مليار اليونسكو.. وسرادق العزاء

مليار اليونسكو.. وسرادق العزاء؟

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كنت أتصور أن  سرادق العزاء الذي أقامته الحظيرة الثقافية لصفر اليونسكو قد تم طيه ، وأن أفواج الحظائريين الذين قدموا لتقديم واجب العزاء قد انقطع تقاطرهم بعد أن لقي صاحب المصاب دعما غير محدود من القيادة السياسية : ارم وراء ظهرك ، ولكن يبدو أن المصاب جلل ، وأمره أخطر مما كنا نتوقع فقد شارك وزير الدعاية وتلفزيونه وصحف السلطة ، وصحف الملياردير الطائفي المتعصب ، وقنواته التلفزيونية ، وشباب الحظيرة من الطامحين إلى المكاسب والمناصب ، فضلا عن جريدة الوزير التي قامت بهجاء من أسمتهم المكفراتية والسلفيين والأصوليين ( أي الإسلاميين ) ، واستدعت المزور البذيء ليواصل فرش الملاءة التي تشكك في الدين والنبي صلى الله عليه وسلم ، وتقمّمت ما قاله الموالون للنظام والمنافقون والأفاقون والأرزقية ، وأعادت نشره للتدليل على بطولة الوزير المهزوم وشعبيته في مواجهة الصهاينة بالخارج والإسلاميين بالداخل ؛ شارك هؤلاء جميعا في إشعال " التعديد " على المصاب ، والبكاء على محاسنه الدفينة !

ووصل الأمر إلى استخدام قاموس بذيء من بعض شباب الحظيرة يصف المعارضين لترشيح الوزير وفساد وزارته بالكذب والحقد والقبح وعدم الخجل ، وهاهو ولد أرزقي يعلن بكل جرأة ووقاحة شتائمه على النحو التالي :

[الكذابون وحدهم فقط هم أصحاب شائعة عودة فاروق حسنى من معركة اليونسكو بصفر جديد يضاف لأصفار مصر التاريخية، الحاقدون وحدهم فقط هم الذين يرفضون الاعتراف بأن فاروق حسنى وزير الثقافة المصري خسر معركته على أرض اليونسكو بشرف، ربما لأن الوزير أحرجهم بنجاحه في البقاء داخل صورة المنافسة حتى اللحظة الأخيرة والخسارة بفارق أربعة أصوات فقط، أو ربما لأن رهانهم على عودة فاروق حسنى لمصر بعد الجولة الأولى خاب وخسر وكشف النقاب عن وجوه كثيرة قبيحة لا يعرف الخجل طريقاً لملامحها وهى تدعو لأن يخسر فاروق حسنى معركة اليونسكو دون أن تعي أن خسارة فاروق حسنى هي في الأصل خسارة لوطن تعلو قامته بمنصب دولي هنا وتواجد قوى هناك.

هؤلاء هم الحاقدون الذين غفلوا عمداً عن مهمة فاروق حسنى القومية وهزموه قبل أن يرحل من مصر بكتاباتهم ودعواتهم التي تلقتها صحف وشركات المنافسين بكل ترحاب، كما يهدى القتلة المأجورين( كذا ؟ ) رؤوس الضحايا لمنافسيهم.. هؤلاء هم الحاقدون .. ] .

وواضح أن ما يقوله هذا الولد الأرزقي يأتي في إطار رد الفعل الطائش الذي أصاب الوزير الفاسد وعصابته التي لا تنتمي إلى ثقافة هذه الأمة الإسلامية ولا قيمها المضيئة ، بل إنها على استعداد أن تبيع الوطن وما فيه من أجل مصالحها ومنافعها . إن مهمة الوزير الفاسد لم تكن قومية ، ولا تعني الوطن ولا الأمة ، إنها تعني النظام البوليسي الفاشي الذي صادر حق الأمة والناس في الاختيار ، والمشاركة في تقرير المصير .. وإنني أسأل هذا الولد الشتام : هل الوطن هو الذي اختار الوزير الفاسد ليتولى منصبه لأكثر من عشرين عاما ؟ وهل هو الوطن الذي وافق على جريمته بقتل 52 فنانا وناقدا ومخرجا في بني سويف ؟ وهل هو الوطن الذي أقر جرائم مساعدي الوزير في الرشوة والاختلاس ؟ وهل هو الوطن الذي صدق على تهريب الآثار في عهد الوزير بصورة غير مسبوقة . وهل هو الوطن الذي رضي بإهدار أموال الدولة على المهارج التي أقامها الوزير والجوائز التي أغدقها على الناشزين عن طاعة الله والموالين لخصوم الدين وأعداء الإسلام وخدام الحظيرة؟

إن الوطن لم يخسر شيئا بهزيمة فاروق حسني ، أو بحصوله على صفر اليونسكو ، ولكن الوطن خسر مليار جنيه من عرق أبنائه ؛ كان أولى بها الفقراء والمساكين وطلاب العلم وأساتذة الجامعة الفضلاء الذين صاروا يستحقون الزكاة .. ولكن يبدو أن الولد الأرز قي لا يعيش في الوطن ولا يعرف معنى أن تعلو قامة الوطن ، ولا كيف ؟

ولعل هذا الفتي يلتفت إلى ما قاله يحيى الجمل ، وهو وزير سابق ورجل قانون لإحدى صحف الملياردير الطائفي المتعصب ليعلم من خلال كلمات الرجل الذي لا يعد كذابا ولا حاقدا وليس قبيح الوجه ويعرف الخجل طريقه إلى وجنتيه ، وأيضا ليس مكفراتيا ولا أصوليا ولا سلفيا.. أن الوزير الذي يمثل الوطن ليس مثقفا ..

يقول يحيى الجمل :

[مين النهارده طبيعة عمله تتناسب مع وزارته.. عندنا نظام سياسي يختار الناس على حسب طريقة عملها، هل لأن منصور يملك شركة نقل يتولى وزارة النقل والمواصلات، وفى المقابل يتم إخراج د. عصام شرف أستاذ النقل العالمي من أجل منصور، وبعدين «اشمعنى فاروق حسنى هيبقى مثقف.. مين تانى غيره مثقف؟»] .

ثم ليعلم الفتي الحظائري طبيعة مهمة وزيره الهمام ،فليقرأ ما يقوله الجمل عن فترة عمله مستشارا في باريس:

[عينت مستشارا ثقافيا سنة 1971 وجاء ترشيحي من د. مرسى أحمد وزير التعليم العالي، وفاروق كان ملحقا ثقافيا هناك، أول مرات التعارف بيننا وجدته شابا مهذبا جدا، حتى طلب منى مقابلة خاصة، وحكي لي فيها عن علاقته بالجهاز الأمني في مصر، فطلبت منه أن يقدر أننا في فرنسا ولسنا في مصر، خاصة أن ظروف البلد لم تكن على ما يرام قبل حرب أكتوبر، وكانت

وظيفته متابعة الطلبة المنحرفين الذين يقومون بأعمال تؤذى مصر].

أي إن فاروق حسني أراد إخافة المستشار الثقافي عن طريق إظهار علاقته بالأمن وتجسسه على الطلاب الذين سماهم الجمل بالمنحرفين في مفهومه ، أو المعارضين في مفهوم السياسة !وهو ما عبر عنه الجمل في قصة حياته التي نشرتها دار الهلال قبل عقود ؛ بقوله:

«وأدرك «ف» - يقصد فاروق حسني - أنه لم يحقق بغيته التى كان هدفها إشعاري بأهميته بل وجعلي أخاف منه أو أحسب له حسابا أكثر من حسابه»..  ويصف يحيى الجمل فاروق حسني وقدراته في مجال الوزارة فيقول : إنه لا يصلح «لا وزير ثقافة ولا وزير داخلية.. يبقى فنان تشكيلي فى أكاديمية الفنون، ويقينا مش وزير ثقافة مصر، وحسنى فعلا عمل حركة ثقافية لكنه لا يحسن جملة بالعربية، وزير ثقافة مصر ما يعرفش يتكلم عربي كويس، وهذا أيضا من ضمن الخلل فى المعايير، لكن أين توجد المعايير فى الأماكن الأخرى حتى نطبقها على حسنى».
ويضيف الجمل : (النظام لا منطق له، وحيث لا يوجد منطق لا يوجد توقع، حسنى ثقافته «السيرياليزم»،... مصر فرازة، وبها على الأقل 100 ألف مثل جمال مبارك، وبها المئات مثل فاروق حسنى «بشخبطته»،  .. ثم ليعلم الفتي الأرز قي ما هو أهم في كلام الجمل عن المهمة الحقيقية لفاروق حسني ، صاحب أشهر حظيرة ثقافية في تاريخ مصر المعاصرة ؛ يقول الجمل :

[حسنى كان يقدم خدمات للسيدة حرم الرئيس عندما كانت تسافر إلى باريس، وقام بعمل علاقات جيدة مع القصر الملكي.. أقصد القصر الجمهوري. ومن الممكن أن يكون عمله مع الأمن من ضمن الأسباب، هذا إن كان قد عمل فعلا مع الأمن، من الجائز أن يكون «بيضحك عليا» علشان أعطى له اهتماما.. الله أعلم] .

ليت الأرزقية جميعا من أهل الحظيرة وغيرهم ، فضلا عن الشيوعيين المتحولين الذين يسوءهم سماع كلمة ( الإسلام ) ، يعلنون انتهاء مراسم العزاء في خسارة الوزير الفاشل ، لأن خسارة مصر البائسة التعيسة التي لا تملك من أمرها شيئا أكبر من حسني وممن يستخدمونه ، فقد كانت قرى الصرف الصحي ، والمياه الملوثة والشباب العاطل ، وأساتذة الجامعات الفقراء يستحقون المليار الذي أنفقه ( روقة ) المحترم في معركة خاسرة لم يدفعه إليها الشعب المصري ولا الأمة العربية أو الأمة الإسلامية .