سطور نازفة في سجل العار

سطور نازفة في سجل العار

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

      الصفوتيون والجماليون والشاذلية, والهبارون والهباشون.. ذرهم - يا قارئي العزيز- يخوضوا, ويلعبوا, ما شاء لهم الخوض واللعب, وليصفوا حزبهم «الوطني» بأنه «حزب الأغلبية» و«الحزب القائد», و«حزب الفكر الجديد».. و«العمر المديد».. وذرهم يدّعوا أن حزبهم هذا دخل التاريخ بهذا التوصيف, أو بهذه الحيثيات.

     وأنا معهم بأن حزبهم هذا دخل التاريخ فعلا, وأنه جذّر وجوده في أرضية التاريخ, ولكن لا بالتوصيف والحيثيات التي يدعونها, بل بمنظومة أخري من التوصيفات, ربما كان أهمها أخيرا «أنه حزب البلطجة وهتك الأعراض» مع اعترافنا طبعا -كما ألمعت- بملامح أخري مثل «الهبر, والهبش, والتزوير, والتطبيل, والتزمير, والحرص علي زهرة الحياة الدنيا».

    تعالوا معنا إلي إسرائيل

    إن يوم 25 من مايو 2005 - يوم الاستفتاء علي تعديل المحروسة المادة 76- هو أشد الأيام ظلاما وسوادا في تاريخ مصر» لأنه يوم «استباحة الأعراض», وتمزيق الكرامات.. أقول إن وقائع هذا اليوم تدفعني -علي سبيل التصور, أو التخيل- أن أقدم للقارئ العربي الفرضية الآتية:

«قامت في تل أبيب في العاشرة من صباح اليوم مظاهرة أمام الكنيست تعلن احتجاجها بقوة علي شارون لأنه أعلن عن بدء انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.

     وفجأة انشقت الأرض عن عشرات من أنصار شارون, واعتدوا بالضرب علي مقدمة المظاهرة, ومزق بعضهم ملابس بعض الفتيات, وأخذوا يتحرشون بهن جنسيا..».أقول -وأنا علي يقين مما أقول-: لو حدث ذلك في العاشرة صباحا, لاستقال شارون وحكومته في العاشرة والنصف, ولقامت القيامة في إسرائيل, ولبصق الصهاينة بكل طبقاتهم في وجوه شارون, ووزرائه, وكل من يسانده , علما بأن لليهود تاريخا طويلا فيما يسمي بالدعارة المقدسة.

    وبالنظر إلي هذه الفرضية يسهل علينا أن ندرك أن بلطجية الحزب الوطني -وما أكثرهم- تفوقوا علي اليهود -أصحاب التاريخ الداعر -في التهتك والسقوط, والوقاحة, واستباحة الحرمات.

   إنها جريمة ثابتة

    وفي اليوم الأسود.. يوم الاستفتاء, وهتك الأعراض.. أصيب كل مواطن شريف بصدمة فاجعة, وجزع أليم, لأن الجريمة وقعت نهارا, وبتحريض وتخطيط من مشاهير من أعضاء الحزب الوطني منهم: مجدي علام, ومحمد الديب, ومحمود حنفي. وباستنهاض وتشجيع من ضباط أمنيين. وهؤلاء يكون حظهم من الإثم والوزر أشد وأنكي, لأن مهمتهم الأصلية الرئيسية هي الدفاع عن الأنفس والأموال والأعراض. وحتي لو وقفوا موقفا سلبيا, وغضوا النظر, وتغافلوا عما وقع لرَكِبهم الإثم أيضا, ففعلهم يصدق عليه ما يسمي في القانون «جناية بالترك».. ومن أمثلتها في كتب القانون جناية الأم التي تترك وليدتها عن قصد بلا إرضاع حتي تموت . إن الأم -في هذه الحال- مع أن عملها يمثل فعلا سلبيا -  تكون مجرمة قاتلة . حكمها حكم من خنقت وليدتها بيديهاحتي ماتت.

   مغالطات مرفوضة

     لقد شهد العالم كله, في الصحف, - غير القومية - وفي القنوات التلفازية الفضائية, وفي عشرات من مواقع «النت» صور الجريمة الفاحشة. فماذا كان موقف المسئولين, وكبار الحزب الوطني? لقد أنكروا وقوع ما حدث, وأكثرهم اعتدالا وصف المجني عليهم وعليهن بالتهويل : ففي أهرام الجمعة (10/6/2005) صرح العادلي وزير الداخلية بأن المعتدي عليها الصحفية نوال علي إنما وجهت اتهامات بلا سند, وأنها مجرد ادعاءات كاذبة, ووصف -سيادته- ما حدث بأنه كان مجرد مشاجرة(!!!) تبادل فيها الطرفان (!!!) التعدي علي بعضهما, وسارعت الشرطة بالفصل بين المتشاجرين, ولو كانت الشرطة تدخلت قبل ذلك لتدارُكِ الموقف, لاتهموها بالبطش(!!!).

أي أن السيد الوزير لا يؤمن ببديهية من بدهيات النظام القانوني وحماية المجتمعات, وهي «اتخاذ الإجراءات الوقائية», ولا يؤمن بتدخل قوات الأمن إلا بعد «خراب مالطة».

    وأغرب من كل ما ذُكر, قول سيادته بالحرف الواحد «وبالنسبة لبلاغ الصحفية نوال علي فإن ثمانية من أعضاء الحزب الوطني أبلغوا بتعرضهم للتعدي من الطرف الآخر في المشاجرة (!!!) وباشرت النيابة التحقيق».

    وأقول : إن أشد الناس سذاجة وبلاهة لا يقنع بهذا الكلام ولا ببعضه :

1- فقد جعل سيادته واقعة هتك العرض مشاجرة.. أي (مجرد خناقة).

2- وكيف تستطيع «أنثي» -ولو كانت في قوة عبده كبريت أو كرم جابر, أو حتي شمشون - أن تعتدي علي ثمانية من الرجال العتاولة?!

3- وإذا كانت «مجرد مشاجرة أو خناقة» فلماذا اختصت الجراح والخدوش بأماكن داخلية حساسة من الصحفيات?!!   

لقد فندت الصحفية نوال علي (المعتدي عليها) ادعاءات وزير الداخلية بمنطق وعقلانية ومصداقية, وكنا نتمني أن ننقل للقارئ كل ما قالت, لكنا نكتفي بعبارات من ردها.. قالت: «.. هل قمت وحدي بضرب ثمانية أفراد من بلطجية الحزب الوطني?.. وهل تستطيع ابنتك يا وزير الداخلية ضرب ثمانية رجال?».. يالجبروتي!! ربما يثبت هؤلاء أيضا أن بهم عاهات مستديمة, وأنني بعد أن أجهزت علي كل هؤلاء البلطجية جلست أمزق ملابسي..» (العربي الناصري 12/6/2005).

    إن المعتدين يصدق عليهم المثل العربي «ضربني وبكي وسبقني واشتكي» وهم يذكرونني بمسلك «النساء المحترفات» اللاتي تحاول الواحدة منهن أن ترمي «بلاها» علي من تريد , فتكسر قلة في «رأسها», أو تشرّح أجزاء من وجهها بموس , وتتهم فلانا بالاعتداء عليها.

   حالات عديدة..

    والصحفية «نوال علي» مجرد حالة من الحالات فهناك غيرها كثيرات من المعتدي عليهن.. منهن: إيمان عوف, وسارة الديب مراسلة الأسوشيتدبرس , ورنوه يحيي مراسلة وكالة الأنباء الألمانية, ونشوي طلعت, وإيمان طه , وعبير العسكري.. وغيرهن.

    ولم تتوقف الجناية عند هذا الحد بل بدأت سياسة الملاحقة الإرهابية, بمطالبة الضحايا بسحب بلاغاتهن ضد المعتدين. بل بدأ إيذاء الأهل والأقارب للضغط علي الضحايا.

إن هذه الوقـائع البشعة متعددة , وأنا أنتقي منها أكثرها اعتدالا , لأهديها لوزير الداخلية وقادة الحزب الوطني . تقول نشوي طلعت -مترجمة صحافية «.. وجدت الشباب ورجال الأمن يحيطون بي, ووجدت من يشدني من شعري, ومن يركلني في ظهري, ومن يدفعني, وفجأة وجدت نفسي في دائرة, ويحيط بي الشباب, وكل منهم يحاول أن يمسك بجسدي, وكل لحظة تمر عليّ أجد أن ملابسي تتمزق, وحاولت الفرار لكن دون جدوي..».

    وأجدني مضطرًا أن أتوقف عن مواصلة استكمال رواية نشوي طلعت لأسباب لا تخفي عن القارئ.. وأجدني أطرح من جديد سؤالي: هل من الممكن أن تقع مثل هذه الجريمة في إسرائيل, دون أن يستقيل شارون.. ودون أن تقوم القيامة في إسرائيل التي كنا نصفها بالمزعومة ?

    وهذا يدفعني إلي أن أصرخ في الكبار جدا.. جدا: «استقيلوا يرحمكم -بل يرحمنا- الله».. وأقول لك يا قارئي العزيز: { فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوايومهم الذي يوعدون } [الزخرف: 83 والمعارج: 42].

*   *   *

      وفي هذا السياق تـحضرني واقعة عابرة في حياة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذ جلس يتناول غداءه, فرأي أعرابيًا من عامة الناس (لم ينقل لنا التاريخ اسمه) يطيل النظر إلي الخليفة وطعامه, فاعتقد عمر أن الرجل جائع, والحياء يمنعه السؤال, فعرض عليه عمر أن يشاركه طعامه. فقال الرجل: لا أستطيع, فنفسي تعاف طعامك هذا, لأنه جَشِب (أي: خشن), وإن زوجتي تعدّ لي طعامًا خيرًا من ذلك بكثير.

     ولم يكن طعام عمر هذا إلا كسرات جافة من الخبز يغمسها في الزيت, أرأيتم يا حكامنا.. كيف أن رجلاً من عامة الشعب يرفض أن ينزل إلي «المستوي المعيشي» للحاكم الذي يرتعد لذكره كسري وقيصر.. الحاكم الذي دك قلاع الظلم والديكتاتورية والجبروت بإسقاط دولتي الفرس والروم?
   فالعامل الحاسم في انتصار الأمة, واستقرارها, وتحقيق رفعتها ومكانتها, وهيبتها.. هو أن يكون حاكمها «قدوة حسنة» للشعب, في أفعاله, وأقواله, وحياته الخاصة وحياته العامة, وبذلك يكون لنا «سجل» نظيف نقي, يتدفق طهرًا وشرفًا, وعزة وإباء, وليس فيه سطر واحد ينم علي عار أو سقوط.
   وأنا أكتب هذه السطور ردًا علي رسالة عاجلة تلقيتها من الأستاذ «نسيم عنين» -وشهرته «أبو عباس»- يسألني فيها: «.. ألا يمكن أن يكون لنا -في يوم من الأيام- سجل نظيف مشرّف منزه عن المهانة والخلل والعار?».

   وآمل أن يكون «أبو عباس» قد وجد في مطلع مقالي هذا الجواب الشافي.. أو جزءًا من الجواب الشافي.

ومع ذلك أستميحه عذرًا أن أستكمل الجزء الثاني من مقالي الذي نعرض فيه لبعض مظاهر العار في مصرنا المطحونة المسحوقة .

  حكومتنا تصدّر الأعراض إلي إسرائيل!!

    أن تصدّر مصر الغاز الطبيعي إلي إسرائيل, وأن تصدّر أنواعًا مختلفة من الصناعات كالأسمنت والحديد والمنسوجات, وبعض المنتجات الزراعية... نقول: ليكنْ... فكل ذلك يهون أمام «تصدير الأعراض إلي دولة الدعارة والعدوان» إسرائيل... وهذه الكارثة في حاجة إلي بيان.

فأنا لم أصدق عينيّ وأنا أقرأ في الصحف الإسرائيلية, ومواقع الإنترنت الأخبار الآتية:

[بالتنسيق مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية: مصر ترسل مجندات مصريات إلي إسرائيل للتدريب العسكري لمدة 60 يومًا: 650 مجندة مصرية تدربن في إسرائيل, ولم يعد منهن إلى مصرسوي واحدة فقط, رغم انتهاء فترة التدريب العسكري. كان هدف التدريب هو نشر قوات مصرية علي حدود غزة لحفظ السلام ووقف عمليات تهريب السلاح لحماس...] .

ولولا أن الخبر مدعّم بصور واضحة جدًا لما صدقتُ . ومن هذه الصور:

1- صورة لمجموعة من «15» مجندة مصرية.

2- صورة للعميد «شيمون يفعال» الإسرائيلي يرحب بقائدة كتيبة المجندات المصريات: العقيدة آمال مدحت عند وصولهن.

3- صورة للمصرية الرقيب أول «شيرين البدرشيني» بين أحضان زميلها في التدريب: الإسرائيلي الرقيب إبرام كوهين.

4- صورة للمجندة المصرية صفاء حسين أبو النجا (19 سنة) أنهت دورتها التدريبية, ورفضت رفضًا قاطعًا العودة إلي مصر, وحصلت علي عقد عمل في ملهي ليلي كبير في تل أبيب للعمل كمطربة وراقصة (علي الرغم من أنها ابنة وكيل وزارة سابق).

5- صورة للمجندة مني عبد الحميد التي أحبت زميلها اليهودي في معسكر التدريب, وتزوجته بعد أن ارتدت عن الإسلام , واعتنقت الدين اليهودي, وقد أرسلت لأهلها شهادة براءة منهم, ومن مصر.

6- صورة لمجندتين مصريتين مسلحتين (اسمهما إيمان وهبة) تقومان بعمليات التفتيش علي حدود غزة.

7- صورة للمصرية ملازم أول سوسن الطنطاوي التي هربت في اليوم الأول لوصول الكتيبة المصرية إلي إسرائيل.. هربت من دورة التدريب المقررة لها, وطلبت اللجوء السياسي إلي إسرائيل, وحصلت عليه بمساعدة صديقها الإسرائيلي «ديفيد ليبرمان» الذي تعرفت عليه, وأحبته, من خلال الإنترنت, قبل قدومها مع زميلاتها للتدريب العسكري, واستطاعت الحصول علي الإقامة الدائمة في إسرائيل لتعيش مع عشيقها.

   إنه العار والسقوط

    والذي يقرأ أخبار هذه النكبة, وينظر الصور المصاحبة لتذهله الحقائق الآتية:

1- ضخامة عدد المجندات المصريات المبعوثات إلي إسرائيل فالعدد 650 مجندة.

2- والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تغفل حكومتنا الشباب وترسل للتدريب فتيات??!!

3- بعد انتهاء التدريب, وأثناءه وقبله, لم يعد إلي مصر إلا فتاة واحدة. والباقيات تحولن إلي ساقطات وعشيقات, ومرتدات عن الإسلام.

ولاشك أن مسئولية ما حدث تقع علي حكومتنا التي هانت عليها الأعراض في الداخل والخارج.

   يا فضيلة المفتي.. والإمام الأكبر

    وانطلاقًا من إسلامي, وهويتي المصرية العربية أجدني في حاجة ملحة- وكذلك ملايين المسلمين- إلي توجيه الأسئلة الآتية إلي العالمين الفاضلين:

1- ما حكم الشرع في تجنيد الإناث في جيشنا? مع أن الدولة تترك عشرات الألوف من الشباب, وتعفيهم من التجنيد بدعوي أنهم لم يصبهم الدور?

2- ما حكم الشرع في بعث المجندات إلي الخارج للتدريب (دون محرم)?

3- ما حكم الشرع في تدريبهن علي أيدي ضباط صهاينة في أرض مغتصبة ظلمًا وعدوانًا?

4- ما حكم الشرع في الدولة «المسلمة» التي بعثت إلي أعدائنا الفتيات المسلمات, وهيأت لهن فرص الهروب والمروق والسقوط والارتداد عن الإسلام?

*   *   *

أيها العالمان الكبيران...المفتي وشيخ الأزهر - إننا ننتظر منكما إجابات شافية.. تنتصر للحق, وتنسف دعاوي الباطل. فالحق.. أحق أن يتبع.. والآخرة خير لكما من الأولي.