أقصى حماس والمقاومة ورائد صلاح وفقط

أقصى حماس والمقاومة ورائد صلاح وفقط

الشيخ رائد صلاح

جمال زواري أحمد ـ الجزائر

[email protected]

إن المخطط التدميري الذي يتعرض له المسجد الأقصى المبارك ، والهجمة الصهيونية الشرسة عليه وعلى وجوده من أساسه ، والمؤامرة المبرمجة والمرسومة الخطوات التي تطبق بمرحلية فوق الأرض وتحتها ، من طرف المتطرفين الصهاينة وبدعم وتواطؤ من صانع القرار الصهيوني مهما كان إعتدال بعضه كما يريد أن يقنعنا به بعض المغرر بهم من بني جلدتنا ، فكلهم متفقون على المبدأ وإن إختلفوا في وسيلة التنفيذ وطريقة التعبير ، يريدون أن يضعوننا يوما ما أمام الأمر الواقع ، لنستيقظ ذات صباح فنجد المسجد الأقصى أثرا بعد عين ، وأنه أصبح تاريخا ليس إلا، لذلك تجدهم يزودون جرعة مخطط الهدم هذا شيئا فشيئا ، ليختبروا مدى غيرتنا ورد فعلنا وحجمه ومستواه ، وكلما وصلوا مرحلة من مراحل التنفيذ نظروا إلى موقفنا فإن وجدوا لامبالاة وصمتا أو ردودا باهتة لالون لها ولاطعم ولارائحة ، تجرؤوا ورفعوا مستوى الجرعة ، وإنتقلوا إلى مرحلة أعلى وهكذا إلى أن  يصلوا إلى النتيجة النهائية وهي محو الأقصى من الوجود.

وإن المتتبع لردود أفعال الأمة بمختلف مكوناتها ، سواء على المستوى الرسمي من الدول والأنظمة والزعامات ، أو حتى على مستوى الشعوب ونخبها السياسية والثقافية والفكرية والإجتماعية على هذه المؤامرة يكاد لايجد شيئا يذكر يكون في مستوى القضية وفي حجم هذا المخطط.

فعملية تهويد مدينة القدس جارية على قدم وساق ، وبخطط مدروسة وجدية صهيونية لاتعرف الهزل ، يقابلها صمت أهل القبور من الطرف المقابل وسلبية مقيتة ولامبالاة مخيفة على كل المستويات إلا من بعض التحركات المحتشمة التي لاتسمن ولاتغني من جوع وإن كان أصحابها مشكورين على ذلك.

فأصحاب الشأن ــ إن كانوا أصحاب الشأن ــ أبو مازن وزمرته الدايتونية ردودهم على الحملة الصهيونية على القدس والأقصى باللقاءات العبثية وتبادل القبلات والمصافحات والتهاني بالأعياد مع المتطرف ليبرمان ورئيس حكومته نتنياهو الذي يصر على ثوابته وشروطه ووضوحه في ذلك وتحديه للجميع بتأكيده على أن مبدأ يهودية الدولة الصهيونية غير قابل للنقاش ، وعلى الطرف الذي من المفروض أن يكون فلسطينيا أن يقبل به كأحد المسلمات .

أما المقامرين بالقضية فيتقدمون وبوضوح هم أيضا وبدون شروط مسبقة ، المهم هو التفاوض ثم التفاوض ولاشيء غير التفاوض ، هودت القدس أم لم تهود ، هدم الأقصى أو بقي ، إمتدت رقعة المستوطنات أم بقيت كما هي ، شطب حق العودة للاجئين أن تلوعب به ، كل هذا لايهم ، المهم هو القضاء على الحس المقاوم في الضفة وتصفيته وإن كان فتحاويا ، وتوسيع دوائر التنسيق الأمني مع العدو  إلى أبعد الحدود في تصفية المقاومة وتجفيف منابعها ، والحرص المطلق على أمن الكيان الغاصب وقياداته الأمنية والسياسية إلى درجة حراستها ومرافقتها في زياراتها وجولاتها في المدن الفلسطينية المحتلة ، إضافة إلى عمل المستحيل من أجل دفع القيادة الصهيونية إلى تخليصهم من وجع الرأس الذي تسببه غزة وحكومتها ومقاومتها ، ورفع الحرج الذي أوقعتهم فيه عملية الحسم المبارك ، وماالموقف المخزي من حرب الفرقان الأخيرة إلا خير دليل على ذلك ، حيث بدأت المصادر الصهيونية تسرب وتفضح تواطؤ فريق دايتون في رام الله وطلبه الملح للقيادة الصهيونية على مواصلة الحرب وعدم توقيفها حتى السيطرة على غزة وعودتهم فوق الدبابات الإسرائلية وفوق جثث الشهداء وأنات الثكالى  والمنكسرين وحصد المنهزمين وتدمير بنية المقاومة وتصفية قادة حماس ، لكن إرادة المجاهدين ويقظتهم وبسالتهم حالت دون ذلك وفوتت الفرصة على المتآمرين والمتخاذلين وسفتهم المل ، وحققت الإنتصار رغم عدم تكافؤ القوى.

كذلك نستحضر في هذا المجال تصريح السفاح براك الأخير الذي يصف فيه عراب أوسلو الأكبر بأنه خدم إسرائيل أكثر من الإسرائليين أنفسهم لما بدأ يتسردك بتصريحات دنكيشوطية بعد أن أصبح عضو هيئة تنفيذية في المنظمة.

أما النظام العربي الرسمي فلا وقت لديه للإهتمام بالقدس والأقصى ، فهو مشغول بما هو أهم وهو تشديد الحصار على غزة وأهلها ومقاومتها ومحاربة أنفاقها التي تمثل شريان الحياة الوحيد لهم ،بدل محاربة أنفاق الصهاينة تحت المسجد الأقصى ، والعمل على إسقاط الحكومة الفلسطينية في غزة وتقديمها طقوس الإستسلام والخضوع ، لأن نموذج غزة بوضعه الحالي محرج لكل هذه الأنظمة أمام شعوبها يغريها بإستحضار النموذج ، لذلك هم يريدون التخلص منه في أقرب الآجال والذي هو مصلحة مشتركة يتقاطعون فيها مع الصهاينة مقابل صمتهم على مايجري للقدس والأقصى.

حتى التيارات الإسلامية والقومية فإن مستوى إهتمامها العملي بالقضية لايرقى إلى ماينبغي أن يكون ومايتناسب مع التنظير والشعار ،وينسجم مع مكانة القضية وقيمتها الدينية والروحية .

فنلتفت يمينا وشمالا فلا نكاد نرى إلا أسد الأقصى الشيخ رائد صلاح ــ قوى الله ظهره ومكن له ــ يصول ويجول مرابطا على الثغر مع ثلة من إخوانه ، يقفون بشموخ حراسا للأقصى وللقدس بما يملكون يسترخصون الغالي في سبيل ذلك ، دون أن يكلوا أو يملوا ، وظل الشيخ رائد ومازال أفضل معبر عن القضية وحامل لها في كل المحافل في حله وترحاله محذرا ومنبها وناصحا وموقظا وفاضحا.

كما نجد في الخندق نفسه حماس والحكومة الفلسطينية وكل فصائل المقاومة الذين يعلنون صباح مساء إستماتتهم في الوقوف في وجه التهويد وإثارة القضية بشكل دائم لإستنهاض الأمة وتحسيسها بواجبها نحو الأقصى والقدس ، رغم مايتعرضون له من حصار وتجويع ومؤامرات ، لكن ذلك لم يثنيهم على جعل القضية ذات أولوية في أجندتهم والحضور الدائم والمستمر لها في كل تحركاتهم ونشاطاتهم.

فهم قد أكرمهم الله بشرف الدفاع عن ثالث الحرمين والمرابطة على ثغوره ، ومواجهة الآلة الصهيونية الراغبة في إزالته وهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم وتهويد الأرض المباركة .

ماعدا ذلك نلاحظ برودة الإهتمام بقضية القدس والمسجد الأقصى وضعف الفعاليات والمبادرات حتى التحسيسية منها بقيمة القضية ومركزيتها في قاموس الأمة ، وخطورة مايتعرض له أقصانا من إرادة للهدم .

نرى ذلك وكأن القدس والمسجد الأقصى هي قضية حماس والمقاومة والحكومة الفلسطينية في غزة والشيخ رائد صلاح والحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني فحسب دون غيرهم.

فالأمر بحاجة إلى إعادة نظر ، وتكثيف العمل الجاد والتحرك الفعال والحضور المستمر وتنوع آليات ووسائل الدعم المادي والمعنوي واللوجستي وإثارة القضية في كل المحافل الإقليمية والدولية بشكل أكثر إرادة وقوة ، وشد على أيدي المرابطين على الثغور ، فهم ــ يعلم الله ــ يقومون بذلك نيابة عن الأمة كلها ، وبعض الستر لتقصيرها في حق حرمها ومسجدها وأرضها المباركة ، وأن لاينخفض منسوب الفعاليات الخاصة بذلك مهما كانت الظروف ، وأن لاتكون قضية الأقصى والقدس مناسباتية فقط ، وأن لانتعامل معها بمزاجية وكفى ، فالأمر جد ليس بالهزل ، والقوم جادون لايلعبون وهدفهم واضح وبين لايحتاج إلى كثرة تبين.

عند ذلك نقول أننا أصحاب القضية وأنها قضية الأمة بأكملها ، أما ماهو موجود وملاحظ الآن يجعلنا نقول ــ وبكل أسف ــ أن قضية القدس والأقصى مازالت هي قضية حماس والمقاومة ورائد صلاح وإخوانه وفقط ، إلى إشعار آخر ، وإلى أن يحدث الله أمرا كان مفعولا.