وقائع و شرائع
وقائع و شرائع
د.محمد إياد العكاري
يتعجب المرء مما يراه يدور على الساحة الدوليةه من أحداث ووقائع يندى لها الجبين يلمس جانبها في واقع الحال، ليس على الصعيد الإقليمي فحسب بل في االعالم أجمع حيث تسود شريعة الغاب، ويحكم منطق القوة والجبروت، ويتحكم القطب الأوحد في العالم أجمع بأسلوبٍ همجيٍ، ومنطقٍ ساديٍ دون تحكيمٍ للعقل أواستخدامٍ للمنطق مجافياَ بذلك أدنى قواعد الحرية، والديمقراطية، والعدالة، وحقوق الإنسان.
فإذا تأملنا ساحاتنا العربية لنجد أننا نعيش في بوتقة الأحداث، وفي مِرجل التفاعلات الدولية المتأثرة وليس المؤثِّرة، لنلقى أنفسنا نقبع في دوامة التَّآمر الدولي ونضحي فريسةً للتخلف والتبعية والمضي خلف الدول الكبرى لنسير وفق مصالحهم ونصبح قاطرةً من قاطراتهم ولن ننال بذلك الرضا ،أو أننا نفع فريسةً للإحتلال السافر المباشر إن فكر بعضنا في العزف المنفرد كما حصل في العراق، بلد الحضارة، ومهد الثقافة ،حيث تعرض لاحتلالٍ بربريٍ غاشمٍ من قبل القوات الأمريكية وحلفائها ليذهب بخيراتها،ويدمر كيانها، ويهدر ثرواتها، ويسلبها أمنها وتراثها.
لقد دمَّر الأخضر واليابس فبها، وأهلك الحرث والَّنسل ،وجعل الحياة والأمن هما أغلى سلعة، والنفس والروح أرخصها!! حيث أهدر الحياة الإنسانية فيها، وأضحت المجازر والمذابح من المألوفات الحياتية اليومية حتى أن إحدى المنظمات الإنسانية العراقية التابعة لحقوق الإنسان قد أعلنت صباح اليوم 11/7/2005م أن عدد العراقيين الذين قتلوا منذ احتلال العراق وحتى الآن تجاوز 128000 مائة وثمانية وعشرين ألف قتيل وتحدث الدكتور حاتم العلواني رئيس منظمة عراقيون الإنسانية أن جميع من سقطوا قتلى هم ضحايا الغزو الأمريكي للعراق مؤكداً أن 55% من هؤلاء القتلى هم من النساء والأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم عن اثنتي عشرة سنة ؟!.
كل ذلك بدعوى وجود أسلحة الدمار الشامل الغير موجودة أصلاً !!!! وبحجة محاربة الإرهاب !!؟؟
وإذا ولينا وجهنا جهة فلسطين حيث المسجد الأقصى، والأرض المباركة ،ومواطن النبوات و الرسالات لرأينا الظلم مخيماً عليها بأبشع صوره، وأشنع خبره ،حيث الظلم يحيق بشعبٍ اغتصبت أرضه، وسُلب أمنه وشُرّد أهله في العالم أجمع والباقي منهم يعيشون الويل، ويلعقون الصبر، ويتجرعون القهر،ومجلس الأمن الدولي يشارك في المؤامرة حيث يُسيره الأقوياء، ويُصفع فيه الضعفاء لتضحي هيئة الأمم المتحدة لعبة من ألاعيب الكبار يوجهونها كيفما يريدون ليبرروا للظالم فعله، وليدان فيها المظلوم لأنه رفع يده في وجه الظَّالم وأتســـــاءل هنا في الحالتين من هو الضحية؟؟ ومن ياترى الجاني؟؟
وأظن أن الضَّحية هو من يقع عليه اللوم لأن أظافره طالت أمام البنادق والمدافع والصواريخ!!!؟؟.
إن أستمرار الظلم، وفقدان العدالة ،وغياب الديمقراطية، وابتزاز خيرات الشعوب والوقوف في وجه رقيها وتطورها، ثم استمرار الخلل في الحياة والأوضاع السياسية في عالمنا العربي والإسلامي ودعم الأنظمة القهرية، واستمرار العدوان على البلاد الإسلامية بكل الأساليب والعراق وفلسطين شاهدتان حيتان على ذلك القهر والطغيان كل ذلك يولد بلا شك ردود فعل لا يحمد عقباها سواء على المدى القريب المنظور أو المدى البعيد المستور.
وقد توصل إلى هذه الحقيقة مايكل ستشوير الذي كان يرأس الوحدة المتخصصة في متابعة بن لادن داخل المخابرات المركزية الأمريكية لتسع سنوات خلت حيث صرح أنه استقال في نوفمبر م2004 الماضي لأن الإدارة الأمريكية ترفض تنفيذ مطالب يرى أنها كفيلة بإنهاء فكر القاعدة وهي تتمثل في:
1- إنهاء الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.
2- إنهاء الدعم الأمريكي لإسرائيل.
كما أن السيد بلير رئيس وزراء بريطانيا الحالي صرح بعد تفجيرات لندن التي حدثت يوم الجمعة الماضي بتاريخ 9/7/2005 م قائلاً إن القوة وحدها لا تكفي لتوفير الأمن ولابد من معالجة أسباب الإرهاب وآن الأوان لذلك.
وأقول هنا إننا كمسلمين ندين الإرهاب جملةً وتفصيلاً ...ونتعاطف مع كل نفس بريئة أزهقت بغير حق وندين التفجيرات الآثمة التي وقعت في لندن وراح ضحيتها أكثر من خمسين قتيلاً ناهيك عن أكثر من ألف جريح فمقاصد الشريعة السلامية الغراء جليةٌ واضحةٌ كنور الشمس بالحفاظ على الدين والعقل والنفس والنسل والمال لأيٍ كان والنفس الإنسانية والروح البشرية في التصور الاسلامي أعزُّ على الله من الكعبة الشريفة والاعتداء عليها هو اعتداءٌ على الناس أجمعين يقول المولى سبحانه:
{ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون} المائدة32
أجل والله نتعاطف مع الضحايا، وندين الفعلة النكراء ضد الأبرياء والمدنيين سواء حدثت في مدريد كما حصل في 2003م أو في لندن كما حصل في الأيام الماضية ،أو في نيويورك كما حصل في الحادي عشر من سبتمبر2001 ولكننا في نفس الوقت ندين منطق القوة والاحتلال وندين الممارسات السادية واللا أخلاقية للقوات الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان ومن قبل في فييتنام ونتعاطف مع الضحايا الذين يقتلون صباح مساء بنيرانهم وندين أيضا ًالممارسات العنصرية التي يمارسها المغتصبين الصهاينة ضد شعبنا الأعزل في فلسطين والاغتيالات شبه اليومية ،ونسف البيوت، والجدار العازل الذي تستمر به حكومة شارون رغم قرار محكمة العدل الدولية ببطلانه حيث أعلن شارون بكل وقاحةٍ قبل أمس أنه سيتمم إنهاء بناء الجدار العازل بتاريخ الأول من سبتمبر2005وهو الذكرى الأولى لقرار المحكمة في لاهاي التي أدانت بناءه وذلك تمادياً في التحدي والاستهزاء بالقرارات الدولية كما أننا ندين المذابح البشعة التي تعرض لها الشعب البوسني المسلم في أوروبا وذهب ضحيتها عشرات الألوف من الأبرياء تحت مقصلة التطهير العرقي وقد أحيا البوسنيون هذا اليوم الاثنين11/7/2005م ذكرى مذبحة سربرنيتسا التي راح ضحيتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم تحت سمع العالم وبصره وتحت رعاية الأمم المتحدة بتاريخ 11/7/ 1995 م، بعد أن أعطت القوات الدولية للبوسنيين الأمان وتعهدت بحمايتهم ولكنها سلمتهم بعد ذلك لصرب البوسنة الذين ذبحوا منهم في سربرنيتسا أكثر من ثمانية آلاف مسلم لتكون هذه أكبر مذبحة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
إننا كمسلمين ومن منطلقٍ عقيدي نتعاطف مع أي مظلوم أيّاً كان لونه، وأياً كان عرقه ،وأياًّ كان دينه ، وأياًّ كان وطنه سواءً هنا في آسيا أو هناك في أوروبا أو جنوباً في أفريقيا أو غرباً في أمريكا وقد حذرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام من الظلم ومن دعوة المظلوم فالظلم ظلمات يوم القيامة بقوله:
(( اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )) ويقول المولى سبحانه لها مجيباً
(( وعزَّتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين )).
أجل إننا نتعاطف مع كل مظلوم ومع كل نفسٍ يعتدى عليها وعلى مقدراتها وكذلك مع كل روح تزهق بغير وجه حق وندين أي اعتداء آثم على المدنيين والأبرياء مطالبين بحرية النفس الإنسانية، وتأمين راحتها وتحقيق كرامتها، فلا إكراه في الدين وكلٌ يعمل على شاكلته، ومن ثم السعي لتحقيق العدالة والقسط بين الناس في المجتمع الواحد وكذلك بين الأمم والشعوب على ظهر المعمورة و المولى سبحانه وتعالى يدعونا لنعمرها بالعدل والقسط ، والخير والحب ، والبر والصلاح بقوله سبحانه:
(( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)) النحل 90 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.