رسالة عاجلة إلى الرئيس!
رسالة عاجلة إلى الرئيس!
أسد الله القوصي
قال أبو حاتم الرازي: حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي، حدثنا أبو بكر بن عياش عن عبد الملك بن عُمير، قال: دخلتُ القصر بالكوفة (سنة 61ه) فإذا رأس الحسين بن عليّ فوق ترسٍ بين يدي عبيد الله بن زياد، وعبيد الله على السرير، ثم دخلتُ القصر بعد ذلك بحين (سنة 67ه) فرأيتُ رأس عبيد الله بن زياد على ترس بين يدي المختار الثقفي، والمختار على السرير، ثم دخلتُ القصر بعد ذلك بحين (سنة 67ه أيضاً) فرأيتُ رأس المختار على ترسٍ بين يدي مصعب بن الزبير، ومصعب على السرير، ثم دخلتُ القصر بعد ذلك بحين (سنة 71ه) فرأيتُ رأس مصعب بن الزبير على ترسٍ بين يدي عبد الملك بن مروان، وعبد الملك على السرير. فرأى عبد الملك مني اضطراباً، فسألني، فقلتُ: يا أمير المؤمنين، دخلتُ هذه الدار فرأيتُ رأس الحسين .... إلخ (الخبر المذكور) وهذا رأس مصعب بين يديك، فوقاكَ الله يا أمير المؤمنين. قال: فوثب عبد الملك بن مروان، وأمر بهدم الدار على ما فيه ومن فيه"!
* * *
أمّا قبل؛ فإنني أدري أنَّ رسالتي ستصل إليك يا سيادة الرئيس، كما وصلتْ إلى الذين من قبلك، فنبذوها وراء ظهورهم؛ وهددني أحدهم، قائلاً: لئنْ لمْ تنتهِ لأجعلنك من المسجونين! وقال خلَفه: لئنْ لمْ تنتهِ لتكوننَّ من المرجومين! وأخشى انْ تقول: لئنْ لمْ تنتهِ لتكوننَّ من المخرجين!
اعلم -يا سيادة الرئيس- أنَّ منزلتك من الشعب بمنزلة القلب من الجسد، ومنزلة مصر من الوطن العربي والعالَم الإسلامي بمنزلة القلب من الجسد أيضاً؛ وإذا صلحتْ تلك القلوب صلحت الأجساد، وإنْ فسدتْ فسد الكل ..!
اعلم أنَّ (العدل) أساس الملك، وليست الشعارات الرنانة، ولا الأبواق الإعلامية، وليست الحشود الأمنية، ولا المقرات البوليسية .. فحصِّنها بالعدل!
لا تكن عبرةً لمن خلفك، بلْ خذ العبرة ممن سبقك؛ من الملك المطرود، والرئيس المسموم، والرئيس المقتول، والرئيس المخلوع، وحبيبك المعزول!
اعلم أنَّه ليست العبقرية في المصادرة، والمطاردة، والملاحقة، وكسر الأقلام، وتكميم الأفواه، والتنصُّت على أصوات العصافير، وبطون الحوامل! إنما (العبقرية) تكمن في العفو عن الخصوم، وسعة الصدر نحو الرافضين، والاستماع للمعارضين .. فالحقُّ والعدلُ يصلحهم!
احذر أنْ تكرر استبداد الأمويين، وصلف العباسيين، ومظالم العثمانيين، وجرائر الذين جاءوا من بعدهم! فالمظالم أغرقتْ أقواماً، وأهلكتْ أُمماً، ونسفتْ دولاً، واقتلعتْ عروشاً وأنظمةً عتيدة!
اعلم أنك إذا نصرت اللهَ ينصرك، ويؤيدك، ويفتح لك فتحاً مبينا .. ولا قيمة لحلف الأطلسي، ولا حلف وارسو، ولا أصحاب الفيل، ولا الأحزاب من بعدهم!
اعلم أنَّ مفتاح النجاح والفلاح بيد أهل الحل والعقد من العباقرة والمبدعين والمبتكرين، والناصحين المخلصين، والعلماء الصادقين. وليس بيد الفاسدين المترفين، ولا الإعلاميين المتسلقِّين؛ الآكلين على كل الموائد، الحاملين للمباخر، المصفِّقين في السراء والضراء!
اعلم أنَّ العمر ساعة، وأنه اقترب الوعدُ الحقُّ، وأنكَ آتِ الرحمن فرداً أعزلاً، دون حراسك، ودون قواتك، ولنْ يرافقك مجلس الوزراء، ولا الذين طلبتَ أن يمنحوك التفويض تلو التفويض، ولا خراف حزب النور، ولا نعاج الدعوة السلفية .. لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأن يغنيه!
اعلم أنك ستُسأل في (المحشر) أسئلةً ما سمعتْ بها أُذُنك ولا خطرتْ على قلبك! سيقال لك: هل سعيتَ إلى ذلك المقعد انتصاراً لحرماتي، وابتغاء مرضاتي؟ عندما تولَّيتَ مقاليد الحكم هل اتخذتَ مع الرسول سبيلا؟ هل كسرتَ شوكة أهل البغي والطغيان؟ هل رفعتَ الظلم عن كاهل المظلومين؟ هل أنصفتَ أهل الذمة؟ ما الذي فعلته من أجل عياليَ الفقراء والمساكين واليتامى؟ وماذا فعلتَ للثكالى والمطرودين؟! هل زرتَ سكان المقابر والعشوائيات؟ هلْ غبَّرتَ قدمك نحو مستشفى الدمرداش، وشاهدتَ عباديَ المرضى؛ الذين يعانون نقص الدواء، وانقطاع الكهرباء؟ هل توجهتَ –ولوْ مرة- إلى نجع الديب، وشاهدتَ عباديَ المحرومين والجائعين؟!
يا سيادة الرئيس؛ اعلم أنَّه "من قطع رجاء أحد قطع الله رجاءه يوم القيامة"! والناسَ قد علَّقوا عليك آمالاً عريضة .. فلنْ يكفي أنْ يصبح عصرك كعصر هارون الرشيد! وقد لا تصبو إلى أحلامهم إذا أصبحتَ كعمر بن عبد العزيز! بلْ تسمو حتى تصير كجدِّه لأمه؛ ويشاهدونك في جنح الليل تتفقد أحوال الرعية في عزبة الهجانة! ويسمعونك تنادي: إذا عثر (تُك تُك) في نجع المطاريد؛ لسئلتُ عنه يوم القيامة! ويرونك تتململ في (ميدان العتبة) وتصرخ: ليت أُمي لمْ تلدني! بلْ وتستدعي ابن عامل تراحيل؛ وتقول له: اضرب ابن ابراهيم محلب كما ضربك!!
* * *
أمَّا بعد؛ فلا أجدُ ما أختمُ به أجلّ من الآية التي قال عنها ابن عباس: ليست هناك آية نزلتْ أشقّ على رسول الله منها: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ وَإِلَيْهِ الْمَصِير﴾.