتب فقط .. فمن يقل ذلك تابع لاحد الفصيلين ( الرداحين) ولا ينتمي للشعب الفلسطيني . وفي كل ذلك سخرت ألية الاعلام الفلسطيني سواء كان ضفاويا او غزاويا للشتيمة والردح  والاتهام وكل منهما يخون الاخر ويلقي باللوم عليه .. مما افقد القرار الفلسطيني استقلاليته التي سادت ثم بادت .. واصبح كل طرف منتم لاجندات خارجية تفرض شروطها وسياساتها رغم نفي الجميع ذلك .. فسلطة رام الله تتلقى مساعداتها واجندتها ومصروفاتها التي لا تنتهي من الاطراف الامريكية والاسرائيلية الى حد ما والاوروبية في معظم المجمل .. وسلطة غزه تتلقى ايضا  موازناتها من اطراف خارجية أهمها ايران وبعض الاطراف في جماعات الاخوان المسلمين وبعض دول الخليج التي ما فتئت تدعمها تأكيدا للانقسام الذي لا ترغب في حله لانها مستفيدة من ذلك الامر ..  وغدا كل فصيل عبئا على الشعب الفلسطيني بكامله .. ذلك الشعب الذي لا يستطيع الكلام والا فألة القمع متوفرة والحمد لله .

ولقد تبارى الكتاب والصحافيون ( الذين يميلون بارائهم نحو هذا او ذاك نتيجة للنفع ايضا ) في تبرير الخطايا التي يرتكبها اولئك ..

فكتاب رام الله يصفون ادارتها بانهم الهه العصر .. وكتاب غزة يصفون  ادارتها ايضا بانهم ينفذون  اوامر الهية لا يجوز القفز عليها .. مع انهم في رام الله ليسوا آلهة وانما هم بشر يخطئون حينا ويصيبون اخرى .. وانهم في غزة لا ينفذون امرا واحدا من اوامر الله بل ينفذون ما تأتي به المنفعة .. رغم اكداس الضحايا والاف الارامل والشهداء والتدمير المريع الذي حدث .. وكانت المقاومة فيها مفروضة وليست اختياريه .. كانت دفاعا عن النفس امام عدو متغطرس متعطش للدماء لا يرعوي ولا تهمه  اللحوم البشرية الممزقة .

ورغم اننا كتبنا فيما سبق في هذا السياق فقد تلقينا نقدا مرا باننا نساوي بين  الفعل المساوم والفعل المقاوم .. وكأننا بلهاء لا نعرف ما هي المساومة وما هي المقاومه .. فكلاهما في نظرنا مساوم  يطبق وجهة نظره على انها مقاومه .. فسلطة رام الله خلعت كل ملابسها امام ما يسمى بدولة فلسطينية .. وسلطة غزه خلعتها ايضا ولكن بالقطعة تنفيذا لاجندات تكسب فيها سياسيا ولا يهمها في ذلك ما يجري .. فقيادتهم وقوادهم ورؤساء فصائلهم يعيشون حياة لا نقود مرفهة ولكنها عاديه .. ولكن باقي الشعب في غزة يعيش عيشة اقرب ما تكون الى عيش انسان الغاب في العصر الحجري ..

ثم من بعد ذلك جاء تقرير ( جولدستون ) لكي يضع الاصبع في داخل الجرح  ويتقلب فيه يمينا ويسارا ويوسع دائرته.. صحيح قد ارتكبت السلطة الفلسطينية خطأ فاحشا بل جريمة متعمدة بناء على وعود وردية لم ولن تنفذ.. ولكن حماس اتخذت من ذلك التقرير ( قميص عثمان ) واتجهت نحو الردح  وأخرت توقيعها على المصالحة.. وقد كانت تنتظر فرصة مشابهة لكي تتنصل من الوفاق ان كان هناك ما يمكن ان يسمى وفاقا قادما ..  وبحجج واهية تنسى حماس ان مجرد دخولها السلطة مشاركة مع سلطة رام الله في زمان ووقت ما .. موافقة ضمنية على اوسلو كما اسلفنا ..  وبذا انتفت مقولة ( المقاومة ) من قاموسها فعليا .. وظل ( يناضل ) اعلاميا . ويضاف الى ذلك موافقتها على التهدئة مع العدو فيما سبق  جريمة الحرب على غزة .. وما بعد وقف اطلاق النار الاخير .. فهل هنالك مقاومة ترضى بتهدئة .. ان كل ادبيات القتال تقول غير ذلك ..

حتى لو حدثت تلك المصالحة في هذا الوقت فانها تكون مصالحة هشة تبدأ في القاهرة وتنتهي عند حدود الحواجز الاسرائيلية في باطن الضفة واطراف غزة .. لذا فان التباكي عليها امر يدخل في صيغة الاعلام الممنهج .. اما نتائجها فلن تكون بالقدر الذي يتوقعه الفلسطينيون .. فطالما كان التناقض الرئيس مع العدو الاسرائيلي قد شطب من قائمة الطرفين .. فان المصالحة ايضا سوف تشطب بعد لأي من قائمتهما .. وتعود حليمه الى عادتها القديمه .. الا اذا كانت المصالحة على اسس يتفق عليها الطرفان .. فاما مساومة واما مقاومه .. اما مساومة مع مقاومه .. فان ذلك يعني ان نعود الى المربع الاول .. واننا نخض الماء لكي نستخلص منه اللبن .. فهل تقبل عقولنا ان الماء يمكن ان يصبح حليبا .. اجيبونا .