محاولة لفهم علاقة أمريكا بالنظام الأسدي

د. عبد الله السوري

محاولة لفهم علاقة أمريكا بالنظام الأسدي

د. عبد الله السوري

[email protected]

في موضوع سابق خلصت إلى أن سياسة أمريكا في تعاملها مع الدول الأخرى تمتاز بصفتين أساسيتين هما :

1-    التغيـر في الزمان والمكان حسب مصلحة أمريكا .     2- النسـبية وهذه تتيح لها التحالف مع زيـد وعـدوه بآن واحد ...

 ومن مراجعة حياة حافظ الأسـد يتضح أنـه زُرع بين العلويين ، ليتخذ منهم  (عصبـة ) ـ حسب مفهوم ابن خلدون ـ يحكم بواسطتها سوريا ، وقد كان ذلك ، وتخلى حافظ الأسـد عن الطائفة العلويـة بعـد أن حقق أهدافـه من تسخيرها لمصالحه ...

وبعد وفـاة حافظ الأسـد وتوريث حكم سوريا لولده من بعـده ، اتضـح أن حكـم سـوريا أعطي لآل الأسـد من قبل قوة عالميـة كبيرة ، وبدون شـك هي ( أمريكا ) ، التي زرعتـه بين الطائفة العلوية ، ورعتـه حتى صار حاكماً  لسوريا ، ويتبين ذلك من خلال أمور عدة :

 1-  منذ الحركة التصحيحية التي قـام بها حافـظ الأسـد ( 16 /11/1970) كان ( إقبال ) حافظ الأسد على أمريكا ، وحلفائها في المنطقة واضحاً ، فبعد أن كان صلاح جديد وزعين وماخوس والأتاسي ينادون بالماركسية ، وحرب التحرير الشعبية ،  والقضاء على الرجعية ، وغير ذلك من شعارات البعثيين ، والرجعية عندهم العلماء والدعاة المسلمون والحركات الاسلامية ، والأنظمة العربية ( غير الماركسية ) ...وقبيل حرب (1967) كان طرحهم ( القضاء على الرجعية أولاً ثم القضاء على الصهاينة ) :

 في نيسان أو أيار( 1967م) نظم اتحاد الطلبة في مدينة حمص محاضرة في سينما الأوبرا حضرها مئات الطلاب ، وقد وصف لي شـاهد عيـان هذه المحاضرة يقول واصفاً المقـدم مصطفى طلاس: ( دخل المقدم أبو فراس بلباس المغاوير وقفز من أمام المسرح ليصل إلى مكان المحاضر فارتفع التصفيق للبطل المغوار ، وبدأت المحاضرة فقال المقدم أبو فراس بعد أن علق خريطة على الجدار وأمسك بيده عصاخاصة بكبارالضباط قال سـوف تتحرك قواتنا باتجاه الجنوب لتدك قصر الرجعية أولاً ثم نتجه غرباً في اليوم الثاني، وخلال هذين اليومين تكون القوات المصرية اجتازت سيناء ووصلت إلى ساحل فلسطين، وفي اليوم الثالث سوف نطبق فم(الكماشة)على اليهود و...) فصاح الطلاب مرة واحدة (ونرميهم في البحر ) فعلا الهتاف ( أمـة عربية واحدة ذات رسـالة خالدة ، أهدافنا  وحدة حرية اشتراكية ، الخلود لرسالتنا وللجيش العقائدي) ...

وهكذا من بدهيات البعثيين أن محاربة ااـرجعية أهم من محاربة إسرائيل ، وكنا نظن ذلك على سبيل الكناية ، حتى تأكد لنا أنه على سبيل الحقيقة ، فقد حاربوا المسلمين وقتلوا العلماء ودمروا المساجد ، ولم يعكروا أمن إسرائيل بعد .

 أما لما قام حافظ الأسـد بالحركة التصحيحية ، ووضع رفاقـه البعثيين والعلويين في السـجن ، ولم يخرجوا منهم إلا إلى القبـر .. صار ينادي بضرورة التعاون مع الدول العربية ، وكان ذلك بضـوء أخضر أمريكي ، وانطلقت النكتـة [ غمز على اليسار واذهب يميـن ] ، وصارت ســياسـة حافظ الأسـد أمريكية أكثر منها ( اشتراكية ) .

2-  استمر وقوف حافظ الأسد مع الأمريكان ، مرة سـراً ، كما في دخولـه لبنـان والقضاء على المقاومـة الفلسطينية ، بموافقـة من أمريكا والصهاينة ، ومـرة علناً كما وقف في ( حفر الباطن ) جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية ضد الجيش والشعب العراقي ( العربي البعثي ) ...

3-  حاول حافظ الأسـد أن يلعب دوراً إقليمياً بموافقـة أمريكا ، ورضاهـا ، والمشي في ركابها ، عندما :

 1-دخل لبنـان للقضاء على المقاومـة الفلسطينية ، واللبنانيـة السـنية ولم يترك سوى المقاومة الشيعية .

2-وقف ضد العراق في حرب عاصفة الصحراء ... من أجل تحرير الكويت ....

3-وقف الى جانب القوات الأميركية والامبريالية في حفر الباطن ضد الجيش العراقي البعثي ...

 ومن دراسـة تاريخ حافظ الأسـد يتبـدى أن رعايـة أمريكا لـه كانت تهدف للقضاء على الحركة الاسلامية في سوريا خاصة ، وتهدف إلى القضاء على الشعور القومي الوحدوي في سوريا ، وإخراج سوريا من المعركة مع الصهاينة ، كما أخرجت مصر !! ، واستطاع حافظ الأســد أن يحقق مهمتـه بنجـاح ، ومات ولم يخرج عن ( نسـبة ) التحالف الأمريكي التي منحـت لـه ، وبتعبير آخر لم يعمل ضـد المصالح الأمريكية ....

 4-  مات حافـظ الأسـد ، ووصلت ( مادلين أولبرايت ) وزيرة الخارجيـة الأمريكية ( الصهيونية ) ، ولم تغادر دمشق حتى اطمأنت على توريث السلطة لبشار الأسـد بن حافظ الأسـد ....

لكن بشار لم يتقـن  اللعبة ، بل لم يتعلمها أصلاً ، ناهيك عن اتقانها ، وصار يمشي في مخططات غير متفقـه مع المصلحـة الأميركية ، عندما صار ينهب الشعب اللبناني ، ويستبيح أزلامـه  أموال وأعراض الشعب اللبناني ، ثم زاد الطين بلـة عندما عمل بكل نفوذه من أجل تجديـد رئاسـة لحـود ، واغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد ذلك ..

نسي بشار ، أو قل لن يعرف ، أن أوربا وأمريكا فصلتا لبنان عن سوريا منذ بداية القرن العشرين ، لإقامة كيان نصراني ، ولحماية نصارى الشام ، ولإقامة دولـة مشغولة بالتجارة والزراعة والفنادق والاصطياف ، لا علاقة لها بتحرير فلسطين ، كلها أو بعضها ، نسي بشار هذا كله ، وأراد أن يحرر الجولان انطلاقاً من بيروت

، كما أراد أن يضرب العدو الصهيوني ، ليدفعه إلى إعادة التفاوض معـه ، والانسحاب من الجولان ، يضربـه من الجنوب اللبناني ، ولإعادة الدور الإقليمي لسوريا كما كان في عهد والده حافظ الأسـد ...

وبدا واضحاً أن الممارسات السورية في لبنان تدل على أن الوجود السوري فيه لم يعد من أجل هدف محدد ، وإنما ينـزع نحو الاستقرار في البلد ، وهنا كانت الفاجعة الكبرى ـ كما يقول الدكتور محمد العجلاني ـ  ، وكانت الانتفاضة اللبنانية ، وأخرجت القوات السورية من لبنان ، بعد أن  خرجت عن قواعد اللعبة الأمريكية المرسومة لها أصلاً ...

 وهكذا يبدو أن بشار تجـاوز ( النسـبية ) في تحالف أمريكا مع والده  ، أو سكوتها عنـه ، تماماً كما فعل صدام حسين ، وشاه إيران وغيرهم ، من الذين سحبت أمريكا غطاءها الدولي عنهم ، وقضت على سلطانهم ....

 5-  وقف بشار الأسد حليفاً لإيران ، حليفاً على الطريقة العربية (حلف موت) أي مطلق،  في الظاهر ضـد إسـرائيل ، وفي الباطن والحقيقة ضد الدول العـربيـة ( السـنية ) ، حلفاء أمريكا ، الذين وقفوا بجانب صدام حسين في حربـه مع إيـران لمنعها من تصدير الثورة الإيرانيـة ، الدول العربية التي فهمت اللعبة الأمريكية جيداً ، وحفظت شروطها ، ولم تخرج  عن قواعدها يوماً واحداً ...

وهكذا فقد وضع بشار الأسـد نفسـه في موضع صدام حسين بعد غزوه للكويت ، أي بعد أن خرج عن الطوق الأمريكي ، وسوف يلقى المصير نفسـه أو أشـد ...

لذلك يحاول الآن جاهداً أن يعود إلى الحظيرة الأمريكية ، وحتى الساعة لم يفلح ، ,آمل أن لايفلح لأنه لايتقن فن السياسة الأمريكية كما فعل والده ...

وقد بات واضحاً أن ( بوش والبيت الأبيض )سحبوا غطاءهم عن النظام السوري الأسـدي ، ومن أكبر الأدلـة عليه أن الدول العربية المعتدلـة سـحبت غطاءها كذلك عن النظام الأسـدي ...ونقرأ اليوم تأكيدات من الإدارة الأمريكية لأول مـرة تقول النظام السوري فاسـد ، ولايمكن إصـلاحه ، ويؤكد الرئيس الفرنسي هذه المقولـه عدة مرات ، ويبدو أن الغطاء العالمي والإقليمي سـحب عن النظام السـوري ... وقد حاول أوباما تغيير موقف أمريكا الذي رسمه ( بوش ) وحتى الآن لم يفلح ، وقد نصح من حسني مبارك أن النظام الأسدي مرواغ ولايقف عند وعـد أو عهد ...

ولم يبق معه سـوى النظام الصفوي الإيراني ، وبعض الأجنحـة في دولة عصابات الصهاينة التي لاتحلم أن يحكم سوريا أفضل من النظام الأسـدي الصفوي الذي عاشت معه أكثر من ثلاثين سنة في حدود آمنـة ، واحترام متبادل ...

واليوم يصرح المعلم ( بعد ضوء أخضر من معلمه ) ، أننا مستعدون للتفاوض مع إسرائيل دون أن يكون انسحابهم من الجولان شرط في المفاوضات ، فالمفاوضات هي الأهم ، من أجل تثبيت النظام السوري الصفوي المهتـز ...أما تحرير الجولان فيمكن أن يأتي فيما بعـد ....!!!؟

 وإن غداً لناظره قريب ....