وقفة مع المعارضة السورية ؟
وقفة مع المعارضة السورية ؟
خالد الأحمد*
يستطيع المتابع للأحداث السورية خلال السنوات القليلة الماضية ، وخاصة خلال العام الحالي (2005) أن يتأكد من توافق المعارضة الداخلية المتمثلة في التجمع الوطني الديموقراطي ، وعدة شخصيات مستقلة ، مع المعارضة الخارجية المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الكردية وغيرها ، بعد أن تأكدت المعارضة الداخلية وفي مقدمتها التجمع الديموقراطي الذي يضم خمسة أحزاب ، والذي يقوده الأستاذ حسن عبد العظيم ، ومنهم حزب الشعب الديموقراطي ( الشيوعي سابقاً ) ، وخاصة السياسي السوري المخضرم الأستاذ رياض الترك ، الذي ظهر على المستقلة لأول مرة يجلس مع المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا ، بل أعلن أن جماعة الإخوان المسلمين أكثر الفصائل السياسية السورية من حيث الوعي السياسي ، وعدد من الشخصيات السياسية المستقلة مثل الدكتور هيثم مناع الذي أعلن أن جماعة الإخوان المسلمين أكبر معارضة سورية فعالة ، والأستاذ ميشيل كيلو , الذي يدافع منذ سنتين عن جماعة الإخوان المسلمين ويطلب من النظام محاورتها ، وغيرهم . تأكدت هذه المعارضة من موقف الإخوان المسلمين الديموقراطي ، ونهجهم السياسي الصحيح ، بالإضافة إلى أنهم المعارضة السياسية السورية المنظمة والفعالة .
ويستطيع المتتبع للمشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وتصريحاتهم خلال العام (2004) والعام الحالي أن يستنتج الأمور التالية :
أولاً تشمل المعارضة السورية لنظام الحكم الذي استمر أكثر من أربعة عقود ، (90%) من الشعب السوري ، فقد أعلن الإسلاميون معارضتهم للنظام الحاكم الذي سلب الحريات ، ونهب الأموال ، وكمم الأفواه ، وفرض الأحكام العرفية ، وعطل القانون والدستور، وعندما رفع الإسلاميون صوتهم بالمعارضة منذ ( 1964، في مسجد السلطان ) ، وفي (1973 خلال أحداث الدستور ) صبت الحكومة عليهم أقسى وأشد أنواع البطش والقتل والتنكيل انتهى بمجزرة حماة (1982) حيث قتلت السلطة ثلاثين ألفاً من أبناء المدينة . ويتبين الآن مماقاله محمد سليم حماد في كتابه (تدمر شاهد ومشهود ) أن السلطة قتلت في سجن تدمر قرابة (13 18 ) ألفاً من خيرة أبناء الشعب السوري ، كما يؤكد ذلك الصحفي السوري نزار نيوف .
ثانياً : واليوم ترفع القوى اليسارية في سوريا صوتها بالمعارضة ، ممثلة بالمحامي رياض الترك ، والصحفي نزار نيوف ، وعدد من أعضاء مجلس الشعب المستقلين مثل رياض سيف ومأمون الحمصي ، والدكتور عارف دليلة .
ويعنى ذلك أن المعارضة السورية للحكم تشمل أقصى اليمين وأقصى اليسار ، مرورا بالبعثيين المنشقين عن الحزب الحاكم مثل عبد الله الأحمد وغيره ، والناصريين مثل منتدى جمال الدين الأتاسي الذي سمح بقراءة رسالة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين ، وقد قوبلت هذه الكلمة بالتصفيق والترحيب .
ثالثاً : وممايلفت النظر في هذه المعارضة اتفاقها على مايلي :
1 التغيير السلمي ، فهي لاتريد انقلاباً عسكرياً يضعها على كراسي الحكم كما فعل البعثيون ، بل ترفض ، ورفضت في الماضي ، هذه الطريقة ، طريقة اغتصاب الحكم بواسطة الدبابة ، ومازالت تؤمن أن الدبابة اشتريت بأموال الشعب ؛ لتحميه من أعدائه ، لا لتقتله ، أو لتغتصب كراسي الحكم من الشعب ، ولاتريد عنفاً ، تريد من النظام القائم أن يصلح نفسه ، تريد ذلك وتنادي به ، ووسيلتها إليه العمل السياسي والإعلامي ، والمطالبة المستمرة بالحقوق المستلبة للشعب السوري ، والتي صادرتها حكومته ، ولم يصادرها مستعمر أجنبي عن البلد ، ونبذ العنف من المعارضة ومن أجهزة الدولة الأمنية .
2 لاتريد الاستقواء بالأجنبي ، وقد أعلن الإخوان المسلمون موقفهم مرات عديدة على الفضائيات ، من أشهرها لقاء المراقب العام مع فضائية العربية ( نقطة نظام ) قبل عدة شهور . كما أكدت المعارضة الداخلية موقف عدم الاستقواء بالأجنبي ، وقد صرح الرئيس بشار الأسد خلال زيارته إلى قطر عام (2004 ) بهذا المهنى عندما قال مامعناه : المعارضة السورية وطنية ولاتستقوي بالأجنبي ، ولم يبق أحد لم يسمع بهذا الموقف ، إلا أعضاء المؤتمر القطري العاشر ( أصلحهم الله وعلمهم ) الذين قالوا بأن الإخوان المسلمين يستقوون بالأجنبي وربطوهم بحزب الإصلاح الذي أعلن ارتباطه بالحكومة الأمريكية .
ولابد من التنويه إلى أن المعارضة السورية اتخذت هذا الموقف ، بعد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن ، وقبل دخول أمريكا إلى العراق وسقوط بغداد ( 9/4/2003) .
3 لاتريد إلغاء النظام الحالي ، أو إقصائه ، أو تدميره ، وإنما تريد منه إصلاح نفسه باتباع الخطوات التالية :
أ - اطلاق سراح جميع السجناء السياسيين ، وقد مضى على بعضهم أكثر من ربه قرن . وتعويضهم وتأهيلهم للعيش في المجتمع الحالي ، وتوفير المسكن والعمل لهم .
ب - الكشف عن مصير المفقودين ، وإشهار ماصاروا إليه ، لتسوى أوضاعهم القانونية والشرعية والعائلية ، وتعويض ذويهم ومساعدتهم على تلقي ذلك .
ج - إلغاء المادة الثامنة من الدستور القاضية بأن يكون حزب البعث قائداً للدولة وللمجتمع . وتريد المعارضة أن يصبح حزب البعث مثل غيره من الأحزاب داخل الجبهة التقدمية وخارجها ،له حق العمل السياسي كما لغيره من الأحزاب . وتعتقد المعارضة أن كثيراً من البعثيين الأصليين الشرفاء يوافقون على هذا المطلب .
د - إلغاء قانون الطوارئ ، ليسود الدستور والقانون والنظام كما في سائر بلدان العالم ، وتنتهي الفوضى واللصوصية وخطف الرجال والنساء والأموال .
ه - إلغاء المرسوم (49) ، المرسوم العار الذي يقضي بإعدام كل من يتخذ منهجاً سياسياً نابعاً من الإسلام الذي يدين به ( 90 % ) من الشعب السوري ، المرسوم الذي يحاسب على النوايا الخيرة بالإعدام .
و- أن تعود المخابرات العسكرية إلى ثكناتها ، لتتابع العسكريين الذين يتعاملون مع العدو الصهيوني وما أكثرهم كما تتابع الجواسيس الصهاينة الذين يسرحون ويمرحون في سوريا الحبيبة ، بينما المخابرات العسكرية منشغلة بعدد الشباب الذين يؤدون صلاة الصبح في المسجد ، وعدد الذين يقصرون ثيابهم حسب السنة ، ومراقبة الشباب الذين يرتادون المساجد خوفاً منهم . وأن تترك المدنيين لشعبة الأمن السياسي كما في جميع بلدان الدنيا .
ز - إرساء نظام التعددية السياسية ، وإلغاء نظام الحزب الواحد ، وفتح المجال أمام الجميع ليسهم في خدمة الوطن .
فهاهو الأستاذ رياض الترك يصرح بأنه يحق للإخوان المسلمين بتأسيس حزب سياسي ، يعبرون من خلاله عن رأيهم السياسي ، ويسهمون في خدمة وطنهم . وهاهم الإخوان المسلمون يصدرون بياناً يستنكرون اعتقال رياض الترك ويطالبون بإطلاق سراحه ، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين . ولما أطلق سراحه للمرة الأخيرة كان الأستاذ علي صدر الدين البيانوني أول من اتصل به هاتفياً يهنئه بالسلامة ، والخروج من السجن ، ولاينس الإخوان المسلمون ، ويثمنون موقف الأستاذ رياض منهم ؛ عندما أراد الرئيس الراحل منه إصدار بيان يحمل فيه الإخوان مسؤولية المذابح التي وقعت في سوريا خلال الثمانينات ، فأصر الأستاذ رياض على موقفه الواضح وهو أن الإخوان دافعوا عن أنفسهم عندما اضطرتهم السلطة إلى ذلك ، ودفعتهم إليه دفعاً .
كما يؤيد الأستاذ علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للإخوان المسلمين يؤيد الأستاذ نزار نيوف خلال مقابلته مع محطة الجزيرة ، ويقول كل ماقاله الأستاذ نزار قلناه قبل عشرين عاماً ، كما أثنى الأستاذ نزار على موقف الأخ أبي أنس .
رابعاً : سقط التصنيف الطائفي الذي استغله النظام الحاكم على مدى ثلاثين عاماً مضت ، وسخر بعضاً من الطائفة العلوية لمصالح أباطرته الخاصة ، وقد أعلن الأستاذ نزار نيوف أن كثيراً من أبناء الطائفة العلوية مسحوقون مثل غيرهم من الشعب ، وأن المستفيد منهم فئة قليلة ، ويذكرنا هذا بموقف النظام من صلاح جديد والشاعر سليمان الأحمد وأولاده وغيرهم كثير . ويبدو أن قسماً غير قليل ؛ من أبناء الطائفة العلوية سوف يقف أو وقف مع المعارضة ، ومنهم الدكتور عارف دليله خبير الاقتصاد المعروف ، مما سيقصم ظهر الحرس القديم الذي سخر بعضاً من هذه الطائفة لمصالحه الشخصية . وقد صرح المراقب العام للإخوان المسلمين بهذا ، وأعلن أن الإخوان المسلمين لايحملون الطائفة العلوية أوزار النظام المستبد الذي أهلك الحر ث والنسل ، وأذل العباد والبلاد .
خامساًً : يعتقد بعض أفراد المعارضة أن الرئيس بشار الأسد يريد التغيير ، لكنه حتى الآن لايمسك إلا أجزاء بسيطة جداً من دفة الحكم والسلطة ، وربما يكون الرئيس ذا عقلية متفتحة ويريد أن يكون بلده ديموقراطياً كما بين ذلك في خطاب القسم لكن اللوبي القديم والجديد الذي يريد سوريا بقرة حلوباً ينهب ملياراتها ليودعها في حساباته كما يفعل رفعت وجميل وفواز وسومر ودريد ورامي وجمال وفراس .... وغيرهم كثير ، هذا اللوبي يخاف من الديموقراطية على مصالحه الشخصية ومصالح أولاده وأحفاده ، وقد وصل الجشع ببعضهم إلى أن يبيع قطعاً من الأرض السورية ليجعلها مقبرة للنفايات النووية ، فتنتشر الأورام في البادية السورية .
والآن :
والمطلوب الآن التنسيق بين صفوف المعارضة ، وذلك من خلال مؤتمر وطني يعقد خارج سوريا حيث يتعذر ذلك داخلها ويعلن عن منهج عمل محدد زمنياً للتغيير السلمي في سوريا ، تشارك فيه كل أطراف المعارضة ، وحتى من يرغب من رجال النظام الراغبين في هذا التغيير .
وقد طرح الإخوان المسلمون ( مشروع ميثاق شرف وطني للعمل السياسي ) ، ومما جاء فيه : ( إن دعوتنا إلى المشاركة في هذا الحوار حول مشروع هذا الميثاق مفتوحة لجميع القوى السياسية والشخصيات العامة ) .
كما جاء في مشروع الميثاق : ( وأن الاعتراف بالآخر الوطني ( العقائدي والسياسي والفكري والثقافي ..) ركيزة أساسية من ركائز التفكير والحركة ... وليس في وسع أحد أن يمحو الآخر أو ينفيه ) .
وتمثل هذه الأفكار الواردة في مشروع ميثاق الشرف الوطني للعمل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ، أفكاراً متفق عليها من قبل المعارضة السورية المعاصرة ، وأساساً يصلح لعقد مؤتمر وطني للمعارضة السورية .
وقد انعقد مؤتمر المعارضة السورية الأول في لندن (2325) آب 2002 ، وبعد مداولة ومناقشة وتعديل بعض فقرات مشروع الشرف الوطني الذي طرحته جماعة الإخوان المسلمون ، تمت الموافقة عليه من المؤتمرين ليصير ميثاقاً وطنياً ، كما شكلت لجنة لهذا الميثاق الوطني تتكون من سبعة أشخاص أحدهم علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للإخوان المسلمين .
وتتطلع المعارضة السورية اليوم ( داخل البلد وخارجه ) إلى عقد مؤتمر وطني ، تجلس فيه المعارضة السورية في الداخل والخارج ، ومن يشاء من أطراف النظام الحاكم ، كخطوة تمهيدية لعقد مؤتمر مصالحة وطني داخل سوريا ، تحضره جميع فصائل المعارضة السورية ، مع أطراف الجبهة التقدمية الوطنية ، بمافيها حزب البعث العربي الاشتراكي ، مؤتمر ينظر لسوريا بعين الواقع ، وعين الحرص على مستقبل هذا الحصن الأخير من قلاع العروبة ، بعد سقوط بغداد ، مؤتمر يستفيد من درس العراق ، ويضع مصلحة الوطن قبل المصالح الشخصية ، وقبل المصالح الفئوية ، وقبل المصالح الحزبية ، وينظر للحاضر المهدد بالخطر المحدق بالوطن ، وينظر للمستقبل في عالم طغت فيه أمريكا واستكبرت ، ومارست الإرهاب علناً في العراق وأفغانستان ، وتهدد سوريا كل يوم ، ويجب أن نهتم بحاضرنا ومستقبلنا ونستفيد ونعتبر من ماضينا ، كل ذلك من أجل سوريا حرة كريمة لجميع أبنائها بدون استقصاء أو إلغاء .
والحمد لله رب العالمين
* كاتب سوري في المنفى