القطيعة .. والوصال

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

دولة العدو النازي اليهودي ترفض قرار اللجنة الدولية بإدانتها في مجزرة غزة التي ارتكبتها في أواخر ديسمبر 2008 وأوائل يناير 2009م ، وترفض تجميد المغتصبات مؤقتا كما تمنى الرئيس الأميركي أوباما ، وتقف من الشعب الفلسطيني موقف الجلاد الذي يلهب ظهر الفلسطينيين بسوطه الوحشي ، ويفرض حصارا قاسيا وظالما يودي بكثير منهم ، ويسوقهم إلى الموت جوعا ومرضا وحسرة ..

 وأشار تقرير الأمم المتحدة في نيويورك الذي صدر في منتصف سبتمبر 2009م إلى أن القوات الصهيونية ارتكبت جرائم حرب ، وقد تكون ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في هجومها على قطاع غزة قبل ثمانية أشهر.

وأشار التقرير إلى "إطلاق قذائف من الفسفور الأبيض على منشآت لوكالة الاونروا، (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) والقصف المتعمد لمستشفى القدس بقذائف متفجرة وفسفورية، والهجوم على مستشفى الوفاء"، معتبرا أنها "خروقات للقانون الإنساني الدولي".
وقدم هذا التقرير في نيويورك ريتشارد غولدستون رئيس بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للام المتحدة التي كلفت التحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت في خلال الهجوم الصهيوني على قطاع غزة.

 رفض الصهاينة تقرير اللجنة وعدوه "متحيزا  وقاموا بحملة شرسة ضده ، تؤازرهم الولايات المتحدة.مع أن  نيكول جولدستون ابنة ريتشارد جولدستون رئيس اللجنة الأممية التي أصدرت  التقرير  كشفت  أن والدها 'صهيوني ويحب  الكيان الصهيوني'.

وقالت نيكول في اتصال هاتفي مع إذاعة الجيش الصهيوني من تورنتو بكندا إن قرار تولي التحقيق الذي تجريه الأمم المتحدة حول حرب غزة أخذ تفكيرا طويلا من والدها الذي 'كان يفعل الخير للجميع بما في ذلك الكيان الصهيوني .. فهو أمين ويرى الأشياء من وجهة نظره ويريد كشف الحقيقة' !

ومع أن العالم يدين الصهاينة ويدعو إلى معاقبتهم ؛ فإن الدول العربية تحبط ذلك حين تتهافت من أجل مبادرة السيد أوباما المتخيلة أو المستحيلة ، بتقديم التنازلات المجانية للوصال مع اليهود القتلة عن طريق التلويح بفتح مكاتب الاتصال الصهيونية التي كانت قد أغلقت في يناير 2009 ؛ عقب مجزرة غزة التي قام بها الغزاة اليهود القتلة ، وهناك من يلوح بالمزيد بفتح الأسواق والسموات العربية أمام البضائع والطيران اليهودي المدني والعسكري من أجل أن يرضى القتلة النازيون اليهود بتجميد مؤقت للمغتصبات ، بل إن هناك على مستوى أصحاب الفكر والرأي العرب من يخدشون الحياء العربي ويقيمون علاقات محرمة مع السفير النازي اليهودي في مصر ، ورأينا مؤسسة صحفية مصرية عريقة تفتح ذراعيها له دون أن تضع في الحسبان أي قرارات لنقابة الصحفيين بمقاطعة القتلة  وعدم التعامل معهم . والغريب - و ليس بغريب - أن من اقترفوا هذا الفعل يلوحون بكشف علاقات أخرى حميمة بين سفير العدو القاتل ورءوس كبيرة في الميدان الصحفي ، وقد نقلت الصحف اليومية على مدى أيام بعض ما جري فأشارت المصري اليوم ( 16/9/2009م) إلى تصاعد أزمة استضافة رئيس تحرير مجلة الديمقراطية، السفير الصهيوني في القاهرة شالوم كوهين في مكتبها بـ«الأهرام»، مساء أمس الأول. وعلمت «المصري اليوم» أن مجلس نقابة الصحفيين سيصدر بياناً قوياً الخميس 17/9/2009م ، يستنكر فيه استقبال السفير، وأكدت مصادر بالنقابة أن البيان الذي تمت صياغته ، سيتضمن قرار المجلس بإحالة رئيس تحرير الديمقراطية إلى لجنة التحقيق لمخالفتها القرارات النقابية بعدم استقبال مسئولين إسرائيليين .  

وحاولت «المصري اليوم» الحصول على تعليق رئيس التحرير حول هذه القضية، لكنها أغلقت هاتفها، وكانت قد أكدت في تصريحات صحفية عقب اللقاء أن الزيارة كانت عادية، وأن كوهين طلب منها تنظيم ندوة بمشاركة مصريين وإسرائيليين.

وفي الوقت نفسه فإن العالم يسمع من داخل الكيان الصهيوني من يدعو إلى مقاطعة هذا الكيان ؛ وقد نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالاً لأستاذ جامعي صهيوني عنوانه «قاطعوا إسرائيل» وقد شرح نيف جوردون الأستاذ بجامعة بن جوريون كم كان صعباً عليه كإسرائيلي أن يدعو «الحكومات الأجنبية والسلطات الإقليمية والحركات الاجتماعية الدولية والمنظمات الدينية والاتحادات والأفراد لوقف تعاونهم مع إسرائيل»، ولكنه يفعل ذلك لإيمانه بأن تلك المقاطعة صارت السبيل الوحيد «لإنقاذ إسرائيل من نفسها».

واعتبر جوردون أن «الوصف الأدق» لإسرائيل اليوم هو أنها «دولة فصل عنصري»، وقال إن ما يقض مضجعه هو أن ينشأ أطفاله وسط نظام بغيض كهذا.

وبعد أن أكد أن حل الدولة الواحدة لا يلقى قبولا إسرائيلياً وفلسطينياً فى الوقت الحالي على الأقل، أشار إلى أن الحل الوحيد المتاح، أي حل الدولتين، لن يتحقق أبدا إلا بضغوط خارجية هائلة على إسرائيل.

ولما كانت الكلمات والإدانات التي خرجت من الاتحاد الأوروبي ومن إدارة أوباما لم ينتج عنها شيء فقد قرر جوردون الانضمام للحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل، وكتب المقال ليدعو غيره حول العالم للانضمام لها.

والحقيقة أن تلك الحملة الدولية كانت قد اكتسبت بعض القوة منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية فى ٢٠٠٤ بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، ووجدت المزيد من الزخم حين دشن الناشطون الفلسطينيون فى يوليو ٢٠٠٥ «الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل والمتعاونين معها وفرض العقوبات عليها».

وقد لاقت تلك الحملة دعماً دولياً مع غزو لبنان فى ٢٠٠٦ ثم صارت أقوى بكثير بعد حصار غزة ثم الغزو الصهيوني الوحشي لها العام الماضي.

وقد انضم للحملة فعلا عشرات من التنظيمات والمؤسسات حول العالم منها مثلا الاتحاد العام لمعلمي التعليم العالي فى بريطانيا والاتحاد الكندي للموظفين العموميين والاتحادات التجارية فى جنوب أفريقيا. وانطلقت حملة ضخمة فى أوساط الأكاديميين لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية

 لقد امتدت المقاطعة لتشمل الشركات الدولية العملاقة التي تتعاون مع الحكومة الصهيونية.

الجديد فى الموضوع هو انضمام شخصيات صهيونية للحملة وقيامهم بالدعوة لها. فقد شكل مجموعة من المثقفين الصهاينة جماعة أطلقوا عليها اسم «المقاطعة من الداخل»، انضم لها الكثير من الصهاينة الخمسمائة الذين كانوا قد وقعوا بياناً أثناء الهجوم على غزة دعوا فيه المجتمع الدولي للضغط على بلادهم، فصاروا اليوم يطالبون بمقاطعتها وليس الاكتفاء بالضغط عليها .

لقد حمل التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب "إيكاوس" بعنف على تصريحات وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان ، بشأن قبول وقف بناء المستوطنات جزئيًّا في الضفة الغربية، مقابل سحب السلطة الفلسطينية اتهامها للكيان بارتكاب جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية. ودعا التحالف الدولي إلى ضرورة أن يكون ملف المحاسبة القانونية لمرتكبي الجرائم الجسيمة بحق الشعب الفلسطيني موضوع إجماع مدني وسياسي فلسطيني، وليس مجرد قرار حكومة أو حزب أو فصيل ما.

إن العالم يقاطع القتلة ويدعو إلى معاقبتهم ولكن بعض بني جلدتنا ينبطحون ويقدمون التنازلات المجانية باللقاءات الرسمية والتطبيع ، وفتح نوافذ التعامل الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي مع أخس عدو عرفته البشرية .. فهل هذا يليق بأمة وصفها رب العزة بأنها صاحبة عزة ؟