حين يتقدم الشعب على القيادات الزائفة
حين يتقدم الشعب على القيادات الزائفة
أحمد الفلو /فلسطين
لقد أثبتت حقائق التاريخ أن القادة العظماء هم الذين يحملون على مناكبهم وفي عقولهم قضايا شعوبهم دون أن ينوءوا تحت ثقل و ضخامة تلك القضايا, ورغم جسامة التضحيات التي يقدمها القادة فإن ذلك يعزز القناعة الشعبية بالالتفاف حولهم , وكلما ارتقت القيادة بطموحات شعبها فإن ذلك يُكسِب القضية مزيدا من القوة ويقربها من تحقيق أهدافها, لكن ما يجري على الساحة الفلسطينية منذ أربعة عقود يثبت أن الشعب الفلسطيني متقدم بأشواط بعيدة على قياداته التي لم تكن بالمستوى اللازم لحمل أعباء القضية الفلسطينية .
وهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى صحة ما نزعم من تقدم الفلسطينيين على تلك القيادات, خصوصاً وأن الخطايا التي ارتكبتها تلك القيادة ( وأقصد هنا قيادة فتح ومنظمة التحرير) كادت في كل مرة تصيب قضية فلسطين في مقتل ودون مراجعة أو محاسبة من ارتكبها , بل على العكس فإن تلك الآثام ارتُكبت وما زالت تُمارَس بمباركة مجموعات من الأعوان و المرتزقة الملتفين حول تلك القيادات ( وأقصد هنا قطعان المتفرغين وجحافل الفتحاويين ومعهم بقايا اليسار المتطفل), وربما كانت سلسلة التنازلات و المفاوضات العبثية التي كانت تعطي نوعاً من التضليل الإعلامي المخزي و المشين الذي أخرج للعالم صورة مزيفة لشعب فلسطين وهو يقبل بالاستيطان والتنازل عن أرضه للصهاينة.
فبعد الهزائم المتكررة التي لحقت بقوات فتح واليسار الفلسطيني المتحالف معها في لبنان والتي سبقها اتصالات سرية مع العدو في باريس وعواصم أوروبية أخرى متمثلة بالسرطاوي والقلق وآخرون منذ نهاية السبعينيات, نقول أن مجمل ما كان يصدر عن تلك القيادات لم يكن سوى تخبطات أومغامرات تتسق مع المصالح الشخصية لأعضاء القيادة و يمكن القول بأن كل تلك الممارسات العسكرية منها أو السياسية تتسم بالسذاجة و الارتجال إذا أحسنّا الظن بها .
وكمثال حي فإن الرد الشعبي الفلسطيني الذي تمثل في نشوء حركة المقاومة الإسلامية حماس من رحم الشعب الفلسطيني, وهذا في الحقيقة رد طبيعي على رفض النهج الاستسلامي الذي تبنته القيادة الفتحاوية مبكراً وهو إضافةً إلى كونه تحدياً للإسرائيليين فإنه يقدم لنا تفسيراً واقعياً لظاهرة تقدم الشعب الفلسطيني على قياداته التي تخلت عنه , ولعل ذلك يتماشى بل يتطابق مع سنن التدافع التاريخي , وقد واكبت الانتفاضة الأولى 1987 ذلك الحدث التاريخي العظيم , وبالتأكيد فإن ذلك يمثل التحول الشعبي الفلسطيني للالتفاف حول قيادات شعبية تعطي وتضحي من أجل فلسطين وبالتالي الانفضاض من حول القيادات الفتحاوية الفاشلة التي جعلت من فلسطين مصدراً للتكسب والارتزاق .
يأتي المثال الثاني لتقدم شعبنا على قياداته الرسمية المتخاذلة في قيام الانتفاضة الثانية عام 2000 والتي يمكن اعتبارها الرد الحقيقي على اتفاقيات أوسلو وتداعياتها وما خلفته من كوارث حلّت بقضيتنا وبشعبنا, وبذات المقدار الذي تمكنت فيه الإرادة الشعبية على فرض نفسها على الواقع السياسي الفلسطيني وقدرتها على تطوير أدواتها في مواجهة العدو فإنها أيضاً أثبتت قدرة قيادة المقاومة على إدارة شؤون الشعب الفلسطيني بكل اقتدار , وقد كانت تلك الانتفاضة بمثابة طلاق معلن بين الشعب وبين القيادة الفتحاوية , ولعل هذا ما دعى العديد من القادة الفتحاويين إلى التهدئة بل وإلى الدعوة لإطفاء شعلة الانتفاضة أو إطلاق شعارات التحذير من عسكرة الانتفاضة والتحدث أيضاً عن انعكاسات خطيرة و ضارة قد تلحق بشعبنا في حال استمرارها , إلى درجة أن التعاون الأمني مع إسرائيل على رأس قائمة الأولويات للحكومة الفلسطينية بهدف قمع الانتفاضة , وكل من ينكر هذا فهو يعاند حقائق التاريخ , خاصة وأن معتقلات جبريل الرجوب و يوسف نصر ودحلان كانت تكتظ بناشطي الانتفاضة .
أما المثال الثالث فلا يكاد يحتاج إلى أدلة أو إثباتات حيث كانت نتائج انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 2006 تعبير صريح وحقيقي عن تطور أساليب المواجهة والرفض الشعبي لكل أشكال الهيمنة التي فرضتها تلك القيادات المبتذلة والوضيعة التي سارت باتجاه معاكس تماماً لتطلعات الشعب وطموحاته بتحرير أرضه من خلال تسخير نفسها لخدمة الأهداف الصهيونية وضد مصالح الشعب الفلسطيني , لذلك كانت نتائج الانتخابات التشريعية لطمة قوية أطاحت برموز الفساد والتفريط أثبت الفلسطينيون أنهم دائماً متقدمون على تلك القيادات الهزيلة, ومن خلال تفاعلهم مع ممثليهم الحقيقيين بأغلبية مريحة .
يحاول البعض إنكار أو تجاهل النصر العظيم الذي تحقق في حرب الفرقان الأخيرة باعتباره نصراً حققته حركة حماس لوحدها, وهذا الإدعاء مغلوط و مخالف للوقائع لسبب بسيط هو أن كتائب القسام لم تحقق ذلك النصر المبين لولا أنها استندت إلى شعب يحبها ويدعمها ويؤازرها , وليس في تلك الحرب فحسب إنما تجلى ذلك أيضاً في الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس و تمكنت من تطهير قطاع غزة من أولئك الأوباش من قاذورات دايتون و موظفي الموساد وعلى رأسهم البهائي عباس وربيبه دحلان , لقد كان ذلك الحسم طموحاً شعبياً لم تقم فيه حركة حماس سوى بدور تنفيذ الإرادة الشعبية الفلسطينية و تحقيق طموحات ذلك الشعب المجاهد .
وإن كان هناك من فهم عميق للواقع السياسي الفلسطيني فهذا الفهم يستند إلى أن الشعب الفلسطيني كان دائماً يختار الطريق الأكثر استقامة ولا يسمح بالتفريط في مقدساته استناداً إلى العقيدة الإسلامية و القيم العربية الأصيلة , وذلك الشعب هو الأذكى و لديه القدرة على نبذ الساقطين و ولادة قيادات مخلصة وواعية تتحمل المسؤولية باعتبارها واجباً و تكليفاً, وفي ذات الوقت إسقاط أولئك الذين يعتبرون السلطة امتيازاً ومنافع خاصة ومهما حاولت المحاور السياسية العربية وتحالفاتها الشريرة مع شرذمة عباس الفتحاوية من تركيع شعبنا سواء عبر الحصار والتجويع أو الطرد من الوظائف والتسفير أو الإعداد لحملات عسكرية , فإن ذلك كله لن يلغي حقيقة ساطعة كالشمس في وضح النهار مفادها أن الشعب الفلسطيني متقدم دائماً على قياداته الفاسدة التي يحاول الصهاينة فرضها عليه عبر مؤتمر اللصوص السادس في رام الله واستخدام الصلاحيات المنتهية لفرض مناصب بالتعيين والمزاج والكيف لتسنُّم الهرم السياسي الفلسطيني, إن لدى شعبنا قدرة مذهلة على إنجاب قيادات تمثله بحق .