ماذا يجري
ماذا يجري "2"
محاكمتان , و"سانشو"!
نوال السباعي
هذه هي المرة الثانية في حياتي التي أدخل فيها صالة محاكمة , المرة الاولى قبل عام دُعيت وأولادي الى المحكمة بسبب حادث سيارة, وكانت شركة التأمين قد رفضت أن تدفع لنا التعويضات مدّعية أن واحدة من بناتي لم تكن موجودة في الحادث , وكانت هي الأكثر تضررا فينا , لم يكن في تلك الصالة جمهور ولاصحافة ولاكاميرات ولا رجال أمن , كان هناك قاضٍ وسكرتيرته, والمدّعى عليه ومحامي شركة التأمين ونحن ومحامينا الغبي !.
محامي الشركة كان وبالضبط في وجهه وتعابيره وبنيته الجسدية وأدائه نسخة طبق الأصل عن المدّعي العام الاسباني في قضية "خلية القاعدة الاسبانية " كما تدعوها وسائل الاعلام , كالَ لنا في ذلك اليوم جميع أنواع الاتهامات , حتى ليكاد السامع يقتنع بأنني المتسببة عامدة متعمدة في ضرب سيارتي التي تقلّ كل أولادي في طريق سريعة نحو المطار نمضي فيها بسرعة مائة وأربعين كيلومترا في الساعة !, كادت عيوننا تخرج من محاجرها ونحن نستمع إليه يصف توقف سيارتنا المشبوه الذي تسبب باصطدام الرجل المسكين بسيارتنا من الخلف ضربة أفقدتني السيطرة على المقود وأصابتني مع جميع ركاب السيارة بخلع في الرقبة وارتجاج في المخ , عدا عن ضربات متفاوتة في الأيدي والأرجل وحالة هيستيريا لدى البعض استدعت طلب سيارات النجدة وشرطة المرور ..ولولا رحمة الله بنا أن كان مخزن السيارة مليء بالحقائب الضخمة الصلبة التي منعت تحطم الجزء الخلفي من السيارة لكان للحكاية رواية أخرى!.
استدارمحامي الشركة الى البنت"المتهمة" التي ينفي وجودها وعيّرها أن ذهبت الى المستشفى بعد الحادث بساعتين لتثبت أنها مصابة في الحادث مع أنها لم تكن موجودة معنا في السيارة – حسب زعمه - , كما "اتّهم" ابني بأنه ذهب الى المشفى في استكهولم بعد خمسة ساعات من وقوع الحادث ليشتكي من ألم في قدمه , حتى أن القاضي اضطر للتدخل بالقول إن كثيرا من إصابات حوادث المرور لاتظهر إلا بعد وقت يطول أو يقصر من حدوثها!.
لكن أعظم مافي الأمر أن الرجل الذي صدمنا متسببا من غير قصد في إتمامنا سفرنا ذاك بين مصدوم ومذهول, وقف هناك ليشهد زوراً وبهتانا وليقول: إنه لم يرّ ابنتي تلك في حياته وأننا كنا ثلاثة محجبات وفتى واحد في السيارة , وأن تكاليف اصطدام سيارته بسيارتنا لم تتجاوز الألف أورو , مع أننا يومها ظننا أن تلك السيارة كادت تنفجر من قوة الصدمة التي هشمت مقدمتها بالكامل حتى أننا ماظننا للوهلة الأولى أنه سيخرج منها سالما , وجلس الرجل يومها يبكي وهو يرى عائلة بأكملها شبه محطمة ليلة الميلاد , حتى أنني اقتربت منه وربتُ على كتفه وقلت له : هون عليك واحمد الإله أننا خرجنا جميعا سالمين , وأنك ستذهب الى أهلك في هذه الليلة وتستطيع أن تكون معهم وهذا هو العيد بالنسبة لك ولهم .
ابنتي التي قال عنها أنها لم تكن موجودة كانت هي التي وقفت معه حتى أنها هي التي ساعدته تقريبا على الخروج من سيارته قبل أن تصل الشرطة وهي التي أملت محضر الشرطة ومحضر الأضرار وهي التي وقّّّعت على ذلك المحضر وأعطته رقم هاتفنا وأخذت هاتفه لنطمئن عليه لاحقا , فنحن لانستطيع أن نخرج من جلودنا , نحن عرب مسلمون وهذه هي أخلاقنا , وابنتي هذه هي التي قادت سيارتنا المحطمة عائدة بها الى مدريد من المطار بعد سفر بقية العائلة .
كل هذا والمحامي والرجل مُصّرّان على أنها لم تكن موجودة .
كنا في تلك المحكمة ممنوعون من الكلام والاعتراض والتنفس , ومحامينا الغبي لايعرف ماذا يفعل , حتى أنه همس : هل كانت البنت موجودة فعلا أم أنكم كنتم تخدعونني ؟! عندها خرقت كل الأنظمة ونهضت نحوالقاضي أريه أن ابنتي هذه كانت الوحيدة بين أخواتها التي تملك رخصة قيادة وأنه لم يعيد السيارة نحو مدريد أحدا إلا هي .
شعور مرير بالظلم والحنق والغضب والاهانة مازال في حلوقنا صغارا وكبارا منذ ذلك اليوم , وبعد عام لم نحصل على حقوقنا ولم تنبس المحكمة بحكم ينهي تلك القضية التافهة .. قلت لمحامينا الغبي : أنا لاأريد تعويضات مالية عن ذلك الحادث , إنني فقط أريد أن يظهر الحق!.
لاتختلف هذه الحادثة بتفاصيلها الكثيرة السخيفة المملة في شيء كثير عن محاكمة مايدعى "خلية القاعدة في مدريد"!! تصنيع الأدلة الكاذبة , شهود الزور المحمولين على إثبات مالايمكن إثباته , غباء المدعي العام وضربه عرض الحائط كل إثباتات المنطق والحق والأدلة شبه القاطعة على عدم تورط ثلاثة أرباع المتّهمين بشيء من التّهم الموجهة إليهم !, اختراع ملابسات لاوجود لها لتضخيم القضية .
على يمين الصالة غرفة زجاجية سمّتها وسائل الاعلام بالفقاعة أو حوض الأسماك , وهناك كان يجلس المتّهمون , وعن يمينهم المدّعي العام وحده , في مواجهتهم محاموهم الذين تجاوز عددهم الثلاثون محامياً , جلسوا في صفين , وفي صدر القاعة كانت هيئة القضاء , رئيس المحكمة وعن جانبيه قاضيان مساعدان.
عدد غير كبير من الكراسي للجمهور , المحاكمة قيل أنها علنية وجماهيرية , لكن أجهزة الاعلام لم تنقل منها إلا محاكمة المتّهمَين اللذين بدأت المحاكمة باستجوابهما , نُقلت محاكَمتهما على الهواء مباشرة خلال ثلاثة أيام متتالية في القناة الاسبانية الفضائية الخاصة بالأخبار , ثم توقف بثّ المحاكمة بعد هذه الأيام الثلاثة وبالضبط بعد مداخلات المتّهم الرئيس في القضية والذي يدعى "أبو الدحداح" والتي أظهرت للجمهور الظلم الكبير الذي ألحق بهذا الرجل , توقفت كل أجهزة الاعلام الاسبانية عن بث أي شيء يتعلق بهذه المحاكمة إلا أشياء بسيطة وومقتضبة جدا , كانت تتردد في أقل من دقيقتين حسب أهميتها على ألسنة المراسلين الذين بدأ عددهم بالتقلص حتى اختفت أخبار المحكمة والمحاكمة نهائياً من أجهزة الاعلام المسموعة والمرئية واقتصرت بعض أجهزة الاعلام المقروءة على إيراد أخبار "محاكمة العصر"!.
لم أكن أعرف شيئا عن هذين المتّهمين إلا من وسائل الاعلام الاسبانية , وكنت أظنهما مجرمين دوليين عتيدين بسبب الصورة التي رسمتها وسائل الاعلام خاصة للمتهم بزعامة مايدعى أنه "خلية ارهابية في مدريد" , لكنني ومنذ المداخلة الأولى للمتهم وجدت أن الأمر كله تهمة ملفقة بغباء منقطع النظير .
عادت أخبار محاكمة مدريد هذه إلى الظهور من جديد قبل أسبوع من تاريخه , يوم قام المدعي العام "Pedro Rubira "- بيدرو روبيرا- بإبلاغ قناعاته التامة والأخيرة بعد تحقيق واستماع للشهود والمتهمين دام شهرين , فأعلن على الملأ مطالبته بإنزال عقوبات "مثالية تكون عبرة لمن يعتبر " على المتّهمين , عقوبات سيذكرها التاريخ لإسبانية باعتبارها كاسحة الارهاب العالمي من بين كل دول العالم , ومحط أنظار البشرية على مرّ الدهور والعصور , كيف لا؟ وعند إسبانيا من الشخصيات من أمثال "خوسيه ماريا أثنار " , و " بالتاثار غارثون" , و "بيدرو روبييرا" , الأول جرّ البلاد الى حرب لاناقة لها فيها ولاجمل كان 90% من شعبه قد خرج متظاهرا ضدّها , والثاني لفق كل هذا الحجم من التّهم والافتراآت ضد هؤلاء الأشخاص ومعهم الجالية العربية والمسلمة في مدريد تقرباً وتزلفاً لأسياده في البيت الأبيض طمعاً منه في الحصول على جائزة نوبل التي قام أحد اليهود المرموقين بترشيحه لنيلها , وصفحات الانترنيت حافلة بالمعلومات الدقيقة عن هذا الموضوع لكل من أحبّ الدخول اليها باحثا عن اسم القاضي العظيم "غارثون" , وأما الثالث فإننا نترك للتاريخ أن يرينا ماذا سيفعل به ومعه! , من الجدير بالذكر هنا أن يعرف القارئ أن كلاً من "أثنار" رئيس حكومة الحرب الاسبانية الأسبق و"غارثون" مخترع موضوع خلية القاعدة في مدريد , استدعيا بعد إنجازهما هذه المهمة الضخمة في مدريد ليعملا محاضرين في السياسة والحقوق الدولية في أهم جامعات الولايات المتحدة الأمريكية.
في اليوم الاول تمّ استجواب "يوسف غالان " الاسباني الأصل الوحيد المتهم في هذه القضية , كانت محاكمته مهزلة بكل معنى كلمة المهزلة , لم تكف وسائل الاعلام عن التذكير بأنه إسباني باسكي اعتنق الاسلام ثم صار إرهابيا!, سأله القاضي ماهذه الصور التي وُجدت في بيتك وأنت ترتدي ملابس المجاهدين ؟ أجاب "غالان" نحن عائلة معروف عنها هوسها في ارتداء الملابس التنكرية!.
قال رئيس المحكمة : ماذا تقول في تفجيرات مدريد؟ , أجاب غالان : أنا أدين هذه الأعمال الارهابية بشدة , ليس في مدريد فحسب , بل في مدريد وفلسطين والعراق والشيشان والصين وكل مكان , بَهَته رئيس المحكمة بسؤال فاجأ الجميع : وماقولك في إرهاب منظمة "ايتا" الباسكية , فسكت "غالان " ثم قال : لاأريد أن أدخل في مشكلة جديدة .
جنّ جنون وسائل الاعلام الاسبانية , ولم تنقل عن الرجل إلا هذه العبارة تحت عناوين ضخمة : " المتهمون في خلية القاعدة يدينون كل أنواع الارهاب ويصمتون أمام إرهاب ايتا".
لم يتطرق أحد إلى الوضع بالغ الصعوبة الذي يعيشه هؤلاء السجناء في سجونهم وأكثرهم معتقل في نفس المهاجع مع مجندي إيتا , لم يفهم أحد أن رجلا اسبانيا - من أصل باسكي- لايستطيع وهو في السجن أن يدخل في متاهة جديدة , أعتقد أن "غالان" أخطأ في عدم إدانته منظمة "إيتا" , ولكن أحدا ما لم يكن باستطاعته أن يدخل في جلده في تلك اللحظات ليعرف السبب الحقيقي الذي دعاه الى ذلك الصمت عن المنظمة الارهابية الباسكية.
"غالان" عُرضت عليه صور كثيرة استخدمها المدّعي العام في حينه أدلة قاطعة على تورطه في الارهاب العالمي , معظمها كانت قد التُقطت على أبواب مساجد مدريد حيث يخرج الناس من صلاة الجمعة ويقفون هناك ليتبادلوا الأحاديث وليتناولوا شطائر الفلافل وقوفا حيث لايتسنى لهم رؤية بعضهم البعض إلا مرة كل أسبوع , من هذا الذي يقف على يمينك ؟ من هذا الذي يظهر في هذه الصورة أو تلك؟ من هذا الذي مددت يدك تسلم عليه؟ لم يبق فرد من أفراد الجالية العربية المسلمة في مدريد ممن استطاعوا متابعة تلك المحاكمة في تلك الأيام عبر الفضائية الاخبارية الاسبانية إلا وظنّ أن صورته واسمه سيظهران في تلك المحاكمة !.
محاموا الدفاع عن "غالان" عرضوا على الجمهور صوراً من نوع آخر , أين أخذت لك هذه الصورة؟ أجاب "غالان": في مظاهرة لدى باب السفارة الاسرائيلية احتجاجا على مقتل الطفل "محمد الدرة" .
ماذا تفعل في هذه الصورة؟ , كنت أشارك في مظاهرة ضد حرب الروس في الشيشان.
وهذه الصورة التي تلتحف فيها العلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية ؟ , بعد تدقيق قال غالان : هذه صورة لمظاهرة احتجاج وشجب كنت قد دَعيت أنا لها ضدّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر !!.
مجرم عات ٍ ولاشك "غالان"هذا.. مجرم لايشك أحد خاصة بعد ظهور هذه الصورة الأخيرة أنه أحد ارهابيي هذه الخلية الشريرة الخطيرة والتي تدعى "خلية القاعدة الاسبانية".
يسأله رئيس الصالة: ماذا ذهبت تفعل في أندونيسيا ؟ ذهبت للبحث عن عمل تجاري حيث قيل لي انها بلاد كريمة مزدهرة , ويتدخل هنا المدّعي العام , ألم تكن هناك في أحد مراكز التدريب للمجاهدين؟ , "يوسف غالان" مجيباً : لم أدخل هذا المكان في حياتي .
محامية الدفاع : لم ترد الحكومة الأندونيسية على طلبنا تأكيد وجود "غالان" في مناطق التدريب العسكرية الخاصة بمن يُدعون بالمجاهدين أي الارهابيين –حسب تعبير المحامية- , وتسأله المحامية من جديد: من أين أتيت بالمال لتدفع نفقة سفرك ذاك إلى أندونيسيا ؟ ويجيب "غالان" : طلبت بطاقة الطائرة بالتقسيط من شركة "الكورت إنكلس السياحية للسفر" .
وتسأل المحامية : جرت العادة أن تدفع المنظمات الارهابية لمجنديها تكاليف تنقلاتهم الارهابية ؟ وقبل أن يجيب "غالان" , قاطعها رئيس المحكمة قائلا : هذا السؤال يعتبر حُكما في القضية , وتضطر المحامية الى تغيير صيغة السؤال ثلاث مرات دون جدوى.
رئيس الصالة مجدداً : ماذا تفعل بكل هذه الأسلحة في بيتك؟ يقول "غالان" : والدي رجل عسكري اسباني معروف وكل أفراد الأسرة يقتنون الأسلحة ويجمعونها كما تُجمع الطوابع البريدية , كل الأسلحة الموجودة في بيتي مرخصة برخص قانونية ومعروضة في صالون البيت ومعلقة على الجدران , وأنا أمارس هوايتي الرياضية المفضلة في الرمي الحرّ , هنا يدخل رئيس المحكمة مع "يوسف " في جدال واسع فارغ حول نوع الرصاص المزيف الذي يستعمله في ممارسة رياضته , حتى يصل الأمر بغالان أن يقول لرئيس المحكمة :إنك سيادتك أكثر مني خبرة في رياضة الرمي هذه!.
ويغضب رئيس الصالة وينهي المحادثة بشكل فج, وهنا تقطع الاخبارية الفضائية الاسبانية البثّ.
أول وجه لفت نظري عندما دخلت تلك الصالة كان وجه "يوسف غالان" تلك كانت المرة الأولى التي أراه فيها في غير وسائل الإعلام , لم أكن أعرفه على الرغم من أنني من المترددين بصورة دائبة ويومية على مسجديّ مدريد الرئيسيين , الرجل الوحيد من بين المتّهمين الأربع والعشرين الذي ازداد وزنه كان "غالان" يجلس هناك في الصف الأول داخل تلك "الفقاعة" , ضائع النظرات مشتت الذهن , منهكا متعبا , وأتجرأ على القول بأنه كان مُحبطا , كان قد مرّ شهران منذ رأيته أول مرة يوم بثّت تلك الفضائية محاكمته , شهران إذن كفيلان بتحطيم الإرادة دون تعذيب جسدي ودون انتزاع اعترافات بقلع الأظافر ولااعتداآت جنسية على طريقة "أبو غريب" العراقي أو "غوانتانامو" شعار القرن الواحد والعشرين ! , ولكنه الانتظار يوما بعد يوم , انتظار الفرج وأنت تستمع الى كل هذا الحجم من الأباطيل .. كما انه السجن ! السجن بتهمة الارهاب العالمي والتورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر ولكن... في بلد هجمات وتفجيرات الحادي عشر من آذار!! , كل السجناء بما فيهم سجناء "إيتا" يكرهون هؤلاء المتّهمين ويعتبرونهم مجرمين أعداء للوطن الاسباني , ويريدون الانتقام منهم لقتلى قطارات آذار , وليس السجناء والمجرمون في السجون الاسبانية الذين يخلطون بين سبتمير وآذار في ملف هؤلاء الرجال , بل الصحافة الاسبانية كلها والمجتمع ووسائل الاعلام والمدّعي العام والقضاة والأحزاب السياسية , بل أكثر من هذا إن أهالي ضحايا تفجيرات قطارات مدريد أنفسهم يعتبرون هؤلاء الرجال الأربع والعشرون مسؤولين عن قتل أبنائهم , حتى أن رئيسة جمعية "ضحايا 11 آذار" جاءت هذه المحكمة في أول يوم من بدء المحاكمة وصرحت لوسائل الاعلام بأنها : إنما جاءت تريد أن تنظر في عيني الذين قتلوا ابنها .
رجالٌ اعتقلوا عام 2001 بتهم مشتقة من التسمع على مكالماتهم الهاتفية بدءا من عام 1994 , يتحدث عنهم الجميع وكأنهم القتلة الذين فجروا تلك القطارات في ذلك الآذار المشؤوم بعد اثنتي عشرة سنة من بدء التسمع على مكالماتهم وتصويرهم عند أبواب المساجد كلما دخلوها أو خرجوا منها !..علما أن ثلاثة أرباعهم كانوا في السجن يوم حدثت تلك التفجيرات , بل إن معظمهم أرسل بيانات شجب وإدانة لتلك التفجيرات من سجنه.
في تلك اللحظات الاولى التي دخلت فيها تلك الصالة ووقعت عيني أول ماوقعت على "يوسف غالان" تذكرت محاكمتنا المرورية السخيفة تلك , تذكرت محامينا الغبي ذاك , وتذكرت وجه محامي شركة التأمين , قالت لي ابنتي :إنه من فئة "سانشو" !! قلت لها لم أفهم ماذا تقولين ؟ أجابت : "سانشو" هو رفيق دون كيخوت الشهير في رحلاته , رجل قصير بدين أحمق يردد كالببغاء كل مايقال له , إنه نوع نمطي من الأشخاص الذين يُستخدمون لتحريض ذكاء الشخصيات الرئيسية في كل المسرحيات: في الحياة وفي الفن وفي الأدب وفي المحاكم , وكان المدّعي العام في محاكمة مايدعى "خلية القاعدة في مدريد" سانشو آخر !
طعم الشعور بالظلم زحف الى حلقي مجرد أن خطوت الخطوة الأولى الى داخل تلك الصالة , وكنت آخر من دخلها من الجمهور الذي بلغ عدده مع زوجات بعض المعتقلين ثمانية أشخاص فقط , كنا هناك ستة محجبات , ووالد زوجة أبي الدحداح , وتسعة عشر رجل أمن بالملابس المدنية أو العسكرية.
-يتبع-