السودان في طريق الانفصال والتفتيت

السودان في طريق الانفصال والتفتيت

المهندس طارق حمدي ـ بريطانيا
[email protected]

نجحت الحكومة السودانية في أن توجد أجواء الانفصال بين الشمال والجنوب عندما تخلت عن حماية المواطنين في الأحداث التي تلت مقتل نائب الرئيس، قرنق يوم 30/7.

 فبعد الإعلان عن مقتل جون قرنق يوم الاثنين 1/8 أصبحت الخرطوم حقيقة ساحة حرب كما وصفها مراسل جريدة الشرق الأوسط في 2/8. فقد قامت مجموعات من أهل الجنوب في العاصمة والولايات بارتكاب أعمال إجرامية فقتلت عشرات الأبرياء وجرحت الآلاف وتعدت على أموال الناس وممتلكاتهم. وقد استمرت حالة الفوضى في العاصمة وأطرافها زهاء ثلاث إلى أربع ساعات قبل أن تصل قوات الشرطة بتمثيل ضعيف إلى مواقع الأحداث ثم تدخل الجيش وانتشر في معظم الأحياء والشوارع الرئيسة فسيطر على الوضع. وفي اليوم التالي قامت مجموعات من أهل الشمال بأعمال انتقامية استهدفت أهل الجنوب، ولكن الانتشار الكثيف لقوات الشرطة والجيش مكّن من احتواء الموقف.

 إن حكومة الإنقاذ قد قصرت في توفير الأمن للناس، وهى تعلم أن أهل الجنوب من أتباع الحركة الشعبية عندما خرجوا في 8/7 ليستقبلوا قائدهم عندما أتى لاستلام منصب النائب الأول للرئيس ، قاموا بأعمال شبيهة بأعمالهم هذه، غير أن الشرطة احتوتها وفتحت ضدهم (24) بلاغا جنائيا، فكيف عندما يتعلق الأمر بموت هذا القائد؟؟؟ لذلك كان واجب الدولة أن تستعد بكامل قدرات الشرطة والجيش منذ أن علمت بخبر الوفاة لمنع مثل هذه الأحداث. وقد ذكرت صحيفة الحياة في 23/8 "إن والي الخرطوم الذي طالبه العديد من المواطنين بالاستقالة لأنه قد قصّر في حفظ الأمن قد رفض الاستقالة ولكنه تعهد بدفع ديات إلى اسر الضحايا وتعويضات إلى الذين فقدوا ممتلكاتهم" وحقيقة أن الحكومة السودانية هي التي يجب أن تقدم استقالتها وأن التعويضات والحديث عنها ما هي إلا تخدير لتهدئة الغضب ضد الحكومة. ولكن اخطر نتائج هذه الأحداث هي ازدياد البغض والتوجس بين أهل الجنوب والشمال وتوطيد فكرة الانفصال.

 إن تقسيم السودان إلى شمال وجنوب هي خطة استعمارية تطبيقا لسياسة فرق تسد وقد بدأتها بريطانيا (عندما كانت تستعمر السودان) عام 1922 عندما أوجدت ما يسمى بالمناطق المغلقة في الجنوب. فمنعت الشماليين من الدخول إلى تلك المناطق وجعلت الإنكليزية اللغة الرسمية وحظرت انتشار الإسلام وانتشار عادات وتقاليد الشماليين. واستمرت الدول الغربية في هذا المخطط الاستعماري فساندت أميركا وأوروبا علنا وسرا حركات التمرد في الجنوب طوال الخمسين سنة الماضية بالمال والسلاح. وساعدت الحكومات المتوالية في السودان عملية الانفصال خاصة عندما أدخلت حكومة النميري قوانين سبتمبر  83 التي طبقت الحدود بطريقه بشعة وكانت ذريعة قرنق للاستمرار في التمرد في الجنوب. ووصلت حكومة الإنقاذ إلى الحكم في 89 وقطعت شوطا كبيرا في اتجاه الانفصال فقد ادعت تطبيق الإسلام والإسلام منها بعد بريء فحكمت بالنظام الراسمالي بثوب الإسلام وتركت أحكام الإسلام التي تكفل المأكل والملبس والمشرب للرعية فقد كانت الحكومة تستأثر بثروات السودان لزمرتها. ثم كانت اتفاقية السلام فأصاب الناس الذهول خاصة بعد أن فقدوا عشرات الآلاف من أبنائهم في الجنوب عندما كانت الحكومة تدعو للجهاد ضد قرنق فرأى الناس الحكومة تكافئه فتسلمه حكم الجنوب ومنصب نائب رئيس السودان. كل هذا جعل أهل الشمال قبل أهل الجنوب يضجون بهذا الظلم الذي تم باسم الإسلام.

 ثم جاءت هذه الأحداث فقوت دعوة الانفصال بين الشمال والجنوب، ولكن هل الانفصال هو الحل؟ فبالنسبة لأهل الشمال سيجدون أنه حتى ولو تم الانفصال فإنهم سيستمرون في العيش تحت حكومة الإنقاذ وسياستها الجائرة فستستمر معاناتهم فكيف يكون الانفصال هو الحل؟ وقد يقول قائل إن الأحداث الأخيرة بينت وجود كراهية بين الشماليين والجنوبيين فلذلك من الأفضل الانفصال ولكن السؤال ما سبب هذه الكراهية؟ هل ظلم الشماليون الجنوبيين أم ظلمتهم الحكومات؟ إن الحكومات المتتالية هي التي ظلمت كل مناطق السودان، فلذلك حل قضية السودان هو إقامة حكومة ترعى شؤون الناس بدلا من تقسيم السودان إلى دويلات هزيلة وضعيفة في الشمال والجنوب والشرق والغرب وهو عينه ما يريده الغرب ويسعى إليه ليحكم قبضته على البلاد والعباد ولنهب ثروات السودان من بترول ويورانيوم وذهب.