من الأطروحات النظرية إلى العمل
من الأطروحات النظرية إلى العمل..
سوسن البرغوتي
*دون الولوج في مقدمات مطولة وديباجات تفصيلية، تتناول ما حدث ويحدث يومياً في الضفة الغربية المحتلة على وجه الخصوص، بهدف تقزيم وتفكيك القضية الفلسطينية، والقضاء على كل الجهود الوطنية المخلصة وبعثرتها لتذهب أدراج الرياح، ومقابل الاستهتار واللامبالاة واستمرار تقديم خدمات للمحتل من قبل سلطة، منذ نشأتها عملت وتعمل على ضمان بقاء الاحتلال.
فإن التعبئة الوطنية لإعادة بناء منظمة التحرير مستقلة عن سلطة أوسلو وحكومة فياض المدعوم أمريكياً وصهيونياً ومن العرب التابعين لهم، تعطي لجميع الفلسطينيين في الداخل والخارج على حد سواء، الحق في التصويت لمشروع وطني مستقبلي، يجبّ برنامج النقاط العشر عام7419ووثيقة "الاستقلال" عام 1988 التي أدت إلى تخدير الشعب الفلسطيني واستغفاله لسنوات، تحت شعار موافقة الشعب الفلسطيني بتمثيل الغائب عن إصدار القرارات، والعودة للتمسك بالميثاق الوطني القومي الصادر عام 1968، دون أي تعديل، فهو وحده الذي يمثل الثوابت والحقوق للشعب الفلسطيني.
لقد تهاوت الأقنعة المشبوهة وسقطت في جحيم "المفاوضات حياة"، وتسويق المبادرة العربية على أنها الحل لإحلال السلام المزعوم مع مركز الثقل الاستعماري العالمي. ولم يعد متسعاً للوقت مع نفاذ صبر الفلسطينيين جراء سياسة النفس الطويل، التي تبدو أحياناً مرونة وانزلاق، مع العلم أن التكتيك الخاطئ يؤثر على الإستراتيجية السليمة ويسيء إلى تحقيق الأهداف.
لكن أمام كل التغيرات التي طرأت على القضية الفلسطينية لتعريتها من جذورها، لا بد من خطوات إجرائية على أرض الواقع، يتحد من خلالها العمل النضالي المقاوم المسلح مع النضال السياسي، يهدف الخروج من الحلقة المفرغة، ونهج التخريب الذي تمر فيه القضية.
وهنا طرح لنقاط محددة، بالإمكان البناء عليها وتطوريها، لإيجاد واقع ينطلق من الحقيقة المطلقة، بتحرير الأرض فلسطين كلها وعودة الشعب إلى دياره وبلده مستقلاً بعد التحرير:
أولاً- فصل سلطة محلية عن المنظمة، التي كانت تمثل إرادة الشعب في الكفاح المسلح لاسترجاع فلسطين كلها وليس مناطق وتبادل أراض مع المحتل.
ثانياً- محاصرة السلطة المحلية، تمهيداً لحلها، بتحضير برنامج سياسي مقاوم في الضفة الغربية المحتلة والقطاع، خاصة أن القائم الفعلي بأعمال "إسرائيل" دايتون، يثبت أن الاحتلال لم يخرج من الضفة، بل على العكس تماماً.
ثالثاً- القبول بالتعددية، والانفتاح على كل التيارات الفكرية والأحزاب السياسية، وحسم الخلافات بينها لتوفير اللحمة المطلوبة للعمل النضالي الصحيح، بمصالحة وطنية جادة تلتقي على قواسم وأهداف مشتركة على قاعدة الميثاق الوطني.
رابعاً- استقطاب طاقات عربية قانونية واقتصادية وسياسية، لإعادة بناء ما تم تخريبه عن قصد، بالعمل الجاد بعد استعادة المنظمة لتكون الممثل الشرعي الحقيقي لكل الفلسطينيين ومطالبهم المشروعة.
خامساً- إنشاء صندوق بتعاون عربي قومي وإسلامي، بإشراف لجنة نزيهة وشفافة تحاسب كل من تسول له نفسه، بالاستئثار والسطو على مال الشعب.
سادساً- بناء بنية تحتية في الداخل للتخلص من التبعية الاقتصادية للاحتلال، تشمل إقامة مؤسسات وجمعيات وطنية، في الضفة الغربية المحتلة والقطاع المحاصر والقدس والأراضي المحتلة عام 48، فشعبنا هناك، بات يتيماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فمساندة صمود وثبات الشعب، لا يتأتى إلا بدعم مادي ملموس.
سابعاً- توحيد خندق الجبهة المقاتلة، وهي الشرعية الحقيقة، ما دامت فلسطين محتلة. بعد التحرير، ودربنا طويل وشائك، ستكون الفصائل المقاتلة جيش فلسطين المحررة.
ثامناً- ارتقاء الإعلام المقاوم، بإنتاج أفلام وثائقية، موجهة للعالم، تسلط الضوء على الصراع العربي- "الإسرائيلي"، وأطماعهم ببناء إمبراطورية على حساب هوية وكينونة الوطن العربي، وليس فلسطين، فحسب. وتقديم دراسات بحثية موضوعية، تدحض الوجود اليهودي على أرض فلسطين، مع ضرورة التنبه أن بنو إسرائيل ليسوا يهوداً، ولا علاقة بين اليهود القدماء والمحتلون
ليسوا إلا غزاة من قوميات وأعراق وشعوب متعددة.
ودعم كل أحرار العالم لفضح جرائم الاحتلال، عبر وسائل الإعلام الشتى، لمساندتهم وحثهم على الاستمرار. ثم التعامل مع مناصرين القضية، بناء على ملفات محددة، وليس سلة واحدة، كما هو الحال مع العرب، الواعين لجوهر الصراع.
تاسعاً- تنشيط وتفعيل المقاطعة الشعبية عربياً وإسلامياً، وفضح كل من يطبع مع العدو على جميع الأصعدة، وإعطاب كل المنتجات المستوردة من "إسرائيل" والعمل على كسادها في الأسواق، وهذا أضعف الإيمان، لأنه لا يحتاج إلى عسكر وقوة ضاربة، بل إلى جهود فردية وجماعية، للكشف عن تجار خيانة الدم والأرض وعزلهم اجتماعياً.
عاشراً- التحرك على الجبهة الأردنية، وإلغاء اتفاقية وادي عربة، فاليوم "إسرائيل الشرقية" وغداً الغربية!. لذلك توجه "إسرائيل" حالياً ينصب على تنفيذ مخطط سيبقى محصوراً في بلاد الطوق العربي تحديداً، وإن نجحت فمصر المكافأة الكبرى لها، بعد القضاء على دولة العراق الواحد القوي. فالقضية الفلسطينية ليست منزوعة من محيطها العربي، وأطماع "إسرائيل" أبعد من جغرافية فلسطين التاريخية، والبحث عن أسواق اقتصادية في منابع النفط العربي، من جملة ما ترمي له، وأخطر من شماعة التطبيع لإحلال "السلام" العادل، ليصبح الكيان الصهيوني صاحب القرار الرئيسي في الوطن العربي.
إن التحول من الأطروحات النظرية إلى العمل، إنقاذاً لأرض وشعب عربي من الفناء، بدلاً من الدوران حول متاهات وأفلاك الاستعمار القديم- الجديد، لإيجاد حلول هلامية بـ"إرادته" وإدارته، لن تقدم أو تؤخر من ماهية وأهداف هذا الاستعمار بوجهه الحقيقي، فالتجمع الوطني ضرورة ملحة، يفرضه الواقع الكارثي للقضية ومصير الشعب والوطن الواحد.