الخطأ الإيراني القاتل
جان كورد
يبدو أن الرئيس الايراني أحمدى محمودى نجاد الذي لايمر أسبوع في بلاده دون تظاهرات حاشدة ضد شرعية انتخابه مؤخرا يقع في أخطاء كبيرة على الصعيد السياسي الدولي، لاتقل سلبية لبلاده عن أخطاء الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين... وقد انتهى نظام صدام حسين نتيجة أخطائه الفاحشة، إلا أن العراق لم ينقسم من بعده، رغم عظمة الضربة العسكرية التي تلقاها، حيث استعجل الكورد، أعداؤه الكبار، لمساعدة حكومة مركزية ضعيفة وساهموا في بقاء العراق موحدا حتى اليوم، بل صار قائد بيشمركتهم قائدا أعلى لجيش العراق وزعيم من زعمائهم رئيسا للبلاد، بدلا من العمل عن الانفصال عنه في ظروف سانحة جدا، أما ايران ما بعد سقوط أحمدى نجاد هذا، عن طريق عدوان خارجي، كالذي تعرض له العراق في عام 2003، فسيمهد الطريق لتفتيت ايران الى عدة دول أو اقاليم ذات صلاحيات فيدرالية واسعة، مثلما حدث ليوغسلافيا بعد هزيمة الزعيم الصربي ميلوزوفيتش في الحرب التي شنها عليه حلف النيتو...
كان أحمدى نجاد والملالي الواقفون خلفه، الداعمون له في كل شطحاته السياسية، وكذلك مسؤولو الحرس الثوري، يؤكدون في كل مناسبة على أن الهدف من الفعاليات النووية الايرانية هدف سلمي وأن ايران لايسعى الى امتلاك القوة الذرية للأغراض الحربية، على الرغم من أن ذلك حق طبيعي للدفاع عن النفس في مواجهة دول أقوى تمتلك ذات السلاح وبشكل مروع... وهذا ما قسم المجتمع الدولي الى فئتين، فئة تقول بأن على العالم قبول الموقف الايراني مع ضرورة الحرص على عدم سير الايرانيين صوب امتلاك السلاح النووي، ومن هذه الفئة من مصالحه التجارية – المالية مع ايران تأتي في درجة أهم من السلام العالمي، وفئة تقول بأن مجرد الانخداع بالوشاح الكاذب للاعلام الايراني في هذا المجال هو وقوع في مصيدة، ومن هذه الفئة من يريد دفع ايران الى زاوية ضيقة ترتكب فيها قيادته السياسية أخطاء قاتلة تسمح لهذه الفئة بالهجوم على ايران لضرب ما تمتلكه، ليس المفاعلات النووية فحسب، وانما كل القوى الأساسية التي تساعدها لتصبح دولة عظمى في المنطقة بعد انتهاء عراق صدام حسين...وقد وقع الايرانيون في ذلك الخطأ القاتل الآن...
كان صدام حسين يوهم العالم بأنه يمتلك السلاح النووي الذي لايوجد حقيقة، لتخويف عدوين أساسيين، اسرائيل وايران، ولم يتوقع أبدا أن تهاجمه الولايات المتحدة مرة أخرى، بعد أن وقفت زحفها صوب بغداد أثناء حرب الكويت من قبل...وكان هذا خطأه القاتل...وأحمدى نجاد الذي يطلق العيارات النارية الثقيلة في تصريحاته العلنية مطالبا بمحو اسرائيل من خارطة العالم قد لجأ الى ما يخيف الاسرائيليين ألا وهو استعراض قوته الصاروخية البعيدة المدى والتي تعمل بالوقود الحيوي، وفي ذات الوقت الذي قدم فيه "مجاهدو خلق ايران" للعالم وثائق وصور تثبت وجود مفاعلين نوويين سريين آخرين في بلادهم لايعلم أحد عنهما شيئا حتى الآن، فلم يكن هذا مجرد صدمة لاسرائيل فحسب وانما للدولتين العظميتين أيضا: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا... فوجود مثل هذه الصواريخ التي لابد أن يكون للروس أو الصينيين أو الكوريين الشماليين دور حاسم في اقتنائها وتطويرها وتسليحها لتهدد أوروبا وكل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، اضافة الى اسرائيل وبعض الدول العربية السنية، يزيد من خطورة الطموحات الايرانية، بحيث أضطر الروس الى التفكير مليا فيما يقومون به في مجال مساعدة نظام طهران عسكريا، وذلك لأن مصالح روسيا مع كل من أوروبا وأمريكا والدول العربية لاتقل أهمية عن مصالحها مع ايران...وهي لاترضى أن يكون لأحد من جيرانها مثل هذه الصواريخ فعلا...
الخطأ الايراني الأشد ضررا لايران ذاتها هو أن هذه الصواريخ البعيدة المدى والخطيرة حقا في حال تزويدها برؤوس نووية هي في أيدي الحرس الثوري الذي تعتبره اسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى من المنظمات الارهابية الخطيرة دوليا والتي تملك امكانات مالية وتقنية واستخباراتية وقتالية هائلة، وهي تعتمد على فكر مذهبي متعنت يفوق كل الأفكار الأخرى تطرفا حيال المخالفين لها، داخليا أو خارجيا...
وهكذا يعطي السيد أحمدى نجاد أعداء نظامه ذرائع وحجج يمكن أن يحولها الاعلام العالمي الى سلاح ضده عن طريق مبدأ "توحيش العدو" ، كما حدث أثناء الأزمة العراقية في أواخر حكم صدام حسين، وبذلك يضطر المجتمع الدولي مكرها تحت ضغط اعلامي هائل الى اتخاذ قرارات حادة وحاسمة ضد طهران...وبخاصة فإن خبراء ومعاهد الاستراتيجية والعلوم العسكرية والأمن القومي في الولايات المتحدة، وهي المعروفة بولاءاتها لاسرائيل في معظم الأحوال، تصر الآن على أن سياسة الاحتواء التي يحاول ممارستها الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه الاندفاع الايراني لامتلاك السلاح النووي عن طريق السلام والحوار سياسة لن تؤدي إلا الى فشل ذريع، وأن العقوبات الاقتصادية لن تحقق غاياتها ضد أي دولة تمتلك من المال والبترول مثل ما تمتلكه ايران من امكانات هائلة...
إن الأجواء تنذر بالخطر، والذي استمع جيدا لخطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين ناتانياهو في الأمم المتحدة مؤخرا يدرك جيدا أن الاسرائيليين لايرجون شيئا ايجابيا من العقوبات الاقتصادية أو سياسة الحوار مع طهران، وعلى الرغم من الصياغة الهادئة لخطابه الهام فإن رائحة البارود كانت تفوح منه...ويبدو أن الرئيس الايراني قد فهم الاشارة فأقدم على اظهار قوته الصاروخية كرد فعل على التهديدات الظاهرة والمبطنة لاسرائيل، وبذلك أوقعه الاسرائيليون بذكاء وفطنة ديبلوماسية في الخطأ الذي كانوا يريدون منه أن يقوم بارتكابه تماما...
ولاشك أن حربا خاطفة لاسرائيل على ايران ستكون له عواقب خطيرة للمنطقة برمتها وللبترول بشكل خاص، ولذا فإن الأمريكان مضطرين للعمل مع الاسرائيليين، ولكنهم لايريدون الوقوع في مغامرة عراقية جديدة أو يقعوا في فخ أفغاني كالذي هم فيه، دون أن يكون الأوربيون والروس والعرب والترك معهم على الطريق صوب طهران...
ويكفي أن نذكر بأن هجومهم من قبل في عهد الرئيس جورج بوش (الأب) على بنما لاسقاط واعتقال الرئيس نورييغا قد فرض عليهم عملا مضنيا وخططا واسعة واعدادا طويل الأمد وتدريبات قاسية واستخبارات قوية، فكيف لهم بالقضاء على جيوش ضخمة لايران دون التفكير مليا في ذلك، ودون تخطيط طويل الأمد وبمشاركة حلفاء وأصدقاء كثيرين؟....
الحرب قادمة ولكن متى؟ انها مسألة وقت واعداد وشحن وتخطيط وتحضير سياسي ...