الصُداع الإسلامي عند الأسد

الصُداع الإسلامي عند الأسد*

بقلم: تسفي برئيل

مراسل الشؤون العربية 

(المضمون: القوى الاسلامية في سوريا وخاصة الاخوان المسلمين تزيد من نفوذها وقوتها وتتحول الى صداع رأس وتهديد متعاظم للنظام - المصدر).

اعتقال لؤي سكرا في تركيا باعتباره متهما في السعي لتفجير السفينة السياحية الاسرائيلية، لم يكن ليحدث على ما يبدو لولا وجود تعاون غير مسبوق بين عدد من وكالات الاستخبارات. حسب المصادر التركية كانت الاستخبارات السورية بالتحديد هي التي أرسلت المعلومات بامكانية اقامة سكرا في ديار بكر التركية. الاستخبارات الاسرائيلية أسهمت بمعلومات حول الأهداف المحتملة، والمخابرات التركية قطفت الثمار. سكرا يرتبط، حسب المعلومات، بمجموعة ارهابية تركية نفذت عمليات الكنيس في اسطنبول في عام 2003، وهو مرتبط بالقاعدة حسب النداءات التي كان يطلقها من خلف القضبان. الجانب الذي لا يقل أهمية هو جنسية سكرا السورية. هذه ليست المرة الاولى التي يقوم فيها مواطنون سوريون أو "ضيوفهم" بالعمل تحت لواء القاعدة أو كجزء من امتداداتها الاسلامية الراديكالية. فعلى سبيل المثال هرب المعتدون على الكنيس اليهودي في عام 2003 الى سوريا، ووجدوا مخبأ لهم عند رفاقهم الذين درسوا معهم في معاهد مدينة حلب. سوريا سارعت الى تسليم الفارين الأتراك لبلادهم، أما رفاقهم السوريون فقد تعرضوا للتحقيق في سوريا (من دون نتائج).

سوريا تستطيع أن تتفاخر بوجود صلة قرابة مع اسامة بن لادن. والده، محمد بن لادن، كان جاء لمدينة اللاذقية السورية في عام 1956 لادارة اعماله التجارية، وهناك تعرف على عالية غانم التي تنحدر هي الاخرى من عائلة سنية، لتتحول الى زوجته الرابعة والأخيرة. اسامة كان ابنها الوحيد الذي أنجباه، ومن ثم انتقلا الى السعودية. اسامة كان يأتي مع والدته الى اللاذقية في كل عام حتى يقضي فيها عطلته الصيفية حيث اعتادوا الاقامة في منزل خاله ناجي.

عندما أصبح عمر أسامة 13 سنة قُتل والده في حادثة مروحية وخلف لابنه 80 مليون دولار. أسامة انتظر اربع سنوات اخرى الى ان بدأ يدير شؤون والده في سن السابعة عشرة. وفي عام 1974 توجه اسامة الى عائلة والدته في سوريا حتى يأخذ عروسه نجوى غانم، ابنة الاربعة عشر عاما. نجوى سافرت الى السعودية وأنجبت لاسامة 11 طفلا من بينهم عمر الذي تحول في وقت لاحق الى رئيس ممثلية المؤتمر العالمي للشباب المسلم في امريكا. هذه المنظمة كانت تتحرك بحرية بايحاء وتمويل اسلامي سعودي، وكانت محط اهتمام الـ اف.بي.آي. بعد عمليات الحادي عشر من ايلول سمحت السلطات السورية لمحققي الـ اف.بي.آي بأن يأتوا الى حلب حتى يحققوا مع عدد من سكان المدينة الذين كان لهم صلة، حسب الشبهات، مع محمد عطا مخطط العمليات.

من الناحية الاخرى سمحت سوريا بمواصلة رجل الدين المتطرف، الشيخ محسن القاق، لنشاطاته والذي وزع أشرطته المسجلة في العامين الأخيرين ضد امريكا في شوارع بغداد. المعلومات تشير الى ان القاق قد وُضع رهن الاقامة الجبرية في منزله كجزء من إسهام سوريا في مكافحة الارهاب ولتهدئة الولايات المتحدة الامريكية التي تتهم  سوريا بعدم التصدي للارهابيين العابرين للعراق وبتشجيع الارهاب الاسلامي.

القاق قد يكون أبرز الدعاة ومن قادة المعاهد الدينية المتطرفة، ولكنه ليس الوحيد بالتأكيد. يُقدرون انه توجد في سوريا مئات المعاهد الدينية التي تمول السعودية بعضا منها والتي تعتبر بديلا تربويا للمؤسسات التعليمية الرسمية المنهارة، وتعتبر في ذات الوقت دفيئة للتربية الراديكالية. أحد المراكز الدينية الموجودة في دائرة التصويب من قبل النظام السوري الآن هو معهد الشيخ احمد كفتارو الذي يحمل اسم مفتي الجمهورية السابق الذي توفي في هذه السنة. في هذا المعهد يدرس 5000 طالب، 20 في المائة منهم اجانب وأكثريتهم اشخاص يخشى النظام من ان يصبحوا احتياطيا لانشطة المناهضة له أو للعمليات الارهابية الدولية. هنا ايضا يكمن التناقض الداخلي في سياسة سوريا تجاه المنظمات الدينية.

سوريا ليست دولة دينية من الناحية الرسمية، بل على العكس، إذ أن ايديولوجية البعث الرسمية هي علمانية صارخة. ولكن الجانب غير الرسمي أكثر أهمية. رعاية "المظهر الديني" بدأت في عهد حافظ الأسد. فبعد مجزرته ضد الاخوان في حماة في 1982 حيث قتل 10 آلاف شخص من جراء ذلك. بدأ الأسد ببناء مئات المساجد الجديدة حتى يظهر أنه ليس ضد الدين عموما والسُنة على وجه الخصوص. الأسد يحتاج في نظامه العلوي العلماني لشرعية مزدوجة. سواء كعلوي أو كعلماني، إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس الأب من إبقاء القانون 49 ساري المفعول والذي ينص على إصدار حكم الاعدام بحق كل من ينتمي لحركة الاخوان المسلمين.

التركة الدينية التي خلفها حافظ الأسد لابنه بشار قد تظهر الآن مثل مصيدة النار. الصحفيون الذين زاروا دمشق وحلب يتحدثون عن أن النساء المحجبات ظاهرة واسعة الانتشار في الشوارع والجامعات وأن المساجد تطل من كل زاوية وأن صلوات الجمعة أصبحت حدثا بهيجا يوقف النشاط التجاري حتى. هذه مظاهر جديدة في سوريا بسبب الضائقة المعيشية وغيرها من الامور.

المسألة الأهم هي أن الأسد يواجه حركة اسلامية قوية بدأت تسأل نفسها اذا كانت قادرة على تهديد الحكم أو اذا كان الأسد في المقابل قادرا على التحرك ضد الاخوان المسلمين كما فعل والده في حماة. في الاسابيع الأخيرة مثلا يجري "حوار الحرب" كما يسميه معلق سوري بين النظام وحركة الاخوان المسلمين. اذا كان بشار الأسد قد أبدى في بداية حكمه سياسة متهاونة مع الحركة وأطلق سراح الكثيرين من اعضائها، بل ودعا ممثليها للتحادث معهم لدرجة ساد فيها الانطباع بأن صفحة جديدة قد فتحت في علاقة الحركة مع الحكم - فقد تغيرت اللهجة كليا في الآونة الأخيرة.

قمة البعث التي افترض ان تلغي البند 49 قامت بالعكس تماما واعتبرت الاخوان المسلمين حركة غير وطنية، أي خيانية واتهمت قادتها بالتآمر مع امريكا ضد نظام الأسد. حسب شبهات الحكم أجرت الحركة اتصالات مع اللوبي اليهودي في واشنطن وانها هي التي تقف من وراء هجمة الادارة الامريكية اللفظية ضد سوريا في قضية الاصلاحات الديمقراطية.

الاخوان المسلمون من ناحيتهم لا يخافون ويواصلون هجماتهم على النظام من خلال شبكة الانترنت ويهاجمون الفساد المتفشي وعدم القدرة على اتخاذ القرارات وان هذا النظام يفقد شرعيته. ولكن من الصعب على الاخوان المسلمين حاليا أن يفعلوا شيئا يتجاوز هذه المقالات الوهمية. فهم لا يستطيعون تنظيم مظاهرات شوارع كما حدث في مصر، وسيف القانون 49 مسلط فوق رقابهم. ومن الناحية الاخرى يصعب على الأسد أن يحذو حذو والده في الوقت الذي تعتبر فيه ايران أقرب صديقة لسوريا، وحيث تعتبر السعودية من أكبر المستثمرين هناك.

لرجال الدين في سوريا أهمية كبيرة إذ يصغي لخطبهم في كل اسبوع قرابة 12 مليون انسان (من بين 19 مليون نسمة)، بينما لا توزع صحيفة "تشرين" و"الشعب" و"البعث" الرسمية إلا 60 ألف نسخة يوميا بالاضافة الى اربعة مسارح قادرة على عرض 27 مسرحية في السنة. هذا يعني أن قدرة الحكومة على التأثير على الجدل الجماهيري لا تقارن تقريبا بالقوة التي يتمتع بها الخطباء.

في السابق كان هناك خطباء "حادوا عن طريق الصواب" فطوتهم غياهب السجون، أما الآن فعلى النظام أن يقدم التنازلات في المجال الايديولوجي اذا ما أراد الحفاظ على شرعيته الدينية في ظل الميل الشعبي المتصاعد نحو الدين.

               

*صحيفة هآرتس الإسرائيلية