العرب:لا نريد خير إيران نريد اتقاء شرّها

العرب:

لا نريد خير إيران نريد اتقاء شرّها

 

د. أديب طالب *

[email protected]

ثمة إجماعٌ سوري ولبناني وعربي وحتى أميركي وأوروبي على إيجابية القمة السعودية ـ السورية في دمشق.

السوريون، ومهما اعترضوا أو اختلفوا حول طبيعة النظام السوري، فهم مرحبون بأي ومتفقون على أي خطوة تقلل من الفرقة العربية، وبالذات مع المملكة العربية السعودية. وقد ورد في الأثر الشريف "ما اجتمعت أمّتي على ضلالة". وقد تمنى بعض المعارضين من السوريين، على خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبدالله؛ أن يتدخل لإيصال بعض الحق الى الشعب السوري في الحرية، رغم أن قمته في دمشق الاموية مع الرئيس السوري بشار الأسد لا علاقة مباشرة لها بهكذا مواضيع. ولقد أثنى أغلب المعارضين على القمة، مع أنهم لن يستفيدوا بشكل مباشر منها. المعارضة السورية، قومية عربية، ترى أن قمة أحلامها القومية هي الوحدة العربية، والقمة لحظة راهنة في تلك الأحلام، والمعارضة السورية، سقف مطالبها المحلية، تغيير وطني ديموقراطي تدريجي، يشكل مدخلاً لبعض الحرية والعدالة والمساواة، وهذا لا يتعارض مع أي قمة عربية أو تنسيق عربي. وأرجو ألا يفهم إخوتنا في الوطن "الكورد وباقي مكونات المجتمع السوري على اختلاف أعراقهم ومذاهبهم ودياناتهم وطوائفهم"، أن حلمنا بالوحدة وترحيبنا بالقمة، ضد حقوقهم المشروعة.

أعتذر لأني بدأت الكلام عن القمة، بالسوريين. فأنا سوري أولاً وآخراً، وأتمنى أن تكون سوريا وطن العروبة ووطن الحد الأدنى من الحرية والعدالة والمساواة.

النظام السوري ورغم حلفه الاستراتيجي مع إيران نجاد ـ خامنئي؛ لا يصحّ معه ولا يصلح له أن يتخلى عن عمقه العربي قومياً وجغرافياً واقتصادياً وحتى سياسياً، ولو أن هذه "السياسة" تحمل رقم أربعة. العمق العربي للنظام السوري، وبعد تقلّص عزلته الدولية نسبياً، ضمانة مهمة له حتى لا يتغول حليفه عليه، وحتى لا يحوّله تابعاً، لا شريكاً، ودمشق العظيمة لم تكن عظيمة يوماً إلا لأنها كانت عاصمة الأمويين بكل ما تحمل هذه اللفظة من معان حضارية عروبية تاريخية، وحس جمعي بالفخر عند كل السوريين.

النظام السوري، بعد أن رضخت إيران لرغبة المجتمع الدولي بتخصيب اليورانيوم خارج أراضيها واثر حذرها من عقوبات قاسية، أو عدوان إسرائيلي على منشآتها النووية، هذا النظام ـ وبفعل ذاك الرضوخ الإيراني ـ استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله العربي، بقمة هي قمة الحفاوة بين القمم.

ما يجب على النظام السوري، بعمقه العربي الذي شهدت له القمة به، وباعتبار حلفه الاستراتيجي مع النظام الإيراني هو أولاً أن يقنع نجاد والمرشد خامنئي أن يكفّا العرب شرّ تدخلات إيران في شؤونهم، وثانياً أن يكفي العرب ـ على الأقل ـ محاولة الملالي اللعب بالورقة الفلسطينية، فوق طاولة مفاوضاتهم مع الأميركيين أو تحتها (بالمناسبة اعترض الإيرانيون على خالد مشعل، لأنه قال "الخليج العربي" ولم يقل "الخليج الفارسي" في واحد من أقواله)، وثالثاً أن يحدّ النظام السوري من تهديد إيران لاستقرار العراق، ورابعاً أن لا تستثمر طهران طائفيتها في منع استقرار لبنان وعرقلة إقامة حكومة وحدة وطنية فاعلة وقابلة للحياة وقادرة على البناء والإعمار، وأن لا تتخذ إيران تلك الطائفية في تحقيق رغباتها في الاطلال الاستراتيجي على المتوسط، متلاعبة بذلك بأمن وجغرافية لبنان والمنطقة كلها.

بإمكان النظام السوري أن يرشّد النزعات الإمبراطورية ـ باتجاه العرب ـ لدى القادة الإيرانيين، وأن يكون جسر تفاهم معهم على الحدود السياسية والمصلحية بينهم وبين الأمة العربية. فيكفي العرب اتقاء الشر.

النظام السوري يعي جيداً، أن أي ورقة تفاهم إيراني أميركي مفيدة له كحليف لإيران، ويعي أيضاً أن ورقة كهذه لا يجب أن تكون على حساب مصلحة العرب، خصوصاً أن سوريا واسطة العقد العربي وفيها ألقه التاريخي، وفي ذاك العقد أمنها ومستقبلها، ولعل القمة السعودية السورية في دمشق، ونجاحها وإيجابيتها تعبير عن ذلك الوعي عند الملك والرئيس.

اللبنانيون، أقليتهم وأكثريتهم والصامتون المتعبون فيهم؛ أجمعوا على إيجابية القمة السعودية السورية، وعلى مفاعيلها في الإمساك بأمورهم والسرعة في تأليف حكومتهم الوطنية، وبالقدر المعقول لفاعلية "الخارج"، وبحقهم ـ كل اللبنانيين ـ في لبنان حر وسيد ومستقل. وفي دولة ـ برئاساتها الثلاث ـ ليبرالية ديموقراطية آمنة ومستقرة، وهذا عكس ما تفعل وتخطط وتحارب من أجله دولة العدوان الإسرائيلي.

حتى ولو لم يكن الأميركان على نفس درجة الترحيب العربي والسوري واللبناني بالقمة السعودية السورية؛ فإن هذه القمة إن استمرت مفاعيلها الإيجابية، فإنها تقول للأميركان والإيرانيين وللعالم كله، إن العرب قد يقدرون على الإمساك بشؤونهم بعيداً عن الوصايات ووفق مصالحهم.

               

*معارض سوري