وقفة مع المعارضة البعثية
وقفة مع المعارضة البعثية
خالد الأحمـد
قبل أسبوعين كتبت موضوعاً عنوانه ( وقفة مع المعارضة السورية ) ، ذكرت فيه مايلي :
( المعارضة السورية تشمل أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بالبعثيين المنشقين عن الحزب مثل عبدالله الأحمد ) .
وبعد أن تحقق الدكتور محمد عبدالله الأحمد من أنني أقصد والده الراحـل ، كتب موضوعاً عنوانه ( عن المعارضة البعثية ) ونشره في موقع مرآة سوريا ، وفي أخبار الشرق ، وفي ( كلنا شركاء ) ، وفي الموضوع المنشور في (مرآة سوريا ) بدأه بقوله : ( إلى السيد خالد الأحمد ) .
ومما جاء فيه ( ...لقد كان عبد الله الأحمد من المؤمنين بالحياة الحزبية الصحيحة ، ولم يكن منشقاً حسب التوصيف الذي كرره ( خالد الأحمد) ... ثم يقول الدكتور محمد عبدالله الأحمد :
( .... ماذا عن المعارضة البعثية !!؟ وهل يملك الحزب الكبير معارضة !!؟ إذا تناولنا هذا الموضوع من مفهوم ( المعارضة الانقلابية ) ... لاأظن أن هناك فكر معارض في حزب البعث ، أما إذا كان الفكر المعارض هو العمل على نقل البلاد بشكل تدريجي وسلمي نحو واقع جديد تلغى معه الفلسفة التماثلية القائمة على مبدأ ( من ليس معي فهو ضدي ) ، والاتيان بنظام تكاملي بين القوى الوطنية فالاجابة نعم يوجد في البعث حالة قوية تعارض ماضي الحزب نفسه وتريد هذا التغيير ....) انتهى كلام الدكتور محمد .
أقــول :
ولأنني سـوري وعلى صلة عشائرية وريفيـة وطبقيـة وجغرافية بعشرات الأعضاء في حزب البعث ، وصل أكثر من واحد منهم إلى وظيفة ( وزيـر ) ، وربما أعرف عن الحزب ( من الداخل ) مالايقل عما يعرفه البعثيون أنفسهم ومما أعرفـه :
1 ـ لقد احتكر حزب البعث الخبز لصالح البعثيين فقط ، ولذلك توجـه الناس للانخراط في الحزب أفواجاً ، يبحثون عن الخبز ، وكان التقرير السياسي أهم من الشهادة عند مسابقة انتقاء المدرسين ، وعند التقدم للكليات العسكرية ، وعند التقدم لأي عمل حتى لو كان مستخدماً ، لابد أن يكون بعثياً ، وهذا معناه أن مئات الألوف من البعثيين دخلوا في الحزب من أجل الخبـز ، من أجل مصالح شخصية .
ـ قليل من هذه الفئـة المصلحة الشخصية عنده منغلقة داخل ذاتـه ، ولاتقف عند حـد ، وهـؤلاء من كبار الانتهازيين والوصوليين ، وصلوا إلى مناصب كبيرة ، ونهبوا كما نهب رفاقهم الكبار .
ـ وكثير منها مصالحهم الشخصية تمتد إلى العائلية ، والعشيرة أحياناً ، أو القريـة والحـي ، وهذه الفئة من الناس لو تركت بحريتها لاتهوى الدخول في الأحزاب ، ولاتريد السياسة ، ولاتفهم العمل السياسي ، ولكن من أجل الحصول على الخبـز الذي احتكره الحزب وجعله من حق البعثيين فقط ، من أجل الخبز دخل في الحزب مئات الألوف .
مامعنى أن يقول (24 % ) من البعثيين المدنيين أنهم سينتخبون مرشحي ( الإخوان المسلمين ) في انتخابات حـرة ونزيهة ، ويقول (57 % ) أنهم سينتخبون الاتجاه القومي الإسلامي ، وما معنى أننا نسمع من كثير من البعثيين إذا جلسوا في مكان يأمنون فيه من مخبري النظام ؛ نسمع منهم النقد نفسـه الذي تطرحه المعارضة مثل إلغاء قانون الطوارئ ، وإلغاء المرسوم (49) ، والسماح بالتعددية الحزبية ، وسيطرة الجيش على الحزب ، وسيطرة الأقليات على الجيش .... إلخ .
2 ـ من البدهي أن هؤلاء المئات الألوف من السلبيين الذين لاحركة عندهم ، لأنهم في طبعهم لايهتمون في السياسة ، وإنما دفعوا إليها دفعاً من أجل المعيشة . ولاتهمهم مصلحة الوطن ولامصلحة الأمـة ، وإنما كل همهم في مصلحتهم الشخصية ، وفيهم كثير من المرتزقة المتسلقين ، الذين صعدوا على جماجم المواطنين بتقاريرهم الكاذبة ضدهم ، وفيهم كثير من ( الخاملين ) الذين ارتقوا بسيف الحزب وتقدموا الصفوف وسط استغراب الجماهير وسخريتها .
3 ـ ومما هو مؤكد أن المتتبـع لماضي الحزب يجد أن الطائفـة العلوية استغلته ، وطردت مؤسسيه ( عفلق ، الحوراني ، البييطار ، الرزاز ، سامي الجندي ، ....إلخ ) . ثم طردت كل من يخالف اللجنة العسكرية ، وجرى في الحزب ماجرى في الجيش ، وعليه فصار البعثيون ، وخاصة الذين انتسبوا للحزب للحصول على الخبز ( أذلاء ، جبنـاء ) ، وقامت عصابـة من الأقليات أولاً ، ثم من الطائفة العلوية ثانياً ، ثم من آل الأسد ثالثاً بتوجيـه الحزب ، ورسم سياسته ، والمطلوب من باقي البعثيين ـ وهم أكثر من مليون ونصف ـ الموافقة والتصفيق فقط .
وفي المؤتمر الأخير ( القطري العاشر عام 2005) ، من يصدق أن الأعضاء المنتخبين للمؤتمر وعددهم (1200) عضواً ، يفترض أنهم النخبـة المثقفـة والواعيـة في الحـزب ، من يصدق أن هذه النخبـة ، وافقت على اقتراح تقدم بـه أحـد أفراد ( اللوبـي ) الذي يسيّر الحزب والجيش والبلد حالياً ، وهو أن يفوّض الرفيق الرئيس بشار بانتقاء أعضاء القيادتين القطرية واللجنة المركزية ، وماكان من الألف والمائتين إلا الموافقـة مع التصفيق( [1]) .
وهؤلاء الأعضاء المنتخبون ماخطر في ذهن أحدهم أن رفاقهم أرسلوهم لانتخاب قيادة قطرية ولجنة مركزية جديدتين !!!؟ أم أنهم لايملكون الجرأة لأنهم فقدوها منذ أن انتسبوا لهذا الحزب ، وقد عوّدهم الرفاق الذين وصلوا إلى المراتب العليا أن السكوت والصمت والموافقة والتصفيق هي الطرق السليمة للوصول إلى المراتب العليا .
وهكذا يتبين لنا يادكتور محمد أن الراحل والدك لم يحفظ الدرس جيداً ، فكان يناقش وكان يعارض ، ولذلك لم يصل إلى المراتب العليا ، ولم يكن مثال( السوبر بعثي ) الذي لايسأل ، ولايناقش ، ولايعترض ، وإنما يصفق ، ويوافق دائماً . وأنا أعرف كثيراً مثل والدك ، ولا أريد أن أبوح بأسمائهم ، مازالوا يناضلون في صفوف الطبقة الكادحة ، وذات يوم قال لي أحدهم : بعد أن يموت الرفيق (خدام أو طلاس أو رفعت أو .... )سيترك لأولاده مليارات الدولارات ، فضلاً عن آلاف الهكتارات من العقارات ، ومثلها من العمارات .... أما أنا فسأترك لهم لوحـة على الجدار كتب فيها ( أمـة عربيـة واحدة ذات رسالة خالدة ) .
وكما هو الحال في سوريا بيعت مقاعد القيادة القطرية واللجنة المركزيـة بالملايين ، التي صبت في جيوب اللوبـي ( الحرس الجديد ) الذين يريدون تدارك الزمن واللحاق برفاقهم أصحاب المليارات الذين تركوا العمل السياسي مثل ( خدام ، وطلاس ، ودوبا ، وحيدر ، ..... إلخ ) .
3 ـ ومن البدهي أن هؤلاء المئات الألوف فيهم عدد لابأس بـه من الطيبين ، والذين وجدوا أن الطريق الوحيد لخدمة وطنهم ، أو مدينتهم ، أو قريتهم ، أو حماية أنفسهم وأسرتهم ، هو الدخول في حزب البعث ، ولو لم يدخلوا في الحزب ما تمكنوا من مساعدة العمال والفلاحين والفقراء الكادحين ، في قريتهم ، وفي حيهم ، وفي عشيرتهم ، ساعدوهم ببناء مدرسة في قريتهم ، أو تنفيذ مشروع الصرف الصحي في حيهم ، أو توظيف الفقراء منهم في معامل الدولة ومؤسساتها ، ومن العدل والإنصاف أن نقول أن هذه الفئـة خدمت مواطنيها خدمـة طيبـة ، ولم تستفد شخصياً كما استفاد ( رامي مخلوف ، وفراس طلاس ، ودريد الأسد ... ) بل مازالوا موظفين ينتظرون آخر الشـهر كي يشتروا الخبز لأولادهم من راتبهم ـ ولو تأخر الراتب أسرعوا إلى الاستدانة ، وفيما أفتى العلماء يدخل أمثال هؤلاء في مستحقي الزكاة ، إن جزءاً صغيراً من مئات الألوف من أمثال هؤلاء حملوا جزء اً من هموم الشعب ، وناضلوا من أجل دفع أكبر قسـط من الأذى والظلم عن الشعب ، وأمثال هؤلاء يناضلون وهم يراوحون في أماكنهم الحزبية لايتجاوزونها إلى المراتب الأعلى التي احتكرت لصالح أبناء (عصابة الحزب ) مثل ( رامي مخلوف وجمال خدام ...وغيرهما ) ..
4 ـ لابد من القول أن هذه الطبقة التي تشكل سـواد الحزب ( أغلبية ) مسحوقة ، تناضل وتشقى من أجل مصلحة المواطنين ، وهي ( مسـتغَلة ) من قبل قادة الحزب الطبقة (المستغِلة ) ، وهذه الفئـة العريضـة ليست ممن ظلم الشعب أو سرق خبزه ، بل إنها من الشعب الذي سـُرق وظلُم ، وينبغي أن تقف مع شعبها في خندق واحد ضد النظام الذي سلبها حقها كما سلب الشعب .
وبعض البعثيين اعتقلهم جنود سرايا الدفاع والوحدات الخاصة في حماة (1982م) وهم يشهرون بأيديهم بطاقة الحزب ، وعسكري الوحدات يضربهم ويقول : كل الحمويين إخوان مسلمون ، واعتقلوا وعذبوا وقتل كثير منهم ، ومنهم الملازم الحموي محسن علي عويضة في (13 /2/1982) والجندي الحموي مختارياسين أسعد من الوحدات الخاصة في سوق الشجرة ، ومنهم العملاء نزار صبري الدبور وولداه حسام ومحيي الدين وابنتاه وفاء وذكاء بعد أن قدموا خدمات كثيرة من الاخباريات والمعلومات ، ومنهم أحمد محمود السمان وبشار السمان ونضال محمود السمان ، وهم من المخبرين بشكل مكشوف ، ومع ذلك جمعوا مع المواطنين في دكان الحاج أحمد حلبية حتى وصل العدد (75) مواطناً ثم تم حرقهـم . وأمامي الآن ثلاث صفحات من الأسماء لبعثيين قتلتهم وحدات سرايا الدفاع وجنود الوحـدات الخاصـة ، وعددهم غير ماذكرت من أسـماء هو ( 60 ) مواطناً بعثياً .
ومنهم الرائد ( أحمد عبد الحميد عزيز ) في مذبحة جنوب الملعب البلدي في حماة ، وهو ابن أمين شـعبة اتـحاد العمال في حماة ( بعثي ابن بعثي ) ، عندما طرق الجنود باب بيتهم خرج عليهم بلباسه العسكري لعل ذلك يشفع لـه ، ومن البدهي أن الضابط (الرائد ) في سوريا ( بعثي ) هذا ماعرفه الشعب السوري كما يعرف المسلمون سورة الفاتحة ، ومعناه أن الضابط المتطوع في الجيش يجب أن يكون بعثياً مذ دخوله الكلية العسكرية ، ومع ذلك كله هجم عليه عسكري السرايا وتناوله من كتفـه ( من الرتبة نفسها ) وجـره على الأرض ورشـه بالرصاص عند باب بيتـه .
5 ـ ومن المؤلم أن هذه الجماهير العريضة ( مئات الألوف ) لايشكلون ثقلاً حركياً حتى الآن ، وهم بطبيعتهم لايفضلون الاشتغال بالعمل السياسي ، لولا أن حزب البعث حرمهم من الخبز لما دخلوا في العمل السياسي ، لذلك تجدهم ( منفعلين ) و (غير فاعلين ) ينطبق عليهم المثـل الشعبي ( الذي يتزوج أمي أسميه عمي ) ، لذلك لاننتظر في الوقت الحاضر منهم تغييراً ، مع أنهم يتمنون أن يحصل هذا التغيير ، وكما يقول الدكتور محمد عبدالله الأحمد ( يريدون التغيير ) ، وبمعنى آخر : لو حصلت حركة سياسية سلمية من المعارضة ضد النظام ، لاننتظر من هذه الفئة أن تقف مع المعارضة لأنها في طبيعتها ليست فئـة متحركة ، وليست فئـة فاعلـة . ومن التفاؤل القول أن هذه الفئـة لاتقف عقبـة في وجـه التغييـر ، خاصة إذا طلبت منها قيادة الحزب ، فسوف تنفذ ماتطلبه قيادتها ... إلا إذا حصل مالم يكن في الحسبان . فالذي غير الشعب في مدينة ( سيربينتشا ) في رومانيا تشاوشسكو ، قادر أن يحرك هذه الفئـة ، وتنقلب على أسيادها الذين ركبوا ظهورها أكثر من ثلاثين سنة .
6 ـ أدرك حافظ الأسـد ذلك منذ بداية السبعينات ، لذلك همّـش الحزب ، وترك لـه دوراً ثانوياً لايتعدى التقاط فتات موائد كبار الضباط ( أزلام النظام ) ، ومنذ أن اتخذ الـمؤتمر العاشـر في ( اكتوبر 1970م) قراراً بعزل حافظ الأسد ومصطفى طلاس عن وظائفهم في الجيش ، عندها بادر حافظ الأسـد بحركته التصحيحية التي اعتقل فيها قادة الحزب مثل صلاح جديد ونور الدين الأتاسي وغيرهما وزجهم في السـجن ، منذ ذلك اليوم ؛ وضع حافظ الأسـد الحزب في مكان هامشي جداً . وحصر السلطة في يـد أقاربـه من آل الأسـد .
7 ـ وجدت في محفوظاتي على ( السي دي رايتر ) رسالة أبي أيهم ، ولما فتحتها وجدت فيها رسالة من تجمع البعثيين الديموقراطيين في الخارج ، موجهة إلى أحد قادة المعارضة في الخارج ،وفهمت من هذه الرسالة أنه توجد كتلة من البعثيين في خارج سوريا ، ربما بعضهم غير سوريين ، وبالتأكيد فيهم سوريون ، ومن غير المعقول أن ينفرط عقد الألوف الذين طردهم حافظ الأسـد من الحـزب ، بـعد أن جعلـه إحدى مزارع حافظ الأسد ، بل مزرعة صغيرة لم يعد يعبأ بشأنها ...فيا أيها البعثيون تجمعوا ، وتحركوا لتنقذوا ما يمكن إنقاذه من تراث حزبكم وتاريخـه ... وقفوا مع المعارضة الوطنيـة التي يهمها شأن الوطـن قبل أن يقدم الطوفان الأمريكي فيبتلع سوريا كما بلع العراق .
8 ـ لابـد أن تعلن المعارضـة أنها تدرك هذه الفئـة ، وأنها لا تعاديها ولا تناصبها العـداء ، ولاتضمر لهـا إلا الخيـر ، وأن المعارضة تنتظـر من هذه الفئـة أن تقف مع الوطن ، وليس مع النظام ... وقد يكون ذلك هو القشـة التي ستقصم ظهر البعير إن شاء الله .
وقد أعلن ذلك المحامي علي صدر الدين البيانوني ، المراقب العام للإخوان المسلمين السوريين ، وأحد زعماء المعارضة السورية في الخارج أعلن أنهم ليسوا ضد حزب البعث ، ( في نقطة نظام مع فضائية العربية ) بل يرون هذا الحزب من الفئات المسحوقة مثل بقية الشعب ، وأنهم لايحملون حزب البعث ، ولا الطائفة العلوية مسؤولية الدمار والخراب الذي ألحقـه النظام السوري بالشعب السوري .
هذه لمحـة سريعة وآمال كالسراب قد تتحول إلى ميـاه ؛ عندمـا يتلاحم شعبنا ضـد جلاديـه ، ويقف صفاً واحـداً كما وقف الرومانيون في (سربينتشا ) التي فجرت الثورة الشعبية ضـد أكبر ديكتاتور في القرن العشرين ، كان يحكم رومانيا وحده ، حتى إذا سافر منها سلم الحكم لزوجته ، التي كانت تجهز ولدهما لاستلام الحكم .... .
* كاتب ســوري في المنفـى