حروب إسرائيل الاستباقية

جميل السلحوت

[email protected]

اذا استثنينا حرب اكتوبر 1973 فان اسرائيل هي التي بادرت الى شنّ الحروب التي كانت طرفا فيها منذ قيامها في أيار –مايو- 1948 وحتى الآن، بل انها تعدت ذلك الى شنّ غارات والقيام باغتيالات بعيدا عن حدودها وفي أكثر من دولة. وحجتها دائما هي الأمن، والذي من خلال طاحونة الاعلام العالمية التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية تم تسويقه على اعتبار أن أمن اسرائيل مهدد في كل لحظة، وهذا ما تربي شعبها عليه، ونظرية الأمن الاسرائيلية لا يستطيع أحد حصرها والوقوف عليها، حتى أن كاتبا فلسطينيا كتب ذات مرّة أنّ اسرائيل قد تقوم بقصف مصنع أقلام في المغرب العربي بحجة أن هناك عسكريين يستعملون هذه الأقلام في رسم خرائط عسكرية.

 والذريعة الاسرائيلية حول الأمن لم تصدق يوما، بل العكس هو الصحيح، فاسرائيل لا تزال تحتل أراضي عربية، اضافة الى أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، ولديها ترسانة عسكرية قوية وهائلة، بل انها تمتلك أسلحة نووية، وهي من تهدد أمن دول وشعوب المنطقة، بل والسلم العالمي.

  واذا كان قادة اسرائيل لا يتعاملون مع السياسة إلا من نافذة طائرات الفانتوم، ومدافع دبابات الميركفاه، فهل استوعبوا الدرس من حربهم الحارقة الأخيرة على قطاع غزة؟ رغم أن هذه الحرب نتج عنها قتل وجرح آلاف المدنيين الفلسطينيين، وتركت خلفها مليوني طن من الركام. ودمرت البيوت الآمنة والمدارس والمساجد والمكاتب الصحفية، والبنى التحتية وغيرها. وكان العالم جميعه شاهدا على الجريمة من خلال الفضائيات التي كانت تنقل أخبار المجازر والمحارق أولا بأول.

وهل حققت غزارة وكثافة القذائف التدميرية الأمن لاسرائيل ولشعبها؟

 وبالتأكيد فان قادة اسرائيل لم يغيروا مواقفهم المعادية لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة، لأسباب عديدة، منها الدعم الأمريكي اللامحدود لها على مختلف الأصعدة، وهوان الأنظمة العربية اللامحدود هو الآخر.

 فحرب اسرائيل على لبنان عام 2006 أثبت لها أن القوة العسكرية مهما بلغت في بطشها لن تستطيع تحقيق الأمن، فقد طالت صواريخ حزب الله عددا من المدن والبلدات الاسرائيلية.

وجاءت الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ورغم الحصار البري والجوي والبحري على قطاع غزة منذ عام 2006، ورغم كثافة النيران الاسرائيلية وقوتها التدميرية الهائلة، ورغم المراقبة المشددة من الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع دائمة التحليق فوق القطاع، ورغم أجهزة الرصد البرية والجوية والبحرية، إلا أن ذلك لم يمنع صواريخ المقاومة الفلسطينية –وهي في غالبيتها صناعة محلية بدائية- من الوصول الى مختلف المدن والبلدات الاسرائيلية.

 فهل اتعظ أصحاب القرار السياسي في اسرائيل من ذلك؟ وهل ثبت لهم بطلان نظرياتهم "الأمنية"؟ فعلى سبيل المثال: هل حقق جدار التوسع الاسرائيلي الاحتلالي والمستوطنات الأمن والحماية للمدن والبلدات والشعب الاسرائيلي؟

ومع ذلك فان نتنياهو وحكومته اليمينية بدلا من الرضوخ لمتطلبات السلام العادل الذي يحفظ حقوق دول وشعوب المنطقة، فانهم وافقوا على وقف اطلاق النار والتهدئة مع قطاع غزة، تحت ضغط المجتمع الدولي، وبدأوا حربا مفتوحة في الضفة الغربية وجوهرتها القدس عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، تمثلت في مواصلة مصادرة الأرض الفلسطينية والبناء الاستيطاني عليها والاقتحامات والقتل وهدم البيوت.

 إن الخطيئة التي ارتكبتها السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية في المفاوضات تمثلت بقبول أمريكا كراع وحيد للمفاوضات، رغم معرفتهم المسبقة بعدم حيادية أمريكا وانحيازها الأعمى لاسرائيل، ورغم معزوفتها الدائمة بأن"أمريكا تقبل ما يتفق عليه الطرفان المتفاوضان" وما تحمله هذه المعزوفة من تجاهل للقانون الدولي وللشرعية الدولية بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي والتي سبق لاسرائيل وأمريكا أن وافقت عليها. ورغم معرفة الجميع بأطماع اسرائيل التوسعية، وأنه لا يمكن تحقيق السلام تحت اختلال ميزان القوى بين المتفاوضين.

 من هنا فان أيّ مفاوضات قادمة يجب أن تكون من خلال مؤتمر دولي تشارك فيه الدول الفاعلة في السياسة الدولية وتحت مظلة الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وكل الدلائل تشير أن الظروف الحالية مهيأة لذلك اذا أحسن العرب استغلالها.