المشهد السياسي: انتكاسة أم بارقة أمل؟
تعليق صحفي
المشهد السياسي:
انتكاسة أم بارقة أمل؟
يأتي هذا التعليق الصحفي في سياق حزمة من عناوين أخبار "العربية" خلال اليومين الماضين تتمحور حول "مواجهة الإرهاب"، منها: "من خادم الحرمين للعالم: خطر الإرهاب سيصلكم" (في 30/8/2014)، وواشنطن ترغب بالتنسيق مع الدول السنية ضد (تنظيم الدولة)، بل ذكرت أيضا أن وزير الخارجية الأميركي دعا إلى تحالف عالمي واسع، وتزامن ذلك كله مع تحركات أوروبية في السياق نفسه.
ليس ثمة شك أنه لا معنى للحرب على الإرهاب في قاموس السياسية العالمية ولا في قانون الأنظمة العربية إلا "الحرب على الإسلام"، وإلا لكانت أولى جولات تلك الحرب المُدّعاة ضد الكيان الإرهابي الأول، الذي ظل قادته يستمتعون بقتل الأطفال في غزة على عين وبصر العالم أجمع، بل في بث حي لا ينقطع.
وبينما لم تكتف الدول العربية بالمشاهدة الصامتة لتلك الجرائم، بل انخرطت في المؤامرة المتجددة ضد قضية فلسطين عبر السعي لتلبية متطلبات اليهود، تتأهب هذه الأنظمة للتجاوب مع الدعوات الأمريكية والأوروبية لهذه "الحرب على الإرهاب"، في حين جبنت حتى عن شتم اليهود القتلة!
وتزداد فظاعة هذا التآمر العالمي والعربي كونه يتحرك في جو عاصف وملبد بالغيوم يسيطر على سماء الأمة الإسلامية:
قد يحمل البعض هذه الأجواء السياسية على حالة إحباط تنتشر مع هبوب ريح غربية تتحكم فيها القوى الاستعمارية لمنع انعتاق الأمة وتحررها، بينما قد يرى البعض عبرها نافذة آمل، بل يرى فيها سحابة ممطرة تجدد الحياة ويتجدد معها بنيان الأمة.
إذ يشهد الواقع ثلاثة مؤشرات تقود البعض للإحباط ومؤشرا يجدد أملا خجولا لا يخلو من إحباط يختلط فيه ومعه. أما دوافع الإحباط فتتمثل في:
1)انتكاسة ملحوظة للثورات بعد سحب البساط مبكرا من تحت أرجل الثورة في اليمن، وبعد الردة الثورية في مصر، وبعد أن دخلت باكورة الثورات في تونس في حالة من إعادة إنتاج نماذج غربية ترسخ الاستعمار بدل أن تخلعه، وبعد أن غرقت ليبيا في صراع دموي جسّد حالة تمازج غريب بين الثوار والمستبدين والعملاء، وبعد أن انحصر المد الثوري الذي كان يهدد بقية المستبدين على وقع تلك "الانتكاسة".
2)حشر الثورة السورية في نفق "الأسد أو حرق البلد" واستمرار شلال الدماء حتى ينضج البديل العميل، وبعد أن تورطت بعض الفصائل العسكرية في إراقة الدماء فيما بينها، بل شغلها ذلك عن التركيز على إسقاط النظام، ومع وجود "ائتلاف وطني" لا يكل ولا يمل من عرض خدماته لتمرير مشروع وضع الثورة في حضن الاستعمار.
3)تقزيم مشروع الخلافة بإعلان خلافة صورية في العراق، كلغوٍ سياسي ترافقت معه الممارسات المنفّرة من الإسلام مع انعدام الكيان السياسي والعسكري اللائق بالخلافة التي وعدت بها الأمة.
وتزامنت تلك الأحداث "المحبطة" مع المشهد المؤثر الذي جدد ثقة الأمة بقدرتها العسكرية في غزة، حيث أبدع رجال المقاومة فيها وهم يزرعون الرعب في قلوب المعتدين، وحق للمجاهدين فيها أن يعتزوا بأنهم مرّغوا أنف نتنياهو المتعجرف بالتراب.
ومع ذلك لم يكتمل مشهد الفرح بتلك النشوة في ظل تخلّي كافة الجيوش عن واجب نصرة غزة، وفي ظل تكالب الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام الانقلابي في مصر، مما يعني أن حرب غزة الأخيرة قد جسّدت عمليا حالة الخذلان العربي، وتراجع مع ذلك مستوى الإنكار على ذلك الخذلان. وانفتح الباب على مصراعيه للاعبين بمستقبل القضية تحت عنوان "وقف إطلاق النار"، مما ينذر بالمكائد بعد هذه المبشرات، إن لم يقف المجاهدون وقفة سياسية ضد المؤامرات تليق بوقفتهم العسكرية البطولية ضد العدوان الهمجي.
إذن، إن المشهد السياسي يحمل معالم "الاستيئاس" من قدرة الأمة على التغيير والتحرر، ويحمل بعض مؤشرات الشحن حول ثقة الأمة على ضرب المعتدين، وهي نفسها لا تخلو من منغصات.
ومع كل ذلك، فإن حالة الأمة الشعورية وما يحتل عقولها وقلوبها، لا يصح أن يقف عند حد تشخيص الواقع، بل لا بد أن يستلهم الوعي القرآني بأن النصر يسبقه حالة استيئاس:
"حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ۖوَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ"
وهذا الوعد بالنصر - بعد الاستيئاس - يجب أن يشحن كل مخلص في الحركات والتنظيمات أن يجدد التصاقه بالإسلام - حتى يستحق الوعد - وأن ينسلخ عن المتآمرين من الحكام وأن يسعى لحقن دماء المسلمين لينجو من الوعيد، وأن تكون الخلافة ذات القوة والسلطان الفعلي اللائق بها هي جوهر مشروعه السياسي لأنها "النصر" الذي لا هزيمة معه.
ولقد أكدت أمريكا ودول أوروبا ومعها الأنظمة العربية أنها لا يمكن أن تخوض حربا ترفع الظلم وتوقف قتل الأبرياء، بل هي دائما حروب تسترخص دماء المسلمين وتمرر المؤامرات ضدهم، ولذلك فإن سعي تلك القوى الاستعمارية نحو إشعال هذه الحرب هو تعزيز لمسار الانتكاسات لا تغييراً، وهذا الموقف لا يحتاج للخوض في طبيعة وعلاقات تنظيم الدولة الإسلامية الذي تتخذه هذه الحرب عنوانا، ونحن – أصلا - لم نخض في ذلك من قبل، بل ننظر للأمة من منظور الإسلام الصافي، وللمسلمين من منظور الوحدة العقدية.