حضرات الصحفيين الكرام.
حضرات الصحفيين الكرام.
حركة التحرر العربية الديمقراطية
قد يبدو قيام حركة تحرر عربية جديدة، تحمل مشروعاً جدياً حديثاً للتحرر القومي والوحدة، عملاً يائساً يتجه في عكس التيار الجارف لحال الانهيار العربي على الصعد كافة:
1 – على الصعيد الفكري – السايكولوجي، حيث تسود الأمة العربية حالة متفاقمة من اليأس والإحباط والاكتئاب الجماعي.
2 – على الصعيد الاستراتيجي، حيث البلدان العربية إما محتلة بشكل مباشر، أو عرضة لاحتلال وشيك، أو هي أصبحت تابعة وفاقدة لأي مظهر من مظاهر السيادة والاستقلال.
3 – على الصعيد الإقليمي – الدولي، حيث تتمدد الآن الامبراطورية الأميركية إلى كل مناطق ما يسمى في الغرب الآن "الشرق الأوسط الكبير" أو الموسع.
4 – وأخيراً على الصعد الاقتصادية – الاجتماعية والعلمية التكنولوجية، التي أفاض تقريرا التنمية البشرية الدوليين، إضافة إلى مئات الدراسات العربية الأخرى، في شرح واقع التأخر فيها والتخلف عن ركبها.
كل وأي من هذه الاعتبارات تهدد بتفتيت الكيانات القطرية نفسها، فكيف يمكن والحال هذه الدعوة إلى كيان عربي واحد؟. وأي أمل، إذاً، لهذه الدعوة في الفعل التاريخي؟
ثم أن الأنظمة العربية القائمة، المطالبة بالعمل من أجل الوحدة، لا يمكن أن تعمل إلا في عكس هذا الاتجاه لأسباب عدة، أبرزها:
- تخلف غالبية هذه الأنظمة وتبعيتها – حتى لا نقول عمالتها – للقوى الدولية والإقليمية المعادية للتحرر والوحدة. وأبرز هذه القوى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
- إن قيام دولة الوحدة العربية يفقد الطبقات السياسية المسيطرة على هذه الأنظمة امتيازاتها والثروات غير المشروعة التي تستحوذ عليها من خلال مواقعها في السلطة.
- إن الوحدة العربية، بما هي تجسيد لإرادة شعبنا في مختلف أقطاره، وما يتطلبه العمل على تحقيقها من إطلاق الحياة السياسية في مجتمعاتنا – الديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان – إنما تتناقض بالكامل مع طبيعة الأنظمة القائمة والنهج اللاديمقراطي الذي تمارسه ضد مجتمعاتها.
الصعوبات والعقبات أمام هذه الحركة العربية الجديدة جمة. لكن هذه الصعوبات والعقبات هي نفسها التي تحتم قيام حركة التحرر العربية الديمقراطية الجديدة.
لماذا؟. لأن نشوء مثل هذه الحركة من قلب الأزمة ومن أتون المعاناة، هو التاريخ نفسه. هكذا ولدت كل الثورات الكبرى في التاريخ، وهكذا تولد الآن... وهكذا تولد الآن حركتنا الجديدة. من قلب الحاجة التاريخية تولد، من أجل الخروج بالأمة من حال اليأس إلى الأمل. من الاحتلال إلى الاستقلال. من التأخر إلى التقدم. من الفقر إلى الغنى. من النكوص العلمي والتكنولوجي إلى التفتح الابداعي المنتج. وأخيراً من التهميش التاريخي إلى الفعل التاريخي.
إنها مشروع ديمقراطي بالكامل، لأن الحركة العربية الجديدة آلت على نفسها تصحيح الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها الحركة القومية في السابق، حين أفرغت العروبة من مضامينها الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الشخصية، فكانت الحصيلة انتكاس المشروع القومي العربي القديم برمته.
قلنا أن الصعوبات جمة أمام العروبة الجديدة: الهيمنة الأميركية – الاسرائيلية، حال الاكتئاب الجماعي، التأخر الاقتصادي – الاجتماعي، الأنظمة العربية المتكلسة... لكن، وبرغم ذلك، لا بديل عن هذه العروبة الجديدة كحركة تاريخية جديدة وكقوة تغيير وتطوير في المنطقة العربية. البديل الحقيقي الوحيد لها هو الموت البطيء أو الانتحار.
ثم هناك حقيقة أخرى تجعل هذه الحركة الوحدوية واجية الوجود: في عصر العولمة، فإن دولاً كبرى متقدمة صناعياً وتكنولوجياً مثل إلمانيا وفرنسا لم تستطع المنافسة الاقتصادية وضمان الاستقلال السياسي بمفردها، فقررت التخلي عن جزء كبير من "سيادتها" لتحقيق اتحاد قادر وحده على تمكينها من البقاء والاستمرار. فكيف الأمر بالنسبة لـ 22 دولة عربية فقيرة وضعيفة ومتأخرة (برغم ثرواتها الطبيعية والبشرية الضخمة)؟.
في عصر الثورة التكنولوجية الثالثة، لم يعد ممكناً لأي دولة بمفردها أن تنهض دون التعاون مع جارتها من الدول. فكيف بـ 22 دولة ضعيفة وهشة؟.
في عصر الامبراطورية الأميركية، لم يعد ممكناً تحقيق ولو ظل من ظلال السيادة والاستقلال في أي دولة عربية، من دون نظام إقليمي عربي جديد، جاد في طروحاته الوحدوية، ومخلص في توجهاته الديمقراطية، وشفاف في علاقاته مع كل مواطنيه والأقليات فيه.
كل هذا يجعل من حركة التحرر العربية الديمقراطية ضرورة موضوعية، بقدر ما هي تلبية لرغبات ذاتية في استعادة قوة الأمة وهويتها ودورها التاريخي.
1 – ضرورة موضوعية، لأنه بات من الملح تطوير مقاربات جديدة من أجل تفكيك المشروع الصهيوني في المنطقة.
2 – وضرورة موضوعية، لأن كل البدائل عن الهوية العربية (من الطائفية والمذهبية، إلى مشاريع الأمم الوهمية) سقطت خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
3– وضرورة موضوعية، لأن التقدم الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي والفكري في المنطقة العربية، بات مستحيلاً من دون قيام كتلة عربية واحدة.
انطلاقاً من هذه المعطيات، ندعو كل النخب العربية والمواطنين العرب إلى نفض غبار اليأس والقنوط، وبدء العمل من أجل أن يكون الغد أمام شبابنا وأجيالنا الجديدة لا خلفهم.
نحن في حركة التحرر العربية الديمقراطية لسنا حزباً ولا مؤتمراً ولا نادياً ثقافياً. إننا "شبكة" تتقاطع فيها كل تيارات الأمة المؤمنة بالوحدة العربية والديمقراطية العربية والتحرر العربي.
هي شبكة لأنها متطابقة مع روح عصر الثروة التكنولوجية الثالثة المستندة بدورها إلى مفهوم "الشبكة". وبالتالي، فهي مفتوحة ومنفتحة أمام كل هذه التيارات وتدعوها إلى العمل المشترك من أجل بدء تغيير المناخات السياسية الراهنة في المنطقة العربية.
كما أن الحركة العربية الجديدة ستكون حريصة كل الحرص على إقامة أفضل العلاقات مع:
1 – الدول الإسلامية، خاصةً إيران وتركيا، ثم ماليزيا وإندونيسيا.
2 – مع الصين واليابان والهند التي تؤسس الآن لنهضة آسيا الكبرى.
3 – مع القوى المناهضة للرأسمالية العالمية المتوحشة.
4 – مع منظمات البيئة العالمية التي تقوم الآن بعمل بطولي لإنقاذ كوكب الأرض من الدمار الأناني الرأسمالي، قبل فوات الأوان.
الحركة تميز تمييزاً قاطعاً بين غربين: غرب عصور النهضة والأنوار والثورات العلمية التي أطلقت المشاريع الإنسانية – الأخلاقية الكبرى، وعصر الاستعمار والامبريالية والعنصرية الذي خلف أهوالاً لا سابق لها للبشرية طيلة القرون الأربعة الماضية.
انطلاقاً من رؤيتنا هذه، ندعو الغربيين إلى حوار حضارات على أسس الاعتراف بالآخر والاحترام المتبادل والانفتاح، لا على أسس العنصرية والتعالي وإلغاء الآخر والسيطرة والاستعمار.
وانطلاقاً من هذا الفهم، نجعل علاقاتنا مع الدول الغربية مستندة إلى القاعدة التي أكدها جمال عبد الناصر: "نصادق من يصادقنا، ونعادي من يعادينا".
نحن نرفض بقوة حروب الحضارات. لكننا نرفض بقوة أيضاً أن تدوس الحضارات الأخرى على حضارتنا بإسم التفوق أو موازين القوى. ولهذا بالتحديد نحن حركة تحرر عربية.
أيها الأخوة،
هذه الحوافز التي دفعت نخبة من هذه الأمة إلى عقد سلسلة مؤتمرات طيلة السنوات الثلاث الماضية، كان آخرها في 28، 29 و30 آيار 2004.