الاحتواء والحوار الايجابيان
الاحتواء والحوار الايجابيان
بين الدول العظمى والدول الصغرى
د. أديب طالب *
نستطيع أن نضع العلاقات بين الدول، وبالذات بين الدول العظمى والدول الصغرى في احدى ثلاث منازل، المنزلة الاولى وهي التواصل، والمنزلة الثانية وهي الاحتواء، والمنزلة الثالثة وهي الهجوم. وما يحدد التموضع المذكور، ودون تجميل ألفاظ أو تلاعب بالمعاني، هو دائماً مصلحة الدولة العظمى أولاً ومصلحة الدولة الصغرى ثانياً. "ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات"، وقد تعربد الدولة الصغيرة زمناً، الا أنها لا بد ان تسقط في واحدة من شباك المنازل المذكورة، وكثيراً ما تتماهى مرحلة مع اخرى، أو مع اثنتين، الا أن الأسوأ حاصل دوماً عندما يركب حكام الدول الصغرى رؤوسهم، ويعاملون الدول العظمى وكأنهم أمام شعوبهم. تتجلى هذه الحقيقة بوضوح تام لدى الحكام الديكتاتوريين، ولم يعرف التاريخ الحديث والمعاصر أن دولتين ديموقراطيتين قد تحاربتا، بغض النظر عن الاحجام.
عندما سئل السيد طوني بلير، وكان حينها رئيساً لوزراء بريطانيا، لماذا يهرول خلف بوش، كان جوابه مفحماً.قال: ألا ترون أن معظم دول العالم تتسابق للوقوف خلف الولايات المتحدة الأميركية؟ لماذا لا تكون بريطانيا رقم واحد؟
أرجو ألا اكون قد خدشت عفة القوميين المتعصبين، أو مسست بكارة الدينيين المتطرفين، وإن رأوا الأمر هكذا، فإني اعتذر لهم شديد الاعتذار. ليس الأمر الحق كما نرى أنفسنا، وانما الأمر الحق هو كيف يرانا الآخرون، ولأننا لم نر أنفسنا جيداً، لم نتعلم شيئاً، وخسرنا كل شيء في المئة عام السالفة. ورحم الله امرأً عرف حده فوقف عنده. والمرء حيث يضع نفسه.
من قال "..ز" في أميركا، سلمها سلاحه وعتاده "النووي" مع البواخر الناقلة، وهو يحبو الآن بين يديها ويبدد أموال شعبه الجائع على أزيائه التي يصممها له السيد "كرستيان ديور"، وعلى دفع تعويضات لضحايا الغرور الاستبدادي، وعلى شراء الأزلام، وسحق المعارضين.
من رصف صورة السيد بوش الاب بالحجارة الصغيرة في مدخل فندق الرشيد ليدوس عليها الداخل والخارج، التُقط من الجحر وعُلّقت مشنقته!
بعد هذه "الثرثرة" نستطيع أن ندخل في لبّ الموضوع. عندما فترت العلاقة بين أميركا والنظام السوري خلال الأسبوع الثاني من أيلول سبتمبر الحالي، وبعدما استبعدت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية، السفير السوري من افطار الخارجية الأميركية السنوي، ماذا قالت دولة العدوان الإسرائيلي؟ قالت: لا بد من اخراج سوريا من دائرة العداء النشط لأن ذلك أمر على قدر كبير من الأهمية.
قال وزير العدوان الإسرائيلي ايهود باراك إن "مجموعة من رؤساء الحكومات، من اسحاق رابين وشمعون بيريس ونتنياهو وأنا وايهود أولمرت، كانوا مستعدين للتوصل الى اتفاق سلام مع سوريا، والوحيد الذي رفض هو ارييل شارون.
وأضاف، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية يوم الجمعة في 18 أيلول الجاري، "أنا وجهاز الأمن نعتقد اليوم أيضاً أنه يجب القيام بمحاولة جدية للتوصل الى اتفاق مع سوريا، لكن ليس بأي ثمن.
وزير العدوان الإسرائيلي يعمل بالنصيحة التالية: "جارك القريب ولا حبيبك البعيد". وباراك ينصح بها، هل يتوسط باراك بين أميركا والنظام السوري؟ هل يريد باراك أن يجر النظام السوري الى منزلة الاحتواء الأميركي لأنه يراه أفضل من منزلة الابتلاع الإيراني؟ هل يريد باراك تكريس ابتعاد "السوري" عن منزلة الهجوم بين دولة عظمى ودولة صغرى، قد لا تبقي ولا تذر، فيما اذا ركب حكم الملالي المتشددين في إيران رأسه، وابتعد عن منزلة "الاحتواء"، جارّاً خلفه "حليفه" السوري، ورفض أو ماطل في مشروع الحوار العزيز، على قلب الرئيس الأميركي السيد باراك أوباما؟
تل أبيب ي ب أ أنهت فرقة "غاعاش" في الجيش الإسرائيلي مناورات في شمال إسرائيل على سيناريو نشوب حرب مع سوريا.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر في الجيش انه "لا يُلاحظ وجود نيات هجومية لدى الجيش السوري، لكن علينا الاستعداد لأي تطور في المستقبل. ثمة علاقة واضحة بين كلام باراك وبين مناورات فرقة "غاعاش"، وهي علاقة تتجاوز النصح الى التحذير، ولدرجة التهديد اللامباشر. وبهدف دفع "السوري" الى التمتع بمنزلة الاحتواء الأميركي بعيداً عن الابتلاع الإيراني.
نحن لا نعتقد أن النظام الإيراني قد ينتقل الى منزلة "الهجوم"، لأن ذلك بمثابة انتحار مكشوف، القادة يبعثون أزلامهم الى الانتحار "الاستشهادي" ولكنهم لا يأخذون انفسهم اليه. المماطلة والمخاتلة والمراوحة لدى النظام النجادي، لا أكثر من أوراق توضع فوق طاولة المفاوضات أو تحتها ان لزم الأمر. والحلف "الإستراتيجي" مع "السوري" ورقة من ضمن تلك الأوراق. لماذا لا يستقل النظام السوري ويختصر الطريق الى الحوار الأوبامي بتقديم موجباته، طالما أن إيران ذاهبة اليه حكماً، ويحفظ حقوقه المستقلة في منزلة الحوار والاحتواء الايجابيين، ولعله أن يمهد طريقه الى منزلة التواصل؟ ولتقلع إيران أشواكها بأيديها ولوحدها؟
رغم كل العنعنات بين أميركا أوباما وإسرائيل نتنياهو، بقي الحفاظ على منزلة التواصل الاستراتيجي أمراً جوهرياً في سياسة الدولتين العظمى والصغرى، وعلى وجه التحديد، بشأن التهديد الإيراني، وجعجعة طهران حول لزوم التعامل معها كـ"قوة" نووية كما يحلو للناطقين باسم النجادية الخمينية أن يتشدقوا، تلك الجعجعة، هدفها تمكين التعامل والحوار وقبول شكل من منزلة الاحتواء الأميركي، شرط حفظ ماء الوجه.
مرة ثانية، لن يعجب هذا الكلام أصحاب الرؤوس القومية الحامية والتي لا تتقن غير الصراخ أو التأفف أو التذمر، والتباكي على "مجد تليد" ولا تحصد غير الهزائم! مرة ثانية نقدم شديد الاعتذار.
*معارض سوري