الموصل تحتضن شهداء جسر الأئمة

د.محمد سالم سعد الله

الموصل تحتضن شهداء جسر الأئمة

د.محمد سالم سعد الله

[email protected]

أستاذ الفلسفة والمنطق والفقه الحضاري / جامعة الموصل

عُرِف أبناء مدينة الموصل ـ وبقية مدن العراق كافة ـ بالتكاتف الاجتماعي ، وبالتآزر الروحي والواقعي بين المجموع في السراء والضراء ، وقد سجل التاريخ صفحات مشرقة وناصعة في هذا الإطار ، مبينا جوانب من التلاحم الشعبي ، والصلة الوثيقة ، والقيم الرائعة التي تربط مكونات اللحمة العراقية قديما وحديثا .

وقد حاول الأعداء المستعمرون ومرتزقتهم على اختلاف مسمياتهم ، إحداث خلل أو فجوة في هذه اللحمة العتيدة ، التي تربط الشعب العراقي بأواصر من المحبة والود والاحترام والثناء والتقدير ، وتجسدت هذه الأواصر في ملاحم القتال ـ عبر التاريخ ـ للذود عن تراب هذا البلد وطرد الغزاة والمحتلين عنه ، وبالرغم من دعوات التشويه التي تعتري مسيرة هذا الشعب لا سيما بعد سقوط بغداد الثاني والى الآن ، لا زالت القيم التي تربى عليها العراقيون حاضرة وشاخصة ، ولن تهتز بريح السَّموم القادمة مع دبابة المحتل ، ومع ألسنة مرتزقته وعملائه .

وانطلاقا مما ذُكر آلمت كارثةُ جسر الأئمة العراقيين كلّهم ، وهبّ الجميع للمساعدة ماديا ومعنويا ، وأنقل صورة متواضعة من هذا الدعم من خلال مدينة الموصل ، التي عمدت مساجدها إلى التكبير وقت حدوث الكارثة دلالة على الحزن الكبير والمصاب الجلل ، فضلا عن أنّ هذه المساجد ـ وهي مساجد سنية ـ قامت بصلاة الغائب على أرواح الشهداء في هذه الكارثة ، ودعت المولى عزّ وجلّ أن يلهم أهليهم وذويهم الصبر والسلوان ، ولم تقف عند هذا الحدّ ، بل دعت المدينة أهلها إلى التبرع بالمال والذهب لعوائل الشهداء ، وأينما ذهبت في المدينة تجد الحديث هنا وهناك عن الحزن العميق والكبير لما حصل ، وقد حمّل أهالي المدينة الحكومة سبب هذه الفاجعة ، وذلك لتقصيرها في إجراءات الحماية اللازمة ، وعدم الإعداد لهذا الحدث الجلل إعداداً كافياً ، ومن الجدير بالذكر أنّ أمر الزيارة كان مشهوداً كل سنة قبل سقوط بغداد الثاني ، ولم نسمع أو نشاهد أيّ حادثة تقع لأي مواطن عراقي في هذه الأماكن ، وفي ذلك دلالة على الإعداد الجيد والدقيق الذي كان يجري قُبيل مراسم الزيارة وبعدها من لدن الحكومة السابقة .

وفي الختام يمكن القول : أنّ المدن العراقية هي مدينة واحدة ، يشعر أهلها جميعا بالفرح إذا كان الفرح موجوداً بأحدها ، ويعم الجميع الحزن إذا ألمَ بأحدها مصاباً ، فهي جسد واحد ، ومهما حاول الأعداء والمحتلون ، ومن لفَّ لفَّهم ، أن يقطعوا هذه السُبل فلن يستطيعوا ، لأنّ الشعب مدرك تماما حجم المشروع التخريبي الذي يُراد بهذا البلد وأهله